نشرت بجريدتي "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 16-9-2019
هزيمة نتنياهو في الإنتخابات مرجّحة
اذا صوّت الناخبون العرب والروس ضده ؟
د. عصام نعمان
حكمان ينتظرهما بنيامين نتنياهو : حكم الرأي العام في الإنتخابات المقررة في 17/9/2019 ، وحكم القضاء في قضايا اتهامه وزوجته بالرشوة والإحتيال وخيانة الامانة . ايٌّ من هذين الحكمين كفيل بالقضاء عليه سياسياً . لذا يسعى بلا كلل لتفادي حكم الرأي العام بحجب الثقة عن حزبه وحلفائه في الإنتخابات لأن بقاءه في رئاسة الحكومة يساعده على تفادي حكم قضائي بإيداعه السجن .
إستماتته للبقاء على قيد الحياة سياسياً قادته الى القيام بعدّة اعمال وأنشطة كان أبرزها مقابلة الرئيس الروسي في منتجع سوتشي على البحر الأسود . بوتن لم يتردد في تفسير سبب مسارعة نتنياهو الى مقابلته قبل اربعة ايام من موعد الإنتخابات بقوله إن لا أقل من 1,5 مليون شخص يتحدرون من الاتحاد السوفياتي السابق يعيشون (وينتخبون) في "اسرائيل".
نتنياهو طامع بنيل حصة وافرة من اصوات الناخبين الروس. هل بإمكان بوتن حملهم على التصويت له ولحلفائه ؟ واذا كان في وسعه ذلك ، ما الثمن الذي سيقدمه له نتنياهو في المقابل ؟
الحقيقية ان ثمة خصماً قوياً ينافس نتنياهو على اصوات هؤلاء وعلى اصوات سواهم. إنه زعيم حزب "اسرائيل بيتنا" افيغدور ليبرمان الذي يتحدّر هو الاخر من جمهورية مولدوفا التي كانت ايضاً ضمن الإتحاد السوفياتي . ليبرمان كان المسؤول الرئيس عن تفشيل جهود نتنياهو لبناء إئتلاف حكومي بعد الإنتخابات الأخيرة ، وهو يسعى الآن الى تحقيق الغاية نفسها بالتركيز على الناخبين الروس الإسرائيليين الذين يتعاطف معظمهم مع دعوة ليبرمان الى إلغاء امتيازاتٍ يحظى بها الحريديم (اليهود المتشددون) حلفاء نتنياهو أبرزها اعفاؤهم من الخدمة العسكرية الإلزامية المفروضة على سائر مواطني الكيان الصهيوني.
لم يتضح بعد المقابل الذي تقاضاه بوتن لقاء إستقباله رئيس حكومةٍ قد لا يفوز في الإنتخابات بعد ايام معدودة . بعض المراقبين يرجّح ان يكون المقابل وعداً من نتنياهو بألاّ يضرب جيشه ما يعتبره قواعد لإيران في سوريا موجودة على مقربة من قاعدة بحرية لروسيا في طرطوس واخرى جوية في مطار حميميم بالقرب من اللاذقية . الدليل ؟ تصريح نتنياهو بعد المقابلة بأن الإتصالات مع بوتن "سمحت بتفادي حصول اي احتكاك او تصادم بين عسكريينا".
غير ان ثمة فئة اخرى من الناخبين تُقلق نتنياهو اكثر من موقف الناخبين الروس . إنها اكثرية الناخبين العرب الذين تمكّن زعماؤهم ، بعد اختلافات وتجاذبات شتى ، من توحيد احزابهم في قائمة مشتركة. مؤسسات استطلاع ومراقبون متعددون يقدّرون انه اذا وصلت نسبة تصويت الناخبين العرب الى 65 في المئة فإن تحالف احزاب اليمين والحريديم الذي يؤيد نتنياهو سيصاب بهزيمة تحول دون احتفاظه برئاسة الحكومة.
نتنياهو حاول ترهيب الناخبين العرب بحمل الحكومة على إقرار مشروع قانون يقضي بنصب كاميرات مراقبة في مراكز الاقتراع خلال الإنتخابات . غير ان معارضة اكثرية الاحزاب الاخرى ، وفي مقدمهم كتلة النواب العرب ، اسقطت المشروع في الكنيست.
نتنياهو ادرك حراجة وضعه الإنتخابي فإحتاط لردود الفعل السلبية المتوقعة من خصومه الكثر بتنظيم حملة علاقات عامة حملته الى اوكرانيا لمقابلة رئيسها الجديد ، والى بريطانيا لمقابلة رئيس حكومتها الجديد ايضاً . كل ذلك للتأثير في الرأي العام الإسرائيلي وإقناعه بأنه رجل دولة على مستوى عالمي ما يؤدي الى توطيد مكانة "اسرائيل" وأمنها.
لم يكتفِ نتنياهو بجولاته الخارجية بل شفع ذلك بإطلاق تصريحات من شأنها التأثير في ادارة ترامب من جهة واجتذاب المتطرفين ، وما اكثرهم بين الإسرائيليين ، من جهة اخرى . فما ان شعر بأن ترامب بدأ يتجاوب مع الرئيس الفرنسي ماكرون في سعيه الى جمعه مع الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني حتى قام بعقد مؤتمر صحافي اعلن فيه ان "اسرائيل" عثرت على منشآت اضافية جرى استخدمها في المشروع النووي الإيراني ، داعياً المجتمع الدولي الى الإنضمام الى الولايات المتحدة و"اسرائيل" في مواجهة ايران .
المفارقة انه بعد ساعات معدودات من تصريح نتنياهو قام ترامب بالإعلان عن استعداده للإجتماع الى روحاني ، بل هو ذهب الى أبعد من ذلك بإعلانه اقالة مستشاره للامن القومي جون بولتون ، العنصر الاكثر صقرية في دعم "اسرائيل" ومعاداة ايران !
الى ذلك ، قام نتنياهو بعقد مؤتمر صحافي خاص في تل ابيب تعهّد فيه بفرض السيادة الإسرائيلية على منطقة غور الاردن وشمال البحر الميت في حال إعادة انتخابه رئيساً للحكومة .
تعهّدُ نتنياهو هذا اثار ردود فعل متباينة في الحلبة السياسية الإسرائيلية. ففي حين رحّب به مجلس المستوطنات في الضفة الغربية معتبراً خطوته مهمة للغاية ، قالت احزاب المعارضة بقيادة تحالف "ازرق ابيض" إنها ترفض ان يكون غور الاردن جزءاً من دعاية نتنياهو الإنتخابية . اما تحالف "المعسكر الديمقراطي" فأكد ان ايّ عملية احادية الجانب من شأنها تهديد امن "اسرائيل" ومنع استئناف المفاوضات ، وانه من المستغرَب ان المشتبه فيه بالرشوة والاحتيال وخيانة الامانة تذّكر خطوة دراماتيكية كهذه قبل اقل من اسبوع من الانتخابات ! المحلل السياسي بن كسبيت قال في صحيفة "معاريف" (2019/9/11) اليمينية ان تعهّد نتنياهو مناورة رخيصة لأنه كان قادراً على ضم غور الاردن لكنه اكتفى بإعلانٍ غير مهم.
الى اين من هنا ؟
لا مغالاة في القول إن مصير نتنياهو السياسي بات رهن وجهة تصويت الناخبين المتحدرين من أصل روسي كما الناخبين العرب ، ولاسيما حجم النسبة المئوية لتصويت هؤلاء . صحيح ان النواب العرب يميلون تقليدياً الى عدم المشاركة في اية حكومة اسرائيلية سواء يمينية او يسارية ، لكن دورهم شديد الأهمية لكونهم قادرين على الإسهام في عدم تمكين ايٍّ من التكتلات البرلمانية من تكوين اكثرية في الكنيست تمكّنها من تأليف الحكومة المقبلة.
هل يفعلها الناخبون العرب في 17 ايلول/سبتمبر ؟