نشرت بجريدة"البناء"و"القدس العربي"
تاريخ 12/2/2018
ما العمل
لإخراج الكرد من قبضة اميركا ؟
د. عصام نعمان
"داعش" لم يخرج من سوريا بعد . لا مصلحة لأميركا ولا لتركيا بإخراجه منها. سيبقى فيها بشكل او بآخر لغاية استنفاد الغرض من استبقائه. اميركا تريده ذريعة لبقائها في شرق سوريا ، التنف وجوارها ، وفي شمالها الشرقي ، محافظات دير الزور والرقة والحسكة . تركيا تريده ذريعة لبقائها في شمال سوريا الغربي، عفرين وجوارها ، وفي شمال سوريا على امتداد حدودها معها. لماذا ؟
لأن لكلٍّ منهما مخطط ومطامع فيها . لأميركا جملة اغراض ، اهمها:
- تموضع قوات غير سورية ، بل معادية لسوريا ، في مواقع حاكمة على حدودها الشرقية للحؤول دون تواصلها جغرافياً وتحالفها عسكرياً مع العراق وايران .
- الضغط على سوريا وحلفائها للحؤول دون اقامة قواعد عسكرية لإيران في سوريا عموماً وفي جنوبها القريب من "اسرائيل" خصوصاً .
- تعزيز المركز التفاوضي للقوى والاطراف المتنازعة مع حكومة دمشق بغية تعزيز مشاركتها من مركز قوة في أي مفاوضات تجري لتقرير مسار سوريا بعد الحرب ، ولعرقلة استعادة وحدتها الجغرافية والسياسية ، ولإفساح المجال امام بعض المكوّنات الاثنية والمذهبية لإقامة كيانات خاصة بها او ، اقلّه ، منحها قدْراً كبيراً من الحكم الذاتي.
لتركيا اغراضها ايضاً :
- القضاء على كل وجود مسلّح لتنظيمات كردية متعاونة مع حزب العمال الكردستاني التركي ذي النزعة الانفصالية.
- الحؤول دون إقامة كيان كردي سوري مستقل في شمال سوريا وشرقها ، وعرقلة إقامة حكم ذاتي للكُرد السوريين وذلك لتفادي انتقال العدوى الى الكرد الأتراك.
- إقامة مواقع عسكرية تركية في شمال سوريا بذريعة حماية الامن القومي التركي من الكُرد الساعين الى الانفصال.
سوريا ترفض كل هذه الادعاءات والمطامع الاميركية والتركية . حكومتها تصّر على استعادة كل المناطق الخارجة عن سلطتها وسيادتها. لذا تعتبر كل قوات غير سورية متواجدة على ارضها من دون اذن منها قوات محتلة . الى ذلك ، تعتقد سوريا ، حكومةً وشعباً ، ان اية قوات محتلة ، خاصةً اذا كانت اميركية ، هي مجرد ادوات لمخطط قديم – جديد لتقسيم سوريا وتفكيكها الى جمهوريات موز متناحرة ، وان المستفيد الاول منه هو "اسرائيل".
اذا كان"داعش" طرفاً غير سوري ، فإن ثمة اطرافاً سوريين ضالعون ومشاركون في المخطط التقسيمي المشار اليه . ما يُسمى "قوات سوريا الدمقراطية – قسد" تنظيم سياسي وعسكري ذو نزعة انفصالية وهو مموّل ومسلّح من اميركا ومتعاون معها . "الجيش السوري الحر" تنظيم عسكري ممول ومسلّح من تركيا واداة بيدها. "جيش الإسلام " مموّل ومسلح من السعودية وخاضع لتعليماتها. الى ذلك ، ثمة تنظيمات مسلحة صغيرة ناشطة في جنوب سوريا الغربي ممولة ومسلّحة من "اسرائيل" ومتعاونة معها.
بعد نجاح الجيش السوري في استعادة الكثير من بلدات وقرى في ارياف حمص وحماه وحلب واتجاهه الى تحرير محافظة ادلب من "هيئة تحرير الشام" ("النصرة"سابقاً) ، وبعد نجاح روسيا في جمع ممثلين لمختلف اطياف سوريا للحوار في مؤتمر سوتشي، قامت اميركا وتركيا و"اسرائيل" في المناطق السورية التي لها فيها قوات نظامية او قوات حليفة او رديفة بعمليات مؤذية لعرقلة جهود سوريا من اجل استعادة وحدتها وسيادتها.
ابرز هذه العمليات إسقاط طائرة سوخوي روسية في ادلب بصاروخ جوي متطور محمول على الكتف من صنع اميركا اعلنت "هيئة تحرير الشام" مسؤوليتها عنه ، ثم قيام تركيا بمهاجمة منطقة عفرين لإنهاء سيطرة "قوات حماية الشعب" الكردية عليها، واخيراً قيام طائرات "التحالف الدولي" الاميركية بقصف قوات رديفة للجيش السوري كانت تقوم بمهام استطلاعية في منطقتي المدينة الصناعية وخشام النفطية شرقيّ نهر الفرات في محافظة دير الزور . بالتزامن مع هذه الإعتداءات تحركت عناصر "جيش الإسلام" و"النصرة" في غوطة دمشق الشرقية وامطرت دمشق بوابل من الصواريخ والقنابل ذهب ضحيتها العديد من الشهداء والجرحى المدنيين ، ومثلها فعلت التنظيمات المتعاونة مع "اسرائيل" في جنوب غربيّ سوريا .
بات واضحاً ان اميركا ، والى حدٍ ما تركيا، شنّت هجمات مؤذية لسوريا، كلٌ من جهته ولأغراضٍ خاصة به. المشكلة ان هذه الهجمات تتمّ في مناطق تتواجد فيها قوات نظامية سورية كشمال البلاد ، او قوات روسية في شرق دير الزور وادلب. لم يحدث حتى الآن اي صدام عسكري مباشر بين القوات الاميركية والتركية من جهة والقوات السورية والروسية من جهة اخرى. لكن تجاور القوات الروسية والقوات السورية في الكثير من المناطق والمواقع يجعل احتمال الصدام مع القوات الأميركية محتملاً .
ما العمل لتفادي تطور الحرب في سوريا وعليها من حربٍ بالوكالة بين لاعبين اقليميين الى حربٍ ساخنة محدودة بين اميركا وروسيا ؟
ثمة خطر جديّ وماثل . خبراء استراتيجيون يعتقدون ان ادارة ترامب ربما ترمي في استراتيجتها الهجومية الجديدة الى استنزاف روسيا في سوريا على غرار عملية استنزاف اميركا في افغانستان . ربما تظّن انها بذلك تُكره روسيا على حمل سوريا على الإذعان في المفاوضات المقبلة لمخططها الرامي الى فك تحالفها مع إيران وقوى المقاومة اللبنانية والفلسطينية وبالتالي القبول بنظام سياسي تعددي لامركزي يتيح للكرد السوريين حكماً ذاتياً في شمال شرقيّ البلاد.
موسكو لا تماشي سياسة واشنطن الهجومية في سوريا وإن كانت حريصة على مداراتها لتفادي الإشتباك معها. لكن هذه المداراة لا تضمن ردع اميركا ، ومن ورائها "اسرائيل" ، ودفعها للتراجع عن مسارها العدواني المتصاعد .
ما العمل اذاً ؟
لعل السبيل الافعل يكون بإنتهاج روسيا مقاربة جريئة لمسألة الكُرد السوريين (والعراقيين) غايتها إخراجهم من قبضة الاميركيين . كيف ؟ بالتعاون مع ايران للضغط على تركيا بغية التخلي عن سياستها العقيمة القائمة على محاربة الكرد السوريين بمعزل عن سوريا بل على نحوٍ معادٍ لها ، وبالتشديد على اولوية المصالح المشتركة بين البلدين الجارين ، ووجوب مجابهة اعدائهما المشتركين سويةً ، و بأن شرط الخروج من هذه الحال المضطربة والمؤذية لكليهما انما يكون بتغليب المصالح المشتركة على الأغراض بل على الاوهام المكلفة والمتصادمة مع الواقع . ذلك يتحقق بالتوافق على خطوط عريضة للخروج من الصراع أللامجدي على النحو الآتي:
اولاً: وقف النار في كل انحاء سوريا والذهاب بلا ابطاء الى مؤتمر جنيف للتحاور والتوافق على تسوية سياسية متوازنة للصراع بالتزامن مع مباشرة سحب القوات الاجنبية منها .
ثانياً : توافق سوريا وتركيا ، برعاية ايران وروسيا ، على اولوية استعادة سوريا وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني ، واتفاق البلدين على تحصين وحدة اراضيهما الجغرافية والسياسية وعدم المساس بها من طرفِ ايٍّ منهما.
ثالثاً : توافق سوريا وتركيا ، برعاية ايران وروسيا، على منح الكُرد السوريين الحق في الإفادة من نظام ادارة ذاتية محلية يجري اعتمادها في إطار دولة مركزية مدنية ديمقراطية ، وذلك على اساس المساواة بين السوريين جميعاً في المواطنة والحقوق والواجبات والعدالة والتنمية.
رابعاً: يكون للسوريين وحدهم حق تقرير مضمون النظام السياسي الذي يريدونه لبلادهم على ان يتمّ ذلك دونما تدخل خارجي وبرعاية الامم المتحدة.
خامساً : إنسحاب جميع القوات الاجنبية ، ولا سيما تلك التي لم تأذن سوريا بتواجدها على ترابها الوطني ، وذلك قبل مباشرة تنفيذ احكام التسوية السياسية المتفق عليها في مفاوضات جنيف.
هل ثمة مقاربة افضل وافعل لإخراج كُرد سوريا ، كما بعض عربها، من قبضة اميركا ومن ورائها "اسرائيل" ؟