النصرة" افترست "المعارضة المعتدلة"... ماذا بعد ؟
د. عصام نعمان
عادت "جبهة النصرة" الى الصعود في سوريا . صعودها يتمّ على حساب تنظيمات محسوبة على ما تسمّيه ادارة اوباما "المعارضة المعتدلة". في ارياف محافظة ادلب ، افترست "النصرة" "جبهة احرار سوريا" (جمال معروف) وتنظيمات اخرى اضعف منها بينها "الجيش الحر" . كما هاجمت "النصرة" مدينة ادلب ، مركز المحافظة ، لكنها عجزت عن زحزحة الجيش السوري منها ، فاندفعت الى شمال ريف حلب في سباق مع تنظيم "داعش" لإحتلال معبر باب الهوى على الحدود السورية – التركية.
في الماضي القريب ، حاولت "النصرة" ، تبييض صفحتها لدى الولايات المتحدة لشطب اسمها من قائمة التنظيمات الإرهابية املاً بأن تصبح حليفة "المعارضة المعتدلة" في حربها على حكم الرئيس بشار الاسد . واشنطن ترددت ثم ما لبثت ان أكدت ضمّها الى قائمة الاهداف الجاري قصفها جواً في وسط سوريا. ازاء هذا الموقف ، عدّلت "النصرة" تكتيكها مركّزةً عملياتها القتالية ضد التنظيمات المسلحة المحسوبة على "المعارضة المعتدلة". قيل إن لها غرضين من وراء ذلك : الاول ، إقامة امر واقع على الارض تضطر معه الولايات المتحدة وحلفاؤها الاقليميون الى التعامل معها كبديل وحيد من تنظيمات "المعارضة المعتدلة" الذاوية. الثاني ، ان تكون بديلاً من "داعش" اذا قيض لـِ "التحالف الدولي" ان يحتويه ويعطله في سوريا.
ادارة اوباما لم تراهن اصلاً على " المعارضة المعتدلة" و"جيشها الحر". اوباما نفسه وصفهما مرةً بأنهما "فانتازيا" . لذلك اتخذ قراراً بتدريب خمسة الآف مقاتل سوري (وربما غير سوري ايضاً) في تركيا والسعودية ليكونوا نواة "جيش حر" جديد. لكن ، كيف يمكن نشر وحدات هذا الجيش طالما "النصرة" و"داعش" يسيطران على اجزاء واسعة من ارياف محافظات ادلب وحلب ودير الزور؟
ادارة اوباما حائرة ومحيِّرة. وزير الدفاع تشاك هيغل رفع مؤخراً مذكرةً الى موظفة ادنى منه مرتبة ، مستشارة الامن القومي سوزان رايس ، يطالب فيها الادارة بموقف واضح من الرئيس الاسد . تصرفُ هيغل حيّر المراقبين : هل يبتغي حمل الادارة على تليين موقفها من الاسد ام التشدد معه ؟
من الواضح ان مقاربة اوباما و"تحالفه الدولي" لمسألة الإرهاب عموماً ومحاربة "داعش" خصوصاً تتعثّر . فتنظيم "القاعدة" طوّر عملياته الإرهابية في اليمن من جنوبه الى شماله كما ضاعف نشاطه في ليبيا ، ثم ما لبث احد افرعته، "انصار بيت المقدس" في سيناء ، ان اعلن مبايعته امير المؤمنين الداعشي ابي بكر البغدادي.
قادة مصر والسعودية والامارات العربية المتحدة والكويت استشعروا ارتباك ادارة اوباما وتعثر نهجها في محاربة الإرهاب ، فأخذوا يتدارسون مسألة إنشاء حلف عسكري ضد المقاتلين "الجهاديين" واحتمال إنشاء قوة مشتركة لمواجهة الإرهاب في ساحتين : ليبيا واليمن .
الحلف المنشود مازال في خطواته الاولى . ثمة وجهات نظر متعددة بين مؤسسيه في تعريف الإرهاب وفي تحديد الساحات الواجب العمل فيها. البعض يريد الإستعاضة عن مصطلح الإرهـاب والإرهابيين بمصطلح التطرف والمتطرفين . لكن السؤال يبقى مطروحاً : من هم الإرهابيون او المتطرفون ؟ هل الحوثيون متطرفون يستوجبون المكافحة الأمنية ام مجرد تيار سياسي لا يستأهل اكثر من المناهضة السياسية ؟ ثم ، ما الساحات التي تتطلب تدخلاً سريعاً لمواجهة الإرهابيين والمتطرفين ؟ وكيف سيكون التدخل ؟ بقوة برية ام بقوة جوية ؟ وهل للولايات المتحدة دور في الحلف الجديد؟
ادارة اوباما لم تتخذ موقفاً من الحلف الجديد بعد. الناطق بإسم وزارة الدفاع الاميرال جان كيربي قال : "لسنا على صلة وثيقة بذلك ، ولن اعلق عليه". مردُّ الإحجام عن الكلام إنهماكُ اوباما واركانه بدراسة المسألة بجميع ابعادها ولاسيما بعدما تمكّن الجمهوريون من السيطرة على مجلسيّ الكونغرس . ولا شك في ان لإحتمال توصل واشنطن مع طهران الى اتفاق جديد غير نهائي بصدد برنامجها النووي علاقة وثيقة بالموقف الذي تعتزم الولايات المتحدة اتخاذه من مسألة الإرهاب في ضوء ما قام به "التحالف الدولي" حتى الآن وما يمكن ان يقوم به الحلف المنشود بين مصر ودول الخليج في المستقبل.
الى ذلك ، سرّبت اوساط المعارضة السورية في لندن خبراً مفاده ان صراعاً ديبلوماسياً وعسكرياً يستعر بين معسكري النظام وحلفائه من جهة ، والمعارضة وحلفائها من جهة اخرى على "معركة حلب" لإعتقاد الطرفين ان مصير حلب سيلعب دوراً حاسماً في مستقبل الصراع والتسوية في سوريا ، وان ذلك ناجم عن صراعٍ تركي – ايراني يتصاعد في هذا السياق . ألا يدفع هذا الخبر غير الموثوق (مقروناً بخبر موثوق حول دعوة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولند ووزير خارجيته لوران فابيوس "التحالف الدولي" الى تركيز جهوده ، بموازاة معركة عين العرب – كوباني ، على "معركة حلب") الى التساؤل عمّا اذا كان رجب طيب اردوغان يسعى هو الآخر الى إقامة حلف ثالث بين تركيا وفرنسا لتسعير الصراع ضد الرئيس السوري؟
تحالفات واحلاف قامت وتقوم لمحاربة الإرهاب والتطرف وما الى ذلك من المصطلحات والتخريجات الجاري نحتها بينما الإرهاب يستعر ويتمدد ويكلّف الشعوب كوارث جمّة ، بشراً وحجراً وشجراً ، بتواطؤ الكبار والصغار ، وعلى مرأى من العالم اجمع.