نشرت بجريدة"القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 18/7/2016
هل للعروبيين والإسلاميين قضية مشتركة ؟
د. عصام نعمان
انعقد في بيروت اواخرَ الأسبوع الماضي المؤتمر العربي العام ، وهو منتدى مشترك للمؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي - الإسلامي ، ومؤتمر الأحزاب العربية ، وهيئة التعبئة الشعبية العربية. انعقاد المؤتمر صادف الذكرى العاشرة لبدء العدوان الصهيوني على لبنان منتصفَ شهر تموز/ يوليو 2006 ، وتوخى دعم المقاومة اللبنانية التي دحرته.
العنوان العام للمؤتمر :"دعم المقاومة ورفض تصنيفها بالإرهاب". فهل دعم المقاومة قضية مشتركة للعروبيين والإسلاميين الذين شكّلوا جمهور المؤتمر وغالبية المشاركين في مناقشاته ؟
يقتضي ، اولاً، توصيف كلٍّ من العروبيين والإسلاميين المشاركين في المؤتمر العربي العام. يمكن القول إن العروبيين ، عموماً ، مثقفون مؤمنون بالتكامل الحضاري بين العروبة والإسلام ، وان الإسلاميين من اعضاء المؤتمر القومي - الإسلامي مؤمنون بوجوب التعاون الوثيق مع العروبيين ضد العدو المشترك الذي هو الغرب الامبريالي وربيبته العنصرية المتوحشة اسرائيل . غير ان العروبيين ، كما الإسلاميين ، ينطوون على تلاوين ايديولوجية وسياسية مختلفة وطرائق عملانية متعارضة تتجلى بأشكال متفاوتة في تفكيرهم وسلوكياتهم وبالتالي في مواقفهم.
بعض العروبيين ، مثلاً ، يقف موقفاً سلبياً من حركة الحوثيين وسياستهم في اليمن . أليس لافتاً ان يكون الامين العام السابق للمؤتمر القومي العربي ، عبد الملك المخلافي ، وزيراً للخارجية في المنظومة الحاكمة لرئيس الجمهورية اليمني المستقيل ، ثم العائد ، عبد ربه منصور هادي ؟
بعض الإسلاميين من اعضاء "الجماعة الإسلامية" (الاخوانية) في لبنان يقف موقفاً سياسياً سلبياً من حزب الله ، قائد المقاومة اللبنانية ، لدرجة حملته على مقاطعة المؤتمر العربي العام بدعوى انه مع حزب الله في مقاومته اسرائيل ، لكنه ضد مشاركته في مقاتلة الاسلاميين المعارضين ( والإرهابيين؟) في سوريا والعراق . واذا كان العروبيون يرفضون تصنيف المقاومة ، ولا سيما حزب الله بالإرهاب ، كما فعلت جامعة الدول العربية ، فالإسلاميون القريبون من الاخوان المسلمين لا يتقبّلون ذلك التصنيف فحسب بل يرفضون فوق ذلك تخصيص دورة المؤتمر العربي العام لدعم حزب الله وتعزيز هالة مقاومته.
رغم الإستثنائين المار ذكرهما ، فأنه لأمر لافت توافق مجاميع من العروبيين والإسلاميين في المشرق والمغرب على تنظيم مؤتمر عربي جامع هدفه الرئيس دعم المقاومة ورفض تصنيفها بالإرهاب . فهل المقاومة قضية الأمة في هذه الآونة؟
ليس كل الأمة ، بطبيعة الحال ، بل فريقٌ وازن من عروبييها وإسلامييها المثقفين ، رجالاً ونساءً ، مشرقيين ومغربيين ، قياديين متمرسين وسياسيين غير محترفين ، ملتزمين صارمين ومتعاطفين متحمسين ، ثوريين حتى السديم العظمي ونهضويين في كل المجالات والساحات.
الى ذلك ، ثمة ثغرة لافتة في تركيبة هذه الشريحة الواسعة من العروبيين والإسلاميين : نقص ملحوظ في عنصر الشباب. فالكهولة صفة غالبة للمشاركين . قد تكون روحهم شابة ، او توحي بذلك ، لكن حركتهم متثاقلة . هل عقولهم تنتمي الى الماضي؟ كلا ، بالتأكيد ، لأنهم منتمون الى الحاضر ، متطلعون الى المستقبل بوجه عام.
النقص في عنصر الشباب لا يشمل تنظيمات المقاومة الميدانية التي يمثلها او ينتمي اليها فريق من المشاركين . اهل المقاومة ، مثقفين ومقاتلين ، ما زالوا شباباً ناشطين بإمتياز.
لعل البُعد الإهم في "مشهدية" المؤتمر العربي العام هي المقاومة نفسها التي تداعى المؤتمرون الى نصرتها . فالمقاومة قضية حيّة ، شابّة وذات حضور وازن . هي كذلك لأن اعداءها ، لاسيما في الغرب الأطلسي وبين بعض العرب المعترفين بإسرائيل، ينشطون بحركية وحيوية ووتيرة لافتة الامر الذي استوجب ردة فعل من الطراز نفسه ، وربما أقوى ، في صفوف اهل المقاومة ، مثقفين ومقاتلين .
كيف يمكن ان يخدم العروبيون والإسلاميون النهضويون قضية المقاومة فكرياً وسياسياً وميدانياً ؟
قلتُ لأصدقائي في المؤتمر ان وحدهم العميان والمتخلفين عقلياً لا يرون ولا يشعرون بوطأة الهجمة الضارية التي يشنها اصحاب المصالح والمشاريع العملاقة في دول الغرب الأطلسي على المقاومة بكل ما في متناولهم من اسلحة ثقافية وسياسية واقتصادية وعسكرية وتكنولوجية في زمنٍ يعيش العالم برمته حال مخاضٍ عميق وشامل خلال مرحلة الإنتقال الراهنة من نظام عالمي مترهّل ومتهافت الى نظام عالمي متجدد وبازغ.
في مرحلة الإنتقال الشائكة والمؤلمة يبتغي اصحاب المصالح والمشاريع القاريّة والعابرة للقارات ، الراسخون في السلطة والناشطون في حدائقها الخلفية ، اختلاق ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية يجد معها الحاكمون والمحكومون في عالم العرب انفسهم محمولين على الإختيار بين الإندراج في ثقافة الغرب المعاصر ، الاميركي والاوروبي ، وشبكات مصالحه العملاقة المتعددة الاغراض والمنتوجات والخدمات والاذواق والازياء ، وبين البقاء في حال الفوضى والشتات والإنغماس في مستنقعات العصبيات الطائفية والمذهبية والاثنية وصراعات امراء الحرب السلفيين الماضويين ، وتنظيمات العنف الاعمى ، والشبكات الحاكمة التي ترى في السلطة جائزة العمر والعصر غير القابلة للتداول.
في زمن التسلّط على الامم والشعوب بالثقافة والإعلام والإتصالات والإقتصاد والتكنولوجيا والسلاح والمال والعصبيات العمياء، لا يكفي التصدي للتحديات العدائية عسكرياً فقط . ارى ان العروبيين والإسلاميين النهضويين ومريديهم من اجيال الشباب مدعوون الى الإستنفار من اجل الاضطلاع بدورٍ ورسالة لهما المنطلقات والمهمات الاتية:
· الإسهام جدّياً في بناء ثقافة نهضوية مقاوِمة قوامها القيم الإنسانية الحيّة المستمَدة من التراث والإسلام ، واطّراح ما اضحى شائخاً ، واعتماد المفاهيم والنظريات والآليات المعاصرة ، ولاسيما ما يتصل منها بالحرية والعقل والعدل من جهة ، والعلم والنقد والتجريب والإبتكار وحب الإستكشاف والتكنولوجيا وريادة الفضاء واعماق المحيطات من جهة اخرى.
· التخطيط والإنخراط في مسار طويل لتطوير مفهوم السياسة عندنا من كونه مطلباً يتمحور حول تملّك السلطة والتمسّك بها الى مسلك ادارة التنوع وحماية حقوق الإنسان وتأمين معيشته بحرية وآمان وكرامة.
· الإسهام في بناء الدولة المدنية الديمقراطية بما هي الصيغة الأفضل لحماية حقوق الإنسان ، وتأمين العدالة والتنمية ، واطار للرعاية الإجتماعية.
يبقى التأكيد على ان معيار قيام العروبيين والإسلاميين النهضويين بالدور والرسالة المنوّه بهما هو الإلتزام الصارم والحضور الميداني والتصدي بلا هوادة للظلم والأستعمار الجديد والعنصرية والإستبداد والفساد والمحاصصة والتعتيم على الحقيقة.
النهضة هي كل هذه المبادىء والقيم والمسالك والمهمات في الزمان والمكان.