نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 22/2/2016
الأعمال العدائية :
هل تتوقف بإغلاق حدود تركيا مع سوريا؟
د. عصام نعمان
خرج رجب طيب اردوغان بنتيجة صفر مكاسب من مغامرته السورية. هو مهدد الآن بخسائر جمّة في مواجهاته العسكرية مع الاكراد المناهضين لسلطته داخل تركيا ولحلفائه المقاتلين في شمال سوريا. لماذا ؟
لأن الولايات المتحدة وروسيا تعارضان بأن يعوّض الرئيس التركي هزائمه في الداخل والخارج بإدخال جيشه الى الشمال السوري . ادخال الجيش التركي لدعم حلفائه يؤدي ، بطبيعة الحال ، الى إطالة امد الحرب الدفاعية التي تشنها سوريا وحلفاؤها ضد التنظيمات المعادية في الشمال والجنوب والشرق لإستعادة وحدة البلاد . هل تؤدي الحرب الجديدة الى تمكين تركيا من فرض منطقة آمنة من جرابلس الى أعزاز على حدودها مع سوريا ؟ هل تساعد الحرب التركية الولايات المتحدة على انجاز سيناريو إقامة اقليم حكم ذاتي كردي في شمال شرق سوريا وآخر سنّي في محافظات العراق الغربية؟
الأفق السياسي والميداني مفتوح على شتّى الإحتمالات . لذلك تبدو كلٌ من واشنطن وموسكو مرتبكتين. ذلك ان ادارة اوباما ، وإن كانت تطالب انقرة بوقف قصف قرى الشمال السوري حيث تتواجد "وحدات حماية الشعب الكردي" ، إلاّ انها تريد ايضاً مراعاة تركيا من حيث هي حليف وعضو في حلف "الناتو" . اما موسكو فهي ، وإن كانت تراعي دمشق الحريصة على تحرير جميع اراضيها التي تحتلها التنظيمات الإرهابية ، إلاّ انها حريصة ايضاً على عدم توفير فرصة لتركيا للتدخل في سوريا واطالة امد الحرب .
ثمة عامل اضافي يزيد من ارتباك واشنطن وموسكو. انه عجز الأمم المتحدة ، بإقرار من بان كي مون نفسه ، عن توفير الوسائل اللازمة لمراقبة قرار وقف الأعمال العدائية في حال البدء بتنفيذه.
يزداد الوضع تعقيداً مع اعلان الرئيس بشار الأسد ان جيشه وحلفاءه لن يوقفوا القتال ضد التنظيمات الإرهابية. هذا يعني ان لا وقف للقتال ضد التنظيمات التي تعتبرها واشنطن منتمية الى "المعارضة المعتدلة" وبالتالي غير إرهابية. ذلك ان الأسد يعتبر ان كل من يحمل السلاح ويقاتل الجيش السوري هو ارهابي.
ترَدَدَ أن هذا الموقف السوري الصارم اربك موسكو التي بَدَت ، بموقف وزير خارجيتها سيرغي لافروف ، حريصةً على مراعاة موقف وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري الداعي الى وقف مبكر للأعمال العدائية . هذا ما يفسر قيام مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة ، فيتالي تشوركن، بإيحاء من رئيسه لافروف ، بنقد تعليقات كان ادلى بها الرئيس السوري حول إصرار سوريا على استعادة كامل اراضيها. فقد اوضح تشوركين "أن محاولة استعادة السيطرة على كامل البلاد سيكون تصرفاً بلا جدوى وسيتيح للصراع ان يستمر الى الأبد" !
غريب ومحرج تصريح تشوركين . لماذا استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية "سيكون بلا جدوى" ؟ هل ما حرره الجيش السوري وحلفاؤه من اراضٍ حتى الآن ، بدعمٍ من سلاح الجو الروسي ، هو حقاً بلا جدوى ؟ واذا كان ذا جدوى ، فلماذا يكون تحرير ما تبقّى من اراضٍ يسيطر عليها الإرهابيون بلا جدوى ؟ ثم ، لماذا إستكمال تحرير سائر الاراضي السورية المحتلة "يتيح للصراع ان يستمر الى الأبد" ؟ هل ثمة ترتيبات دولية عليا تقضي بأن تبقى اقساماً من سوريا تحت سيطرة "داعش" او "اسرائيل" او في قبضة قوى انفصالية ، سورية وعراقية ، لتباشر عليها حكماً ذاتياً؟
برز في تفسير تصريح تشوركين قولان. الاول ، انه لمجرد رفع العتب وإشعار واشنطن بأن موسكو جادة مثلها في مسألة وقف الأعمال العدائية . الثاني ، انه مظهر خلاف مستجد في موسكو بين لافروف ، الذي ارتأى استعجال التفاهم مع كيري على مسألة وقف الأعمال العدائية، والرئيس الروسي فلاديمير بوتن الذي يجاري الأسد في موقفه الداعي الى متابعة الحرب على كل من يحمل السلاح ضد الجيش السوري بإعتباره ارهابياً . ترَدَدَ ان موقف لافروف الليّن هذا سيكلفه منصبه!
الى اين من هنا ؟
يتحصّل من مجمل ما سبق بيانه ان الحرب في سوريا مستمرة ، بشكل او بآخر، وان القيادة السورية مصممة على اعتبار استعادة وحدة البلاد اولوية ثابتة ، وانه يقتضي استثمار الظروف المستجدة ، ولا سيما بعد الاندحار المتواصل للتنظيمات الإرهابية مؤخراً ، والنجاح المرجّح لسوريا في اغلاق حدودها مع تركيا وقطع الامدادات عن تنظيمات الإرهاب وتشديد الضغط ، عسكرياً ولوجستياً وسياسياً ، عليها وعلى حلفائها الأقليميين بغية ضمان تحرير جميع الأراضي السورية واستعادة وحدة البلاد . ولعل القيادة السورية تراهن ، في هذا المجال ، على تزايد التقارب والتعاون بين ايران وروسيا بدليل تدفق الأسلحة الروسية المتطورة (S-300) على الجيش الايراني الامر الذي يضمن استمرار دعمهما السياسي والعسكري لسوريا في حربها الدفاعية ضد الإرهاب.
مع ذلك ، تبقى العيون مفتوحة على انقرة لإستشفاف ما سيفعله اردوغان ، وما اذا كان سيرضخ الى ضغط الولايات المتحدة بوقف الأعمال العدائية في الشمال السوري .