نشرت بجريدة "البناء"
تاريخ 7/7/2018
مشكلة الكرد السوريين
هل تحلّها سوريا مع تركيا ام مع الكرد انفسهم ؟
د. عصام نعمان
تكاد سوريا تنهي ، بالقتال او بالمصالحات ، مشكلة جنوبها الذي تقاسمته الفصائل المسلحة. روسيا تساعد سوريا بالقتال كما بالمصالحات التي تغني عن الإحتراب. اميركا "ساعدت" سوريا ايضاً بوقف دعمها للفصائل المسلحة. الاردن ساعد ايضاً بوقف نقل الرجال والعتاد عبر حدوده تفادياً لتدفق اللاجئين السوريين الى اراضيه. اسرائيل تقبّلت على مضض ، او هكذا تظاهرت ، بعودة القوات السورية الحكومية الى الاراضي المحيطة بالجولان المحتل بل اخذت تدعو للعودة الى إلتزام اتفاق فصل القوات بينها وبين سوريا الموقّع سنة 1974.
هذه التطورات والإنجازات ما كانت لتتحقق لولا اتصالات وتفاهمات تمّت وراء الستار بين روسيا واميركا ، بعضها بعلم سوريا وموافقتها ، وبعضها الآخر ما زال طيّ الكتمان . لماذا ؟ لأن بعضها كان مجرد تمهيد وبعضها الآخر بقي مرهوناً بالمحادثات التي ستجري بين الرئيسين الاميركي والروسي في قمة هلسنكي في 16تموز/يوليو الجاري .
سؤال آخر يُطرح : الى اين ستتجه القوات السورية بعد إنهاء مشكلة الجنوب السوري؟ هل تتجه الى تحرير محافظة ادلب في الشمال الغربي حيث جبهة "النصرة" وحشد من الفصائل الاخرى المتحالفة (والمتصارعة) معها ام الى محافظات الرقة والحسكة وشرقيّ دير الزور في الشمال الشرقي حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي تدعمها الولايات المتحدة بقواتها المتواجدة هناك ؟
الأرجح ان تتوجه القوات السورية الى تحرير محافظة ادلب اولاً حيث لتركيا فصائل موالية ولروسيا وجود عسكري غير بعيد منها. الأفضلية ستكون لتحرير ادلب لأن دمشق تحظى بدعم واضح من موسكو في كفاحها لإستعادة وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني. كما تحظى – على ما يبدو- بتأكيدٍ من روسيا بأن تركيا لن تُحرجها بدعم اعدائها في ادلب ، خلال معركة تحريرها ، شريطة ان تردّ دمشق "الجميل" بدعم انقرة في حملتها ضد الكرد السوريين من انصار حزب العمال الكردستاني التركي في الشمال السوري والمتعاونين مع اميركا في محافظتي الرقة والحسكة.
من الصعب التكهن ، الآن ، بمضمون موقف تركيا واميركا وروسيا حيال مسألة إعتزام سوريا تحرير ادلب من اعدائها. ربما يصبح الجواب جاهزاً بعد قمة ترامب–بوتن في هلسنكي . ذلك كله يدفع الى الواجهة بمسألة سيطرة سوريا على محافظتي الرقة والحسكة كبديل عملي من التوجه الى ادلب.
صحيح ان للحكومة السورية وجوداً عسكرياً وادارياً في بعض نواحي الحسكة ، لكن السيطرة تبقى بيد "قسد" المدعومة من اميركا . دمشق لن تتعاطى ، اذاً ، مع واشنطن بشأن الكرد كونها تعلم ان اميركا لن تتعاطف معها لأن القصد من وجود قواتها في شرق سوريا (التنف) وشمالها الشرقي (الرقة) هو للضغط عليها بغية حمل ايران على سحب قواتها من اراضيها. لا يبقى امام دمشق ، والحالة هذه ، إلاّ الإستعانة بأصدقائها الروس ، فماذا تراه يكون موقف موسكو؟
ثمة تقارب كبير حدث في الآونة الأخيرة بين انقرة وموسكو لدرجة ان الاخيرة قررت تزويد الاولى بمنظومة للدفاع الجوي من طراز S-400 بالرغم من عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي. موسكو لن تتخلى طبعاً عن دمشق وستدعم موقفها بشأن عودة محافظتي الحسكة والرقة الى سيادتها ، لكنها تفضل لهذه الغاية ان تضغط على اميركا وليس على تركيا.
إزاء هذه الملابسات والتحديات ستجد سوريا نفسها ، كما الكرد السوريين، امام خيار آخر أجدى وأنفع : ان تتوصل دمشق وقادة الكرد السوريين غير المتعاونين مع دول اجنبية والحريصين على البقاء ضمن الوطن السوري الى تسوية سياسية متوازنة تصون بأسسها واحكامها وحدة البلاد في ظل سلطة مركزية ، كما تصون حق الكرد في مواطنية متساوية مع اخوتهم الآخرين في الوطن وتكفل حقهم في ممارسة ادارة محلية يحميها الدستور والقانون وذلك في إطار نظام ديمقراطي يحقق مساواة جميع المواطنين امام القانون.
آن الآوان للوطنيين بين الكرد ، وهم الغالبية ، كي يحولوا دون قيام قلةٍ منهم بدور "تكسي الدول" الاجنبية الطامعة باراضي سوريا ومواردها. كما آن الاوان للقوى الوطنية المتعقّلة في سوريا كي تجترح مقاربة وطنية ديمقراطية في التعاطي مع الكرد تكفل عودتهم الى حضن الوطن في اطار دولة مدنية ديمقراطية.