الإنقاذ بالعصيان المدني...
د. عصام نعمان
لبنان في أزمة . الواقع انه كان دائماً في ازمةِ نشأة ٍ وكينونة ومصير.
عوامل متعددة ، داخلية وخارجية ، أسهمت في تأجيج الأزمة وتخليدها ، لعل افعلها خللٌ وفشلٌ في ادارة التنوّع الذي يتميّز به الإجتماع السياسي اللبناني.
ما يعانيه لبنان واللبنانيون اليوم فصل آخر من فصول الفشل المدوّي في ادارة التنوع ، يتجلّى في شغور رئاسة الجمهورية ، وعجز البرلمان عن التشريع، وانقسام الحكومة على نفسها ما تسبّب بإنعدام التقرير ، وشلل الادارات والمؤسسات الرسمية ، وقصور مرافق الخدمات العامة ، وتواتر الإضطرابات الأمنية.
كل ذلك في وقتٍ يتهدد لبنان خطران استراتيجيان : اسرائيل الصهيونية العنصرية التوسعية ، والإرهاب التكفيري المتمثل بتنظيمات العنف الاعمى وخلاياها النائمة في الداخل وعصاباتها المقاتلة على الحدود اللبنانية – السورية .
تزداد الأزمة خطورةً وتعقيداً بتدهور اقتصادي واجتماعي تتفاقم حدّته بوجود اكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري ، ونحو 600 الف لاجىء فلسطيني ، مع إعلان وكالة الغوث الأممية (الاونروا) عجزها عن الوفاء بالحد الادنى من متطلبات الوافدين المتدفقين من سوريا .
لا غلو في القول إن لبنان يقف اليوم على مفترق . إنه مهدد بإنهيار اقتصادي – اجتماعي وبإنفجار أمني تُفاقم خطورتهما الماثلة عصبياتٌ مذهبية متفلّتة من عقالها وقصورٌ فادح في اداء الشبكة الحاكمة والقيادات السياسية التقليدية المتسلّطة .
ما المخرج ؟
إن التسليم بفشل القيادات السياسية في ادارة التنوّع اللبناني يعني ، في ما يعني ، فشل آليات العمل السياسي وادواته واساليبه المعتمدة ما ادى الى تعطيل المؤسسات السياسية والادارية والإقتصادية وإندلاع الأضطرابات الأمنية . من هنا يستقيم الإستنتاج بعدم جدوى اللجؤ الى الآليات والادوات والاساليب ذاتها للخروج من الأزمة طالما انها ستفرز القيادات الفاشلة نفسها والنتائج السياسية والإقتصادية والإجتماعية الفاسدة او الناقصة نفسها.
لا فرصة ولا جدوى ، اذاً ، من انتخاب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب الحالي المنتهية صلاحيته والممددة ولايته . ولا فرصة ولا جدوى من التشريع في مجلسٍ ممددة ولايته وعاجز عن الإجتماع . ولا فرصة ولا جدوى من الحكم بحكومة منقسمة على نفسها وعاجزة عن التقرير والتنفيذ.
نحن جميعاً ، مسؤولين ومواطنين ، نعاني ظروفاً وتحديات إستثنائية تتطلب، بلا مكابرة ولا مخاتلة ، قيادات استثنائية وقرارات استثنائية.
لا سبيل الى إنتاج قيادات استثنائية وصناعة قرارات استثنائية في ظل الثقافة والعقلية والمنهجية السائدة ، ولا بإعتماد الآليات والادوات والاساليب التقليدية البالية.
ما هو مطلوب لا يتحقق إلاّ بأن يقرر اللبنانيون ، مجتمعين ، بإرادةٍ حرة ما يريدون لأنفسهم ولوطنهم . هذا القرار المصيري لا يمكن ، ولا يجوز ، إتخاذه إلاّ عبر انتخابات حرة يكون اللبنانيون قادرين خلالها على المشاركة في مساواة تامة امام القانون وفي الفرص.
هل يستطيع اللبنانيون ان يفرضوا ، مجتمعين ، حقهم بالحرية والإختيار والإنتخاب وفي تقرير المصير ؟
الحقيقة انه نادراً ما استطاع اللبنانيون ، مجتمعين ، اتخاذ قرارٍ مصيري عابرٍ للطوائف والمذاهب. فعلوا ذلك ثلاث مرات فقط في التاريخ المعاصر : الاولى سنة 1943 عندما اتحدوا سياسياً وشعبياً لتعديل الدستور وتكريس الإستقلال عن سلطات الإنتداب الفرنسي. الثانية سنة 1952 عندما إتحدوا سياسياً وشعبياً لإزالة مخالفة التجديد للرئيس بشارة الخوري ولإنهاء ولايته الثانية . الثالثة سنة 1958 عندما اتحدوا سياسياً وشعبياً لمنع الرئيس كميل شمعون من تجديد ولايته وانحيازه لحلف بغداد و"مبدأ ايزنهاور" وذلك بإنتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية.
هل ثمة قضية وطنية عظيمة القيمة والأهمية في الوقت الحاضر تدفع اللبنانيين الى الاتحاد سياسياً وشعبياً من اجلها ؟
نعم ، انها الحرية والحق في ان يكونوا احراراً في وطن حر وأن يقرروا بحرية مصير إجتماعهم السياسي ومؤسسات حياتهم الوطنية المشتركة.
انها مطلب حق وشرعي ومشروع وشرط مطلوب للخروج من الأزمة المزمنة ، بل من المحنة القاتلة التي يعانونها.
نعم ، المطلوب إجراء انتخابات حرة يشارك فيها اللبنانيون ، مجتمعين ، وتجري على اساس قانونٍ للإنتخابات يعتمد قاعدة النسبية لضمان صحة التمثيل الشعبي وعدالته ما يؤدي تالياً الى استقامة ادارة التنوع اللبناني بعدالة وفعالية.
نعم ، اللبنانيون مدعوون الى الإتحاد في طلب الحرية والى تنظيم صفوفهم ، دونما إبطاء ، للضغط على الشبكة الحاكمة والقيادات التقليدية المتسلطة من اجل اعتماد قانون ديمقراطي للإنتخابات على اساس النسبية (كانت احالته على البرلمان حكومة نجيب ميقاتي منذ سنوات)، واجراء إنتخابات حرة بموجبه تكون ، بحد ذاتها ، مخرجاً من حال الأزمة والمحنة ، ومدخلاً لتكوين سلطة تشريعية من نواب شرعيين وبالتالي مؤهلين لإنتخاب رئيس الجمهورية ، تنبثق منهم حكومة إنقاذ وطني مقتدرة ، وتجري تعيينات امنية وادارية مستحقة ، وتؤسس لإعادة بناء لبنان دولةً ووطناً.
كيف ؟
بالعصيان المدني . نعم ، بالعصيان المدني اذ لا سبيل ، بوجود الشبكة الحاكمة وعقليتها السياسية التسلطية ، الى إحداث خرق في جدار النظام السياسي المتكلّس لتحقيق الإصلاحات المطلوبة.
ثمة حاجة تاريخية الى تكوين فريق قيادي راديكالي بسرعة قياسية من قيادات سياسية إصلاحية ومن قياديين شباب بازغين ، مهمته اطلاق الدعوة الى العصيان المدني وتنظيم مظاهره الميدانية في شتى حقول الحياة العامة .
لعل ابرز مظاهر العصيان وطرائقه المطلوبة خمسة :
- الإنقطاع عن العمل في المؤسسات الرسمية ذات الصلة المباشرة بأشخاص الشبكة الحاكمة واجهزة التسلط والقمع.
- الإعتصام في المؤسسات والمرافق العامة.
- شلّ المواصلات العامة في الاماكن والمواقع ذات التأثير المباشر في عمل السلطات العامة المتسلطة والمعادية للإصلاح الديمقراطي .
- تنظيم التظاهرات السلمية ومحاصرة مواقع الحاكمين المعادين للإصلاح الديمقراطي والإنقاذ الوطني .
- تنظيم حملة اعلامية واسعة ضد التسلط وضد إعادة إنتاج النظام الفاسد لنفسه واصحابه لأنفسهم.
ان مطلب الحرية والإنتخابات الحرة الهادفة الى إنتاج برلمان حرّ يمثل اللبنانيين بمختلف ألوانهم وشرائحهم السياسية والإجتماعية من شأنه ان يشكّل منطلقاً واساساً لقيادة راديكالية وجمهور عريض عابر للطوائف وقادر على فرض آليات ومناهج وطنية عصرية للإصلاح والتجديد .
دقت ساعة الإنقاذ الوطني بالعصيان المدني.