جريدة"القدس العربي"
تاريخ 6/1/2014
طبيعة العلاقة بين الغرب و"اسرائيل" و"القاعدة"
د. عصام نعمان
من يتابع الحركة "الجهادية" للتنظيمات المنتمية الى "الإسلام القاعدي" ، اي لفكر "القاعدة" ولتنظيمه اللامركزي ممثلاً برأسه أيمن الظواهري ، يُلاحظ انها باتت اللاعب الابرز والأنشط في العراق وسوريا ولبنان وحتى في سيناء المصرية
في بلاد الرافدين ، كاد تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" ، المعروف اعلامياً بإسم "داعش" ، يسيطر على محافظة الأنبار التي تشكّل بمفردها نحو ثلث مساحة البلاد فقد احتل مقاتلوه مخافر الشرطة في مدينتيّ الفلوجة والرمادي ما استدعى إنزال ألوية عدة من الجيش العراقي لتحريرها ذلك ان السيطرة على الأنبار يمكّن "داعش" من الهيمنة على الحدود العراقية – السورية الممتدة على مسافة 600 كيلومتر
في سوريا ، يسيطر "داعش" على قسم كبير من الحدود السورية – التركية ، وعلى معظم ريف محافظة حلب ، ومعظم محافظة الرقة ، وقسم من محافظة دير الزور
في لبنان ، تمكّن تنظيم "كتائب عبد الله عزام " من تفجير السفارة الإيرانية في بيروت
كان قام قبل ذلك بتفجير دموي هائل في حي الرواس بضاحية بيروت الجنوبية وتبنّى تنظيم "داعش" يوم الخميس الماضي تفجيراً اقل هولاً في حارة حريك بالضاحية ايضاً كل ذلك بدعوى الردّ على حزب الله الذي تقاتل قواته في سوريا ضد فصائل المعارضة المسلحة المعادية له والناشطة مع حلفائها في غوطتيّ دمشق الغربية والشرقية
إذ يبدو "الإسلام القاعدي" لاعباً اقليمياً قوياً بين لاعبين اقوياء آخرين في المنطقة ، ينهض سؤال : ما طبيعة علاقته بالغرب ، وهل هو عدو له ام حليف ظرفي في بعض الساحات ؟
ظاهرُ الحال يشير الى ان مَن تعتبره تنظيمات "الإسلام القاعدي" في العراق وسوريا ولبنان عدواً لها هو مجموعة نُظم واحزاب سياسية وقوى مقاومة معادية للولايات المتحدة و"اسرائيل" او صديقة لإيران فالنظام السوري وحزب الله اللبناني وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية معادية لاميركا و"اسرائيل" ، بينما تنفرد حكومة نوري المالكي العراقية بعلاقات جيدة مع كلٍ من ايران والولايات المتحدة في آن
المفارقة اللافتة ان في الوقت الذي تتهم النُظُم والاحزاب السياسية وقوى المقاومة مَن يقاتلها في العراق وسوريا ولبنان كـ "داعش" و"جبهة النصرة" و" كتائب عبد الله عزام" بأنها تتعاون مع اميركا وتتلقى منها دعماً مالياً ولوجستياً (كما من بعض حلفائها العرب) ولا تنحرّج من ارسال جرحاها الى "اسرائيل" لتلقي العلاج في مستشفياتها ، تتخذ الولايات المتحدة مؤخراً موقفاً سلبياً من "داعش" و"النصرة" بدعوتها دول المنطقة الى التوقف عن تمويلهما وتسليحهما
كيف يمكن تفسير هذا التناقض في السياسات والممارسات بين اطراف "الإسلام القاعدي" ، كما لدى الولايات المتحدة وحلفائها ازاء بعضهما بعضاً ، وما المعايير المعتمدة لدى كل من "الإسلام القاعدي" والولايات المتحدة في توصيف الحلفاء وإستهداف الأعداء ؟
الى ذلك ، تطرح عودة "القاعدة" الى الأضواء ، اعلامياً وميدانياً ، سؤالاً اضافياً متواتراً حول موقف هذا التنظيم من "اسرائيل" ، كما حول موقف كل منهما من "القاعدة" وسائر تنظيمات "الإسلام الجهادي"
ثمة فكرة شائعة تصل احياناً الى مستوى إتهام "القاعدة" ومعظم فصائل "الإسلام الجهادي" بأنها لا تقاتل"اسرائيل" بل تركّز حربها على أنظمة غير دينية يوالي معظمها الغرب بصورة عامة
الحقيقة ان بعضاً من فصائل "الإسلام الجهادي" يقاتل "اسرائيل" بضراوة ، شأن حركة "الجهاد الإسلامي" وحركة "حماس" ، وان بعضها الآخر يقف ايضاً موقفاً معادياً للغرب غير ان معظم هذه الفصائل يمكن تصنيفها بأنها تكاد تكون متخصصة في مقاومة الانظمة الموالية للغرب في عالم العرب والإسلام ألم يبدأ نشاط "القاعدة" ميدانياً بمقاتلة الوجود السوفياتي "الملحد" في افغانستان ، ليتحوّل لاحقاً عبر "طالبان" الى مقاتلة نظام كرزاي الموالي لأميركا وحلفها الأطلسي ؟
ثقافة الغرب هي العدو الاول لـِ" الإسلام الجهادي" ، ومن ضمنه "القاعدة" ، كما الانظمة والمنظمات التي تتشرب ثقافة الغرب وتجاريها ذلك ان مصالح الغرب وسياسته ليست ، في مفهوم "القاعدة" ، اخطر من ثقافته بالعكس ، ثقافة الغرب هي موّلدة مصالحه وحاميتها والمروّجة لها من خلال انظمة ومنظمات ومؤسسات واجهزة محلية تلتزم هذه الثقافة وتناصرها وتجاريها
اذا كانت "اسرائيل" ابنة الغرب وثقافته وسياسته ومصالحه ، فإن مقاتلة الغرب تكون ، والحالة هذه ، اولوية أُولى بحسب مفهوم "القاعدة" ومعظم تنظيمات "الإسلام الجهادي" بكلامٍ آخر ، مقاتلة الاب تتقدم على مقاتلة ابنته لأن الأصل أخطر من الفرع
هذا التفكير "الاسلاموي" الساذج يُوقِع "القاعدة" وبعض فصائل "الإسلام الجهادي" في تناقض وحرج شديدين ذلك ان لـِ "اسرائيل" ، بما هي ابنة الغرب وذراعه الضاربة ، دوراً في المنطقة العربية يعادل في خطورته دور الغرب الاطلسي بل يتفوّق عليه احياناً فهل يعقل ان تنخرط هذه الفصائل في حروب مع انظمة ومنظمات تقاوم "اسرائيل" والغرب في آن ؟
الى ذلك ، ثمة مفارقة لافتة فالغرب الذي يعادي سوريا ونظامها ، كما حزب الله في لبنان ، ويساند المعارضة السورية المسلحة ، بدأ يعيد النظر بسياسة دعم التعاون القائم بين "الجيش السوري الحر" و"جبهة النصرة" ، رغم محدودية هذا التعاون
ماذا عن نظرة "اسرائيل" الى "القاعدة " ؟
"اسرائيل" لا تشارك مسؤولي الغرب الأطلسي تحفظهم تجاه تنظيم "القاعدة" والتنظيمات الموالية له ذلك ان رئيس الطاقم السياسي– الامني في وزارة الدفاع الإسرائيلية الجنرال عاموس غلعاد اكّد تفضيل حكومته تنظيم "القاعدة" في سوريا على نظام الاسد و"محور الشر" فقد اعلن في مقابلة مع موقع صحيفة "يديعوت احرنوت" (9/4/2013) انه "حتى لو تفككت سوريا الى اجزاء مختلفة ، وحتى لو ادى هذا التفكك الى استقرار تنظيم "القاعدة" في هذه الدولة ، فإن "اسرائيل" تفضّل ذلك على بقاء نظام الرئيس الاسد لأن محور الشر (تحالف ايران وسوريا وحزب الله) مخيف"
الى المواقف الثقافية (الايديولوجية) والمصالح السياسية ، ثمة دوافع عملية (براغماتية) ومصلحية (لوجستية) تدفع تنظيمات "الإسلام القاعدي" الى التعاون والتحالف ، مرحلياً او ظرفياً ، مع دول وحكومات وشركات وقيادات لتحقيق اغراض مشتركة في بعض الساحات التعاون يتمّ بصيغة إيجار الخدمات في سياق إلتقاء الاغراض ، او عدم تعارضها في الاقل ، بين المستأجر والمؤجر
في هذا الإطار يمكن تفسير التعاون بين اميركا وتنظيميّ "داعش" و"النصرة" في ساحتي العراق وسوريا غير ان إفراط كلا التنظيمَين في استخدام العنف الاعمى لأغراض محلية خاصة بهما ادى الى التفريط بأغراض اميركا وحلفائها في الساحتين العراقية والسورية ما حمل واشنطن على إلغاء عقد ايجار الخدمات (او تعليقه) بينها وبين ذينك التنظيمين
هكذا يتضح ان لا مشكلة علاقة بين الولايات المتحدة (وربما حلفائها ايضاً) وتنظيمات "الإسلام القاعدي" فلكل مقام مقال ، ولكل ساحةٍ متطلبات ، ولكل مشكلة علاج
ولعل العلاج الافعل ان يتوافق جميع اللاعبين ، عرباً وعجماً وانغلوساكسونيين وروساً سلافيين ، على تحويل جنيف -2 مؤتمراً دائماً لمكافحة الإرهاب