لماذا تهادن اميركا "القاعدة" وتقاتل "داعش"؟
د. عصام نعمان
لا مجال للإنكار: "الإسلام الجهادي" بات لاعباً فاعلاً في صراعات المنطقة من العراق وسوريا شمالاً الى اليمن جنوباً. هو يتمثّل بتنظيمات ناشطة ، مقاتلة حيناً ومتقاتلة حيناً آخر .
في بلاد الشام : بايعت "جبهة النصرة" تنظيم "القاعدة" بشخص ايمن الظواهري، فيما تمرّد تنظيم "الدولة الإسلامية – داعش" عليه وبايع "الخليفة" ابا بكر البغدادي.
في بلاد الرافدين ، لا فعالية ملحوظة لـِ "القاعدة" . ذلك ان لـِ "داعش" الحضور والصعود والفعل المدوّي. في اليمن ، لا وجود لـِ "داعش" في حين ما زال لـِ "القاعدة" اليد العليا ولاسيما في محافظة حضرموت الجنوبية.
الولايات المتحدة تقاتل "داعش" في سوريا ظاهراً وتهادنه في العراق حيناً وتحمل عليه حيناً آخر. اما "القـاعدة" فتهادنه ، وقيل إنها تناصره ، في سوريـا من خلال مباركتهـا تنظيم "جيش الفتح" المعقـود لواء قيادتـه لجبهة "النصرة" التابعة لـِ "القاعدة" .
في اليمن ، كانت الولايات المتحدة تقاتل "القاعدة" في محافظات الجنوب بطائرات بلا طيار الى ان تفجّرت الحرب قبل نحو شهرين مع سيطرة "انصار الله" والجيش اليمني على صنعاء وتمددهم الى سائر المحافظات ، فكان ان اخلى الجيش الاميركي قواعده في جنوب البلاد ما ادى الى سيطرة "القاعدة" على المكلاّ، عاصمة حضرموت ، واجزاء اخرى من المحافظة المترامية الأطراف.
من الواضح ان الولايات المتحدة تفضّل "القاعدة" وتفرعاته على "داعش" ، ذلك ان التنظيم البالغ التشدد والسريع التمدد بات يشكّل ، بدمويته وطموحاته ، تهديداً لمصالحها ومخططاتها في المنطقة عموماً والعراق خصوصاً . فهو بسيطرته على مدينة الموصل ، عاصمة محافظة نينوى ، وتمدده في محافظتي الانبار وصلاح الدين ، واقترابه من محافظة بغداد ، ومحاولته التوّجه شرقاً للسيطرة على اربيل ، عاصمة اقليم كردستان العراق ، احرج واشنطن امام حليفتيها، حكومة بغداد الإتحادية وحكومة اربيل شبه الإنفصالية.
حَرَجُ واشنطن مردّه الى تخوفها من ان يعطل "داعش" مخططها الرامي ، على ما يبدو، الى تنفيذ مخطط "سايكس بيكو" جديد داخل القديم على نحوٍ يؤدي الى اقامة اقليم او دويلة سنيّة تضمّ محافظات العراق الغربية وبعضاً من محافظات سوريا الشرقية ، المحاذية لها ، ذات الغالبية السنيّة داخل الدولة الإتحادية العراقية. ذلك ان اهل السنّة على جانبي الحدود العراقية – السورية يرفضون دولةً يسيطر عليها "داعش" ، كما يرفضها اهل الشيعة والقوى الوطنية العابرة للطوائف في مجمل بلاد الرافدين.
واشنطن كانت هادنت "داعش" وتغاضت عن انشطته القتالية في غرب العراق وشرق سوريا كونها تلائم مخططها الرامي الى اجتراح اقليم او دويلة على جانبي الحدود العراقية – السورية تشكّل جغرافياً وبالتالي سياسياً وامنياً اسفيناً يفصل سوريا عن العراق ويُضعف صلات كِلا القطرين بإيران.
ازداد حرج واشنطن وشعورها بالخطر الذي يشكّله "داعش" على مخططها بعد ان حاول التنظيم التمدد غرباً لإجتياح عين العرب (كوباني) في شمال سوريا على نحوٍ هدد مخطط الولايات المتحدة (وتركيا) بشأن مستقبل المناطق ذات الغالبية الكردية في العراق وتركيا وسوريا.
تركيا هادنت "داعش" ، بادىء الامر ، كالولايات المتحدة بل فتحت له حدودها مع سوريا ليتدفق منها اليه الرجال والعتاد . ليس ادل على ذلك من قيام السلطات التركية بتوقيف اربعة مدعين عامين بتهمة اعتراض شاحنات وتفتيشها في محافظتي هاتاي واضنة قرب الحدود مع سوريا مطلعَ العام 2014 بعد الإشتباه بتهريبها السلاح والذخائر الى المقاتلين الإسلاميين في سوريا . لماذا توقيف المدعين العامين ومحاكمتهم ؟ قيل لأنهم بتدخلهم حاولوا اطاحة الحكومة وتعطيل عملها !
اذ تبدّى تباين ملحوظ في طريقة تعامل كلٍّ من واشنطن وانقره مع "داعش"، فقد اتسع مع انفجار الحرب في اليمن قبل نحو 50 يوماً. ذلك ان تركيا والسعودية قامتا بتجسير الفجوة القائمة بينهما نتيجةَ دعم الرياض للمشير عبد الفتاح السيسي وحلفائه في ازاحة الرئيس محمد مرسي وحكم الاخوان المسلمين ، إذ سارعت انقرة الى تأييد السعودية في "عاصفة الحزم" ضد من اعتبرتهم حلفاء ايران في اليمن. وقابلت الرياض "جميل" انقرة بدعوة القاهرة الى تخفيف حملتها على "الاخوان" . كل ذلك من اجل التلاقي مع انقرة في حملتها المتجددة لإضعاف حكومة دمشق واقصاء الرئيس بشار الاسد.
هكذا يتضح ان انقرة والرياض جمعتهما اخيراً وحدة الغرض. فقد افاد مسؤولون اتراك (لوكالات "رويترز" والصحافة الفرنسية و"اسوشيتدبرس") ان الإستياء التركي – السعودي المشترك من التردد الاميركي قرّب انقرة والرياض في تحالف استراتيجي اتاح تحقيق المكاسب الاخيرة للمقاتلين الإسلاميين في شمال سوريا. وتُظهر الإستراتيجية التركية – السعودية الاخيرة ان انقرة والرياض تعتبران ان الاسد يهدد المنطقة اكثر من جماعات "الإسلام الجهادي" كتنظيم "القاعدة" وامثاله.
تبدو ادارة اوباما قلقة من تداعيات التحالف التركي – السعودي وآثاره المحتملة على المحادثات الناشطة لإقرار "الإتفاق النووي النهائي" بين مجموعة دول 5+1 وايران قبـل آخر حزيران/يونيو المقبل ، لكنها لا تناهضه. بالعكس ، هي تغض النظر عنه وتحاول الإلتفاف عليه بالعودة الى خطتها القديمة– الجديدة بدعم قوى "المعارضة السورية المعتدلة" . كيف ؟
بالعودة الى تدريب وتسليح قوات في الاردن وتركيا قد يزيد عديدها في نهاية المطاف عن 15 الف رجل لمواجهة "داعش" ، والمثابرة عبر وسيط خليجي في الضغط على جبهة "النصرة" من اجل فك إرتباطها ، ولو ظاهراً ، بـ "القاعدة" كي تصبح مقبولة من الجمهور السوري غير السلفي . ذلك يؤدي ، في ظنها ، الى تعظيم قوى "المعارضة المعتدلة" ضد النظام السوري و"داعش" على السواء . غير ان منتقدي الرئيس اوباما في واشنطن كما في انقرة والرياض يعتقدون أن خطته اضعف كثيراً من ان تغيّر مسار الاحداث.
المفارقة ان هذا رأي قادة الجيش السوري والمقاومة اللبنانية ايضاً ، ولا سيما بعد المكاسب الوازنة التي احرزوها اخيراً في معارك مرتفعات القلمون وطرف سهل الغاب المؤدي الى جسر الشغور.