نشرت بجريدة "البناء" "والخليج"
تاريخ 8/7/2017
اوقفوا تصفية قضية فلسطين بأيدي ابنائها...
د. عصام نعمان
ماذا بقي من فلسطين وقضيتها بعد نحو 70 عاماً من زرع الكيان الصهيوني في قلب عالم العرب؟
لم يبقَ منها سوى شعب منكوب شُرّد تحت كل كوكب ، يعاني شظف العيش وانعدام الأمن والأمان وضمور مركزية القضية وانسداد أفق الحرية والخلاص الوطني من جهة ، ومن جهة اخرى احتدام الصراع بين سلطتين تدّعيان تمثيل الشعب والقضية ، واحدة في الضفة الغربية اضحت بعد اتفاق اوسلو للعام 1993 ذراع "اسرائيل" الامنية في ما تبقّى من ارضٍ وشعب ، واخرى في غزة تكافح لإبقاء مليوني فلسطيني على قيد الحياة ونحو 370 كيلومتر مربع من ترابها بمأمن من قضمٍ صهيوني زاحف على مستوى فلسطين برمتها من النهر الى البحر.
في إطار هذا المشهد الفلسطيني البائس ، لا يفتأ ابناء القضية ، ولاسيما مَن اضحى منهم ذا وظيفة وإمرة في كِلا السلطتين ، عن متابعة الصراع على انقاض سلطة شكلية محبوسة في سجن الإحتلال الصهيوني بلغت ادنى درجات التناحر والتنابذ وقطع الأرزاق الذي هو من قطع الأعناق . فمن خفض رواتب الموظفين العاملين في قطاع غزة ، الى احالة الاف منهم على تقاعد مبكر ، الى فرض الضرائب على الوقود المخصص لتوليد الكهرباء ، الى تقليص المبالغ التي تُدفع شهرياً لتزويد القطاع بـِ 120 ميغاواط من التيار الكهربائي المستمَد من "اسرائيل" ، الى خفض التحويلات الطبية الخارجية.
كل هذه العقوبات من اجل الضغط على حركة "حماس" في قطاع غزة التي تتمسك بالسلطة وترفض تسليمها الى حكومة السلطة الاخرى في رام الله. وفيما تتهم سلطة محمود عباس سلطة"حماس" برعاية الإنقسام الفلسطيني واتخاذ خطوات تقود الى الإنفصال ، تردّ "حماس" بأن اجراءات السلطة في رام الله غير اخلاقية وغير انسانية ولا علاقة لها بإنهاء الإنقسام.
"اسرائيل" تراقب المشهد المأساوي الفلسطيني بإرتياح وغبطة. لكنها تراقب ايضاً بإرتياب ، لدواعٍ أمنية ، ما يمكن ان يرافق تداعياته من تطورات سياسية تتناول العلاقات بين مصر و"حماس" من جهة و"حماس" وايران من جهة اخرى. تتساءل: ما سرّ هذا التقارب المستجد بين مصر و"حماس" ؟ ماذا بعد فتح معبر رفح بين القطاع ومصر وتسليم امر مراقبته الى جماعة خصم محمود عباس اللدود محمد دحلان ؟ وما ثمن موافقة "حماس" على كل هذه التحركات ؟
"اسرائيل " لا يهمها تراجع "حماس" عن مواقفها السابقة برفض إقامة دولة فلسطينية على خطوط وقف النار للعام 1967 واستعدادها تالياً للقبول بها حاليّاً ، فحكومة نتنياهو تخلّت عن مشروع الدولتين وهي جادة في تعميم الإستيطان على كامل الضفة الغربية كي لا يبقى لسلطة محمود عباس إلاّ بضع مناطق من الكثافة الفلسطينية . ما يهمّ "اسرائيل" هو ألاّ يؤدي التعاون السياسي والإقتصادي بين مصر و"حماس" الى فكّ ضائقة هذه الاخيرة ما يفضي تالياً الى تصليب ارادتها السياسية وتشجيعها على معاودة عملياتها القتالية ضد المستعمرات الصهونية المحيطة بالقطاع. ثم مَن يدري ، فلعل القاهرة التي تتحسب لتداعيات فتح قناة بن غوريون بين البحر الاحمر والبحر المتوسط عبر صحراء النقب ، قد تتفاهم مع "حماس" على مضاعفة عملياتها ضد "اسرائيل" لحملها على صرف النظر عن مشروعها المنافس لقناة السويس او لتأخير انجازه في الاقل.
ثمة امر آخر يقلق "اسرائيل" : هل يكون ثمن تخلّي "حماس" عن علاقتها التاريخية مع الاخوان المسلمين وبالتالي عن قطر قبول مصر بالتغاضي عن تنمية العلاقات بين "حماس" وايران؟
اياً ما تكون المضاعفات الناجمة عن تحسّن العلاقة بين "حماس" ومصر ، وتفعيل العلاقة بين "حماس" وايران فإن ثمة تحدياً ماثلاً يستوجب معالجة سريعة وفاعلة . إنها مخاطر ان يُسهم الفلسطينيون ، مسؤولين ومواطنين ، بوعي او من دون وعي ، في تصفية القضية من خلال هذا الصراع ، بل التناحر ، المرير والمأساوي على السلطة بين مجموعة محمود عباس وحركة "حماس" . ان القوى الوطنية الحيّة في الشعب الفلسطيني ، المستقلة عن السلطتين المتصارعتين ، مدعوةٌ الى التفكير والتدبير: التفكير في مقتضيات مواجهة هذا التحدي – المعضلة ، وإقرار منهجية فعالة للمباشرة في المواجهة الوطنية المطلوبة.
ارى ، في هذا المجال ، ان تتوافق القوى الحيّــة ذات المعرفة والخبرة على هيئة نوعية من اهل التفكير والتدبير تتولى بلا إبطاء وضع دراسة – وثيقة معمقّة ومتكاملة لقضية فلسطين في واقعها ومرتجاها ، واقتراح برنامج عمل مرحلي وآخر استراتيجي وبالتالي تنظيم مؤتمر وطني جامع يضمّ ممثلين عن القوى الحيّة في الوطن والشتات لمناقشة الدراسة – الوثيقة والخروج بقرارات ومناهج فاعلة للعمل وواعدة بالأمل.
آن أوان الإرتقاء الى مستوى الأخطار والتحديات التي تواجه الامة ، وفي مقدمها قضية فلسطين ، واجتراح منهجية نوعية للعمل والكفاح تعيد وضعها في قلب الصراع ومسار التاريخ وتؤسس لمرحلة جديدة فارقة في حاضر الامة ومستقبلها.