نشرت في صحيفة القدس العربي
تاريخ 9/4/2018
السؤال الملحاح بعد قمة انقرة:
لمن السلطة في مناطق سيطرة "داعش" بعد دحره ؟
د. عصام نعمان
إنشغل العالم نحو اسبوع بسؤال ملحاح : متى يسحب دونالد ترامب قواته من سوريا ؟
"الدولة العميقة" في الولايات المتحدة لجمت تسرّع الرئيس الاميركي بشأن الإنسحاب الوشيك بإعلانٍ حاسم من مدير هيئة الاركان المشتركة في وزارة الدفاع (البنتاغون) الجنرال كينيث مكينزي" بأن سياسة الجيش الاميركي حيال تنظيم "داعش" لم تتغيّر(...) كان اعتقادنا دائماً انه مع وصولنا الى النهاية في المواجهة مع تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا ، فإننا سنعدّل مستوى وجودنا هناك".
من الواضح أن الجيش الاميركي لم يصل بعد الى "نهاية المواجهة مع داعش" ليس لأنه غير قاد ر بل لأن ادارة ترامب لا تريد استعجال الوصول الى هذه النهاية. لماذا اعلن ترامب ، اذاً ، ان "القوات الاميركية ستنسحب قريباً جداً من سوريا وتترك الآخرين يهتمون بالأمر" ؟ الجواب جاء من ترامب نفسه خلال الإجتماع الاخير لمجلس الامن القومي . ففي تقريرٍ لشبكة "سي أن ان" التلفزيونية ان الرئيس الاميركي "استنكر سياسة دول الخليج العربية لجهة عدم تدخلها (؟) لضمان استقرار سوريا"، داعياً اياها الى "دفع المزيد من الاموال لإنجاح جهود إرساء الإستقرار فيها ، بما في ذلك اربعة مليارات دولار من السعودية".
إنهاء وجود "داعش" مؤجل ، اذاً ، ومشروط بمبادرة بعض دول الخليج الى "دفع المزيد من الاموال". هل هذا كل شيء؟
كلا ، ثمة امر آخر لعله اكثر اهمية. إنه الجواب عن سؤال آخر ملحاح : لمن ستكون السلطة في المناطق التي يسيطر عليها"داعش" بعد دحره ؟
لكلٍّ من اطراف الصراع الدائر في سوريا وعليها رأي وموقف. واشنطن كانت اجابت ضمناً عن السؤال بقيامها بتسليح "قوات سوريا الديمقراطية –"قسد" الكردية وغيرها لتمكينها من إقامة كيان منفصل عن سلطة حكومة سوريا المركزية في دمشق ، وهي تحاول الآن إقناع تركيا بوقف نشر قواتها في الشمال السوري تفادياً لصدام مسلّح معها إذا ما قامت بمحاولة السيطرة على منبج ، شرق حلب.
الناطق بإسم الرئاسة التركية ، ابراهيم قالن ، اعلن بعد قمة انقرة الثلاثية (روسيا وايران وتركيا) ان عملية "غصن الزيتون" مستمرة حتى تطهير كل المنطقة من الإرهابيين ، بما في ذلك مدينة تل رفعت" (شمال حلب). شدّد على ان بلاده عازمة على تسوية في سوريا تنطلق من "تحقيق المرحلة الإنتقالية السياسية ، وصوغ دستور جديد ، وإجراء انتخابات مستقلة وشفافة وعادلة في اطار القرار2254 الصادر عن مجلس الامن الدولي" . اشار ايضاً الى تطابق وجهات نظر الدول الضامنة في مسار استانه (روسيا وايران وتركيا) حول "تطهير الاراضي السورية من العناصر الإرهابية كافة ، بما فيها "داعش" و"القاعدة" وجبهة "النصرة" وحزبيّ الاتحاد الديمقراطي والعمال الكرديين".
يتضح من تصريح قالن ان تركيا باقية ، بل ساعية الى التمدّد ، في الاراضي السورية مدة طويلة . ذلك ان "تطهير الاراضي السورية من العناصر الإرهابية كافة ، وصوغ دستور جديد ، وإجراء انتخابات مستقلة وشفافة في اطار القرار 2254" تتطلب اشهراً وسنوات . كيف ستردّ سوريا على المخطط التركي المنافي لسيادتها على كامل اراضيها ؟
دمشق كانت اعلنت واكدت مراراً وتكراراً ان الجيش السوري سيواصل بلا كلل مهمة تحرير جميع مناطق البلاد الواقعة تحت سيطرة جهة غير وطنية او متمردة على سلطتها. وفي الواقع ، حرر الجيش وحلفاؤه مناطق عدّة في شمال البلاد (حلب) وشرقها (دير الزور) وغربها (منطقة القلمون المحاذية للحدود مع لبنان) ومحيط العاصمة (الغوطة الشرقية) وهو في صدد إستكمال تحرير سائر المناطق المحتلة من قبل تنظيمات ارهابية في وسط البلاد وجنوبها وشمالها الغربي. ربما لهذا السبب رفض الرئيس بشار الاسد عرضاً روسياً للمشاركة في قمة انقرة الثلاثية اذ لا يمكنه ان يزور اسطنبول متناسياً دعم تركيا للمجموعات الإرهابية ، واستمرارها في التوغل داخل الاراضي السورية واحتلالها المنطقة الممتدة من جرابلس حتى عفرين في عمليتيّ "درع الفرات " و"غصن الزيتون" ، ورفضها التراجع عن سياسة خرق السيادة السورية.
روسيا وايران اعلنتا دائماً ، قبل قمة انقرة الثلاثية واثناءها وبعدها، تمسكهما بوحدة سوريا وسيادتها على كامل ترابها الوطني. لكنهما تبقيان حريصتين على اقامة علاقات ودية ومتنامية مع تركيا أملاً بإبعادها عن الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي وبالتالي التعاون معها لإرساء تسوية سياسية عادلة ومتوازنة للأزمة السورية.
لتحقيق هذا الهدف الجلل يقتضي ، فيما اظن ، قيام اتفاق بين سوريا وروسيا وايران وتركيا يتضمّن الأسس العملية الآتية:
- إعلان واضح من الحكومة التركية بأنها ستقوم بتسليم الحكومة السورية جميع المناطق والاراضي التي تتمكّن من تحريرها من المجموعات الإرهابية بما فيها المجموعات السورية الكردية التي تعادي تركيا.
- تتوقف تركيا عن القيام بأي عمليات عسكرية داخل الاراضي السورية إلاّ بعلم حكومة دمشق وبعد موافقتها.
- تتوافق الدول الاربع على تركيز جهودها السياسية والعسكرية على دحر "داعش" وسائر المجموعات الإرهابية وطردها من الاراضي السورية بغية حرمان الولايات المتحدة من اي سبب او ذريعة لإبقاء قواتها في شرق سوريا (منطقة التنف) وشمالها الشرقي (محافظات دير الزور والرقة والحسكة).
- تتوافق الدول الاربع على إحياء مفاوضات جنيف لإرساء تسوية سياسية متوازنة للأزمة السورية على الاسس المعتمدة في قرار مجلس الامن 2254 كما المبادىء التي جرى التوافق عليها في مؤتمر سوتشي ، ووجوب اقترانها بموافقة الشعب السوري.
بإختصار ، قبل إنهاء وجود تنظيمات الإرهاب وخروج القوات الاميركية من سوريا ، لا سبيل الى ايجاد تسوية سياسية لأزمتها المتطاولة.