نشرت بجريدة "القدس العربي"
تاريخ 8/1/2018
في ضوء ما قاله نصرالله
هل " الحرب الكبرى" محتملة... ومتى ؟
د. عصام نعمان
معظم المسؤولين والمواطنين المعنيين في عالم العرب وغير العرب يصغون بإهتمام شديد لما يقوله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. فالرجل قائد مقتدر لتنظيم مقاوم قوي بات له دور اقليمي فاعل، وتتسم سلوكيته الشخصية والسياسية بالصدق والدقة والجدّية لدرجة ان جمهور "اسرائيل" يصدقه اكثر مما يصدق زعماءه.
السيد نصرالله ادلى منتصفَ الاسبوع الماضي ، خلالَ مقابلة تلفزيونية مع الإعلامي المرموق سامي كليب ، بجملة اراء ومواقف لافتة تنطوي على اهمية استراتيجية ، لعل ابرزها ان "اسرائيل" والولايات المتحدة قد تتجهان الى شن "حرب كبرى" على تنظيمات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية ، وعلى اطراف محور المقاومة الداعمة لها في لبنان وسوريا وحتى في العراق و...ايران . وحرص السيد نصرالله على التأكيد أن قوى المقاومة ، اللبنانية والفلسطينية والسورية ، باشرت في اتخاذ تدابير استثنائية ، تنظيمية وعسكرية ، لمواجهة مخاطر "الحرب الكبرى" وتداعياتها ، وان اهداف قوى المقاومة في هذه الحالة لن تقتصر على اقتحام منطقة الجليل ، شمال فلسطين المحتلة، بل ستبادر الى تحرير القدس، تحديداً ،وما بعدها ايضاً.
اهمية كلام السيد نصرالله تنبع من اعتبارين : الاول كونه ، في الواقع، المحرّك الرئيس لاطراف محور المقاومة (ايران ، سوريا، حزب الله، وفصائل المقاومة الفلسطينية) الى كونه ايضاً الناطق الميداني بإسمها، إن صح التعبير ؛ الثاني كونه قدّم استشرافاً منطقياً لتطورات الصراع في الأقليم يرجّح ، في الغالب، إندلاع حرب كبرى.
استشراف السيد نصرالله يتعزّز بالواقعات الآتية:
- الرئيس الاميركي دونالد ترامب انهى ، بقرار الإعتراف بالقدس عاصمةً لدولة "اسرائيل" ، امكانيةَ التسوية ومسار المفاوضات (المعطَّل اصلاً) بين العرب والصهاينة وأجّج النزاع المحتدم بينهما.
- القادة الصهاينة تلقفوا قرار ترامب وباشروا فوراً في استغلاله على نطاق واسع بتوسيع دائرة الإستيطان ؛ وبقانـــون من الكنيست يجعل مــن القدس الموحدة "عاصمة ابديـة" لـِ "اسرائيل" وامراً واقعاً محروساً بإستحالة التفاوض بشأنها او التخلّي عن ايّ جزء منها ؛ وبقرار يكرّس ضمّ المستوطنات (المستعمرات) في الضفة الغربية الى الكيان الصهيوني نهائياً ؛ والتشدد في قمع المتظاهرين والمعترضين ومقاومي هذه التدابير الجائرة حتى حدود تطبيق احكام الإعدام بحقهم.
- إقتران هجمة اميركا و"اسرائيل" الكاسرة على حقوق الفلسطينيين بحملة لتطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية والكيان الصهيوني في اطار مسارٍ متدرّج لتصفية قضية فلسطين مقروناً بمساعٍ حثيثة لإقامة تحالف بين السعودية و"اسرائيل" وما يتيسّر من سائر دول الخليج بغية مجابهة ايران اقليمياً والحدّ من نفوذها، لا سيما في سوريا والعراق .
يستنتج السيد نصرالله ان إنهاء خيار المفاوضات يؤدي الى تقليص مساحة التعامل ولو المحدود بين طرفي النزاع ما يفضي بالضرورة الى احتدام الصراع وازدياد فرص الصدام .
الى ذلك ، تُدرك "اسرائيل" تعاظم قدرات ايران على جميع المستويات وبالتالي قدرة حزب الله على تدمير مرافقها الحيوية (الكهربائية والصناعية وموانئها الجوية والبحرية فضلاً عن مستودعات الامونيا ومفاعل ديمونا النووي) الامر الذي يهدد الكيان الصهيوني امنياً ومصيرياً . من المنطقي ، والحال هذه ، ان تتحسب "اسرائيل" (واميركا) للمخاطر والتهديدات الناجمة عن الوضع السياسي والعسكري المستجد فتبادر، ربما ، الى ضرب اطراف محور المقاومة للحؤول ، استباقاً ، دون اكتمال قدراتها ولإجهاض ايّ محاولة من جانبها لتهديد امنها القومي.
في سياق ابراز هذه الواقعات والتطورات صدر عن السيد نصرالله في سياق مقابلته التلفزيونية تأكيدان لافتان ومهمان : اولهما ان اطراف محور المقاومة ستواجه بقوةٍ احتمال لجؤ اسرائيل (واميركا) الى خيار "الحرب الكبرى" وانها تمتلك القدرات اللازمة للرد الفاعل ، وثانيهما انه يقتضي تحويل التهديد الصهيواميركي بالحرب الى فرصة يقتضي اغتنامها لتحرير القدس.
ينهض في ضوء ما تقدّم بيانه سؤال ملحاح : متى تجد "اسرائيل" (ومن ورائها اميركا) نفسها مضطرة الى اللجؤ لخيار "الحرب الكبرى" ضد اطراف محور المقاومة ، ومتى يجد محور المقاومة نفسه ، تالياً ، مضطراً الى الردّ الشامل ؟
لعل القرار الحاسم ، بالنسبة لـِ "اسرائيل" في هذه الحالة ، يتوقف على ثلاثة شروط :
أولها ، تأكّدها وخشيتها من توافر اسلحة كاسرة للتوازن (صواريخ بالستية موجّهة ودقيقة ، ومنظومة نوعية للدفاع الجوي ، وطائرات متطورة واخرى مسيّرة بلا طيار ، وتصنيع اسلحة دمار شامل) لدى اطراف محور المقاومة ما يمكّنها من تدمير مرافقها الحيوية وتمزيق جبهتها الداخلية .
ثانيها ، اختلال راجح في موازين القوى لمصلحة العرب ، ولا سيما اذا ما ساندت مصر بشكلٍ او بآخر اطراف محور المقاومة ، وخاصةً في حال كسرها الحصار والطوق المفروضين على قطاع غزة.
ثالثها ، استعداد الولايات المتحدة للمشاركة في "الحرب الكبرى" على اطراف محور المقاومة او، اقلّه ، مساندة "اسرائيل" على نحوٍ وازن ومؤثّر.
يرى البعض ، شأني في هذا المجال ، استحالة لجؤ "اسرائيل" الى "الحرب الكبرى" ضد اطراف محور المقاومة ما لم تضمن مشاركة الولايات المتحدة او مساندتها القوية لها سياسياً وعسكرياً ، إلاّ في حالة واحدة شديدة الاستثناء هي جنوح قيادة "اسرائيل" ، لأسباب خطيرة وماثلة ويصعب تجاوزها ، الى استخدام "السلاح الاخير"، اي السلاح النووي ، بدعوى تفادي "هولوكست" هائل يعقب إنهيارٍ وشيك لكيانها نتيجةَ هجومٍ صاعق لقوى محور المقاومة.
ما الموقف الأرجح لمحور المقاومة إزاء الإحتمالات السالفة الذكر ؟
يستشفُّ المراقب الحصيف مما قاله السيد نصرالله جواباً عن اسئلة دقيقة ومحرجة طرحها محاوره سامي كليب ان قوى محور المقاومة تمتلك قدرات وازنة ، عسكرياً وتكنولوجياً ، وان بإمكانها الردّ بإقتدار على "الحرب الكبرى" التي تشنّها "اسرائيل" وذلك لتوافر شرطين لديها من الشروط الثلاثة المنوه بها آنفاً : الاول (الاسلحة الكاسرة للتوازن) والثاني (اختلال موازين القوى لمصلحتها عاجلاً او آجلاً) إلّا انها قد تتردد في توسيع دائرة الإشتباك مع العدو في حال مشاركة الولايات المتحدة في "الحرب الكبرى" او مساندتها الوازنة له. ومع ذلك فإن أطراف محور المقاومة قد تُقدم على الرد بقوة في حال امتلاكها احد اسلحة الدمار الشامل، اقلّه الاسلحة الكيميائية او الاسلحة البيولوجية . ذلك انها تستطيع بإستعمالها تعويض النقص في السلاح النووي الذي يمتلكه العدو وقد يستعمله . كيف ؟ بالقوة النارية المتعاظمة لسلاح الدمار الشامل (الكيميائي او البيولوجي) وبالصواريخ الموجهة وغيرالموجهة التي تمتلك منها مئات الالآف وتستطيع اطلاقها من قواعد قريبة في محيط "اسرائيل" الجغرافي.
يبقى انه يقتضي ، في هذه الحالة ، وجود قدرة وازنة لدى اطراف محور المقاومة على تصنيع اسلحة الدمار الشامل ، وعلى إشعار العدو بوجودها توخياً لتفعيل عامل الردع ، كما على إشعاره بالإرادة الحاسمة لإستعماله بلا تردد اذا ما استدعى الخطر والضرورة القصوى ذلك .