ما تبتغي المقاومة من الردّ على "إسرائيل" ؟
د. عصام نعمان
ثمة إجماع في عالم العرب ، لاسيما في المشرق ، على الردِّ بقسوة على "اسرائيل" جرّاء عمليتها العدوانية الفاجرة على مجاهدي المقاومة في القنيطرة . الردُّ لن يتولاه حزب الله بالضرورة . فالعدوان استهدف الأطراف الثلاثة لمحور الممانعة والمقاومة : حزب الله وسوريا وايران . من هنا فإن الرد قد يصدر عن هؤلاء مجتمعين او منفردين .
لا احد يمكنه تحديد زمان الرد ومكانه وحجمه . لكن يمكن الجزم بأنه سيكون نتيجةَ قرار تتخذه قيادات الاطراف الثلاثة . كذلك لا يمكن التكهن بالتداعيات الناشئة عنه قبل تنفيذه وإتضاح حجمه .
اجواء الغموض والتوتر والترقّب التي تلفّ المنطقة برمتها لا تحول دون مناقشة بعض الإفتراضات وما يمكن ان تؤول اليه من تداعيات . الإفتراضات تُبنى ، غالباً ، على اساس ما تتوافق القيادات الثلاث على انه دوافع حَمَلت القيادة الإسرائيلية على شنّ عدوانها الفاجر . في هذا المجال يمكن إفتراضُ ثلاثة منها وازنة :
اولاها ، ان بنيامين نتنياهو وفريقه الحاكم يستشعران اقتراباً محسوساً بين الولايات المتحدة وايران من تسويةٍ بشأن البرنامج النووي الإيراني ، وان هذه التسوية مؤذية لـِ "إسرائيل" ما يستدعي تفشيل المفاوضات الجارية بينهما قبل التوصل اليها. ولعل القيادة الإسرائيلية قدّرت ان ضربة قاسية تستهدف الاطراف الثلاثة لمحور الممانعة والمقاومة من شأنها خلط الاوراق وارباك الولايات المتحدة وايران وتعطيل المفاوضات.
ثانيها ، ان يكون قد تجمّع لدى القيادة الإسرائيلية معطيات حول نجاح الاطراف الثلاثة في بناء مقاومة شعبية وميدانية في جنـوب سوريا للرد على الدعم اللوجستي والعسكري الذي توّفره "اسرائيل" للمعارضة السورية المسلحة ، ولاسيما جبهة النصرة ، في منطقة خط الفصل بين القوات الإسرائيلية في الجولان المحتل والقوات السورية في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء وصولاً الى مباشرة مقاومة واسعة للإحتلال الإسرائيلي في الجولان . ولعل القيادة الإسرائيلية قدّرت ان التبكير في ضرب مشروع المقاومة الشعبية والميدانية يحقق هدفين : إجهاضه ، ودعم جبهة النصرة لتثبيت وتوسيع الجيب العازل الذي اقامته في المنطقة بسياق المخطط الرامي الى تقسيم سوريا لاحقاً .
ثالثها ، ان تكون العملية العدوانية في القنيطرة محاولة من نتنياهو ووزير حربه موشيه يعلون لتحقيق نصر تكتيكي في الصراع المحتدم مع محور الممانعة والمقاومة وتوظيفه تالياً في انتخابات الكنيست المزمع اجراؤها خلال شهر آذار المقبل . ولعل نتنياهو قدّر ان من شأن العملية العدوانية المدوّية ان تصبّ في مصلحة حزبه (ليكود) وتضمن بقاءه في السلطة بعدما اشارت استطلاعات الرأي الى احتمالٍ قوي بأن يفوز خصومه في "المعسكر الصهيوني" (حزب العمل بقيادة يتسحاق هرتزوغ وحزب "الحركة" بقيادة تسيبي ليفني) في الإنتخابات .
في حال إقتناع القيادة الإيرانية بأن الدافع الرئيس لقيام "اسرائيل" بالعملية العدوانية هو تفشيل المفاوضات "النووية" بين واشنطن وطهران ، فإن المرجّح ان تكون ردة فعلها توصية حلفائها بأن يكون الرد على "اسرائيل" عملية انتقامية مدوّية يشعر معها الرأي العام الإيراني كما الرأي العام العربي والإسلامي بأن العدو الصهيوني قد نال عقابه القوي الرادع من جهة وان حجمه المضبوط ، من جهة اخرى ، لن يتيح للعدو استغلاله سياسياً في الولايات المتحدة لتعميق شعور الاميركيين ، مسؤولين ومواطنين ، بأن قدرات ايران العسكرية اصبحت على مستوى عالٍ من الفعالية والخطورة يستدعي تشدداً معها في المفاوضات "النووية" وتعزيزاً لإتجاه الكونغرس الى تشديد العقوبات ضدها.
في حال اقتناع القيادات الثلاث لمحور الممانعة والمقاومة بأن الدافع الرئيس لقيام "اسرائيل" بالعملية العدوانية الحؤولُ دون بناء مقاومة شعبية وميدانية في جنوب سوريا بغية شلِّ الدعم اللوجستي والعسكري الذي توفّره "اسرائيل" لجبهة النصرة وحلفائها ، فإن المرجّح ان يكون قرار القيادات الثلاث توجيه ضربة شديدة مُحكمة ومدوّية من داخل الاراضي السورية الى قاعدة عسكرية استراتيجية او مستوطنة ذات طابع امني غالب في الجولان المحتل تُلحق بـِ "اسرائيل" من الخسائر البشرية والمادية ما يشكّل ترضية مقبولة للرأي العام في ايران كما في عالم العرب والمسلمين .
في حال إقتناع القيادات الثلاث لمحور الممانعة والمقاومة بأن الدافع الرئيس لقيام العدو الصهيوني بالعملية العدوانية تعزيزُ رصيد نتنياهو وحزبه في إنتخابات الكنيست القادمة ، فإن المرجّح ان يكون قرار القيادات الثلاث تكليف وحدات المقاومة الشعبية والميدانية الحديثة التأسيس بتوجيه ضربة شديدة ومدوّية من داخل الاراضي السورية ضد موقع استراتيجي (مرفق عام او مطار او قيادة منطقة عسكرية) داخل الجولان المحتل او داخل "اسرائيل" نفسها ، على ان يكون مردودها البشري والمادي عالياً وبالتالي مُرضياً للرأي العام في ايران كما في عالم العرب والمسلمين .
الى ذلك ، في حال إقتناع القيادات الثلاث ، ولا سيما القيادة الإيرانية ، بتوافر القدرة لديها على توجيه ضربة شديدة للعدو الصهيوني داخل الجولان المحتل او داخل "اسرائيل" نفسها وتطويرها الى حرب اقليمية محدودة ، فإن القرار المرجّح سيكون هندسة ضربة كفيلة بإستدراج العدو الى توسيع رقعة الإشتباك والإنزلاق الى الحرب . ولعل ضربة قوية ومدمّرة تستهدف منشآت "اسرائيل" الغازية في البحر المتوسط تنفذها سوريا او حزب الله تحقق الغرض المنشود .
ما الغاية المرتجاة من استدراج العدو الى توسيع رقعة الإشتباك وتطويره الى حرب اقليمية محدودة ؟
لعلها التسبّب في تعطيل نقل النفط من الدول المنتجة في شرق المتوسط الى الخارج ما يؤدي الى تصعيد اسعار النفط ، وهو امر يصبّ في مصلحة المتضررين من خفض اسعاره وفي مقدّمهم ايران وروسيا وفنزويلا .
اما توقيت الرد الموجع ضد "اسرائيل" فهو مسألة شديدة الحساسية والدقة . والأرجح ان القيادات الثلاث لمحور الممانعة والمقاومة تدرسها بعناية فائقة، ولاسيما لجهة الجدوى القصوى من توقيتها قبل او اثناء او بعد زيارة نتنياهو للولايات المتحدة لمخاطبة الكونغرس وتحريض اعضائه على مضاعفة العقوبات ضد ايران ...