• ثمة مقولة رائجة مفادها ان الإنتخابات هي مصدر الشرعية ومعيارها
  • "مطلوب رجل لا يخجل حاضره بماضيه"
  • لبنان بلد الالف مشكلة ومشكلة . مشكلته الاولى بعد الالف انطرحت
  • الإنتخابات في عالم العرب قضية خلافية ومثيرة للجدل دائماً الخلاف لا يقتصر على العرب
  • لبنان ملعب ولاعبون. الملعب هو النظام السياسي ، واللاعبون هم متزعمون في طوائف
  • يمكن تعريف القانون الدولي العام بأنه مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول
مقالات
2015-03-28
ضعـف وإستضعــاف بلا حــدود
 

ضعـف وإستضعــاف بلا حــدود

د. عصام نعمان

 

إستضعفوك فوصفوك.

هذا هو حال العرب اليوم . الضعف في كل مكان ، تقريباً ، وعلى جميع المستويات . ولعل أخطر أنواع الضعف إنعدام الإرادة إذ يفضي الى إنعدام الوزن.

أجل ، العرب اليوم في حال إنعدام الوزن . وعندما يكونون كذلك يوفّرون للأعداء والخصوم والمتربصين بهم فرصاً شتى للنيل منهم  بكل الوسائل المتاحة .

إستضعفوك فوصفوك.

هذا هو حالنا اليوم : لا حدود لضعفنا ، ولا حدود لما يمكن ان يفعله أعداؤنا بنا.

كنا نشكو ، غالب الأحيان ، من اننا لا نمارس حيال أفعال الأعداء والخصوم الاّ رد الفعل . اليوم لا نمارس حتى أبسط انواع ردّ الفعل.

لا فعل ولا رد فعل . أليس هو الضعف الساطع بأجلى حدّته  وفظاظته ؟

هذا الحكم القاسي لا ينطبق على المقاومة والمقاومين . إنهم الإستثناء الذي يؤكد القاعدة . ليس " قاعدة " اسامه بن لادن والظواهري والبغدادي بل قاعدة الضعف السادر ، الشامل ، الطاغي ، الكثيف المخيّم علينا من المحيط الفاتر الى الخليج الفائر.

لأننا على هذا القدر من الضعف ، لا يتوانى الأعداء عن إستضعافنا في كل آن ولأي سبب او دافع او غرض .

إن المرء ليعجب كيف لا يستضعفنا اعداؤنا اكثر مما يفعلون . لعل مرد ذلك الى أسباب وعوامل وإعتبارات تتعلق بالأعداء  والاغيار وليس بأصحاب الدار.

قلنا إن حال الضعف لا تنطبق على المقاومة والمقاومين . هؤلاء انتصروا على الضعف في نفوسهم فأصبح في إمكانهم ان يقتنصوا العدو في مواطن ضعفه . فالمقاومة ، في التحليل الأخير ، هي صراع أرادات ميدانها الأساس مكامن الضعف في أوضاع الأطراف المتصارعين . كل طرف يحاول إقتناص الطرف الآخر في مواطن ضعفه . بهذا المعنى تبدو المقاومة في جوهرها فعل ذكاء وتدبير أكثر مما هي فعل قوة وتدمير. غير انها تبقى ، في كل الأحوال، مشروطة بتوّفر الإرادة ... إرادة الفعل والتصميم على ممارسة مزيد من الفعل .

كان ثمة سياسي لبناني يعتقد ان قوة لبنان في ضعفه . ترتّب على إعتماد هذه السياسة ان ضعفت الدولة حتى استقوى عليها الأطراف  المحليون المتنازعون، ثم ما لبث الأطراف الخارجيون ان حضروا أو إستحضروا ، كلٌ لمأرب في نفسه او في نفس من استدعاه ، الى ساحة الصراع وتصفية الحسابات حتى أصبح لبنان ، سحابة خمس عشرة سنة ، ميداناً لـِ " حرب الآخرين " على أرضه .

اليوم يبدو حكام العرب ، في غالبيتهم ، وكأنهم  اعتمدوا ، إختياراً او اضطراراً ، سياسة " قوة العرب في ضعفهم " !

معنى هذه السياسة التوقف عن إلتماس  أسباب القوة والإمعان في إلتزام قواعد السكون والحيطة ، والإقلاع  عن التصدي للمعتدي ، والحرص على معاملته بالحسنى ليقلع من تلقاء نفسه عن غيه ، والإحتماء بالقوي لرد كيد الضعفاء الذين يتنافسون على طلب رضاه !

أمّا مؤدّى هذه السياسة فإستسلام  مريح بغبطة واستكانة للقدر الذي أصبح له، عند بعض الناس ، إسم عَلَم يُدعى أميركا !

أمَا لضعفِ العُربِ آخر ؟

بلى ، شريطة ان نعترف  بأن ضعفنا ليس حال حكامنا فحسب بل هو أيضاً واقع شعوبنا .

صحيح ان مسؤولية الحكام أكبر لأن قدرتهم على التصحيح أفعل ، لكن صرخة الألم ودق ناقوس الخطر وإيقاظ النيام وهتك الأوهام تأتي دائما من "تحت" وترتقي لتدوّي على مستوى " فوق " حيث اهل الحل والعقد .

الانتفاضة من " تحت " لتحريك من هم " فوق "  لم تحدث ربما لأن النخبة او الطليعة الملتزمة والمتصدية لم تتكوّن ، او لم تختمر ، او لم تتحرك على نحوٍ فاعل بعد .

النتيجة تبقى هي هي : ركود واستكانة تحاكي الاستسلام الكامل .

ليس ادل على ان الانتفاضة ممكنة ما حدث في الجزائر إبّان اإحتلال الفرنسي وفي لبنان اباّن الاحتلال الإسرائيلي العام 1982. فقد نهضت الطليعة الملتزمةُ والمتصدية بمسؤوليتها وتجاوب معها  الجمهور ، او معظمه ، فأمكن قيام مقاومة منظّمة ، طويلة النَفَس ، شجاعة وحكيمة في آن ، وحققت   في الجزائر ولبنان  انتصارات مدوّية .

 الأمر نفسه حدث في فلسطين جزئياً ، لكن الصعوبات والتحديات كانت  اكبر واكثر تعقيداً فما استطاعت الانتفاضة ان تحقق النصر المشتهى  .

لعل العامل الأساس في كبح الانتفاضة الفلسطينية هو هجمت ايلول / سبتمبر2001  في نيويورك وواشنطن التي دفعت إدارة بوش الابن الى الإنتقال من موقف دعم إسرائيل الى موقف اشراكها في الهجوم الشامل الذي شنته على الوجود العربي، شعوباً وحكومات وثقافة.

لقد أصبحنا هدف حرب شاملة من طرف الولايات المتحدة واسرائيل في آن. غير ان ردة فعلنا على صعيدي الوعي والحركة لم ترتقِ بعد الى مستوى فهم المعركة على هذا الأساس .

القصور في الوعي والحركة وبالتالي المواجهة  العربية للهجوم الأميركي الصهيوني مكّن "اسرائيل" التوسعية ، مدعومةً بإدارة بوش الأمبراطورية، من تصعيد هجمتها الوحشية على الانتفاضة الفلسطينية التي كانت بلغت إحدى ذراها. هذا مع العلم ان الهجمة الإسرائيلية هي جزء من المخطط  الامبراطوري الأميركي الشامل  الرامي الى إعادة تشكيل المنطقة على نحوٍ يخدم المصالح الأميركية في الحاضر والمستقبل .

ما لم يرتقِ فهمنا للأحداث الى مستوى الربط بين الهجمة الإسرائيلية والهجوم الأميركي الشامل ومواجهتهما معاً ، فإن وعينا سيبقى قاصراً وقدرتنا على الرد والمواجهة ستبقى خجولة ومحدودة .

مهما يكن من أمر ، فإن الشارع العربي ، على الأقل ، مدعوٌ الى الانفعال بالحدث الفلسطيني  الجلل وبالتالي التأجج والتحرك بفعالية لمجابهة الهجوم الأمريكي الصهيوني بجدارٍ عال من الممانعة والرفض والتعبئة الوطنية والفعالية الشعبية  ضد المصالح الأميركية – الصهيونية في المنطقة .

العرب مدعوون لسلوك هذا النهج ، اقلّه عرب دول الطوق – مصر والأردن وسوريا والعراق ولبنان – وذلك لضمان حالة من الغليان والحركة الفاعلة، السياسية والميدانية ، تمنع نتنياهو وحلفاؤه  من إفتراس الشعب الفلسطيني وشلّ مقاومته الباسلة وتمنع التنظيمات الإسلاموية الإرهابية من السيطرة على العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن.

ومع أننا لا نأمل خيراً من مؤتمر القمة في شرم الشيخ، فإنه لا يسعنا الاّ مصارحة أركانه بأن عدم ارتقائهم الى مستوى خطورة المرحلة  والأخطار التي تتهدد الأمة بممارسات التحدي الإسلاموي الإرهابي والشعب الفلسطيني بالهجمة الاميركية - الصهيونية المتجددة، سيعمق فجوة الثقة بين الشعوب والحكام ويوسّع رقعة السخط والكراهية والعداء . فهل يعقل ان يعالج القادة ، او بعضهم ، تحديات بالغة الخطورة ومصيرية الطابع بعقلية الحضيض وهم في مرتبة القمة ؟

الحكمة مطلوبة دائما في سلوك الحكام . لكنها اذا لم تكن مقرونة بالشجاعة في ظروف تتطلب الكثير منها ، فإنها تغدو تعبيراً فظاً عن الخنوع والهوان .

كمْ من أندلس وفلسطين ، بل كم من أجيال وازمان ، نحتاجها كي نصبح أمة لا تضحك من جهلها  - وخنوعها – الأمم ؟

 

رجوع