نشرت بجريدة "الخليج"
تاريخ 7/4/2018
ترامب يلوّح بمغادرة سوريا... متى اردوغان ؟
د. عصام نعمان
عادت سوريا الى الواجهة . دونالد ترامب يخصّها بتصريحاته ، ملوّحاً بمغادرتها "في وقت سريع جداً" . فلاديمير بوتن يلمّح هو الآخر بأن زيارته لتركيا بعد انتخابه لولاية رئاسية جديدة تتعلق بسوريا وبضرورة إنهاء الإرهاب لإستعادة وحدتها. حسن روحاني ومحمد جواد ظريف يقولان إن تعزيز سيادة سوريا شرط لإنهاء ازمتها . رجب طيب اردوغان يعطي تفسيراً جديداً للتدخل في سوريا بقوله إنه ابلغ بوتن شخصياً بعملية "غصن الزيتون" التي "تهدف الى تعزيز امننا مع الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها(...) ولا يمكن ترك مستقبلها بيد قوات سوريا الديمقراطية ( الكردية) وداعش".
الكل ، في الظاهر، مع وحدة سوريا وسيادتها او ، في الاقل ، ليس ضدها علناً ، فهل هم جادون في الباطن ؟
ثمة شروط بالنسبة لكل الاطراف المتصارعة في سوريا وعليها. الولايات المتحدة لا تريد لإيران اي وجود عسكري فيها حفاظاً على امن "اسرائيل". تركيا لا تريد للكرد السوريين اي وجود عسكري او حكم ذاتي في شمالها وشرقها . ايران تريد لسوريا ان تستعيد وحدتها وسيادتها على كامل جغرافيتها السياسية ما يستوجب جلاء جميع القوات الاجنبية عن اراضيها . روسيا يهمها تفاهم تركيا وايران على تسوية متكاملة بشأن سوريا تضمن وحدتها وسيادتها وتؤّمن ايضاً مشاركة جميع اطراف الصراع الدائر فيها على اسس مستقبلها السياسي بما في ذلك مشاركة الكرد في المفاوضات المقبلة.
للوصول الى اغراضها وتأمين مصالحها يلجأ كل من الاطراف المتصارعة الى وسائل متعددة ، بعضها سياسي وبعضها الاخر عسكري ، وربما مالي ايضاً !
ترامب لوّح لولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بأنه مستعد لإبقاء قواته في سوريا اذا ما تكفّلت السعودية بتغطية نفقاتها. من المستبعد ان توافق الرياض على هذا العرض ، اذ مَن يضمن ألاّ يقوم ترامب او غيره بسحبها لاحقاً لسبب او لآخر؟ "اسرائيل" تريد ايضاً استبقاء القوات الاميركية كضمانة لمعادلة الوجود العسكري الإيراني اذا ما شعرت سوريا (وروسيا) ان ذلك شرط لحمل اميركا على مغادرة البلاد.
اردوغان يبدو مستعداً لإجلاء قواته شريطة الحصول على ضمانات ثابتة بعدم تمكين الكرد السوريين من إقامة حكم ذاتي في محافظات الحسكة والرقة وحلب او الاحتفاظ بتشكيلات مسلحة في تلك الاصقاع. واذا تعذّر الحصول على هذه الضمانات فقد يلجأ الى إقامة وجود تركي فيها بالوكالة من خلال تنظيمات سورية موالية لأنقرة شأن "الجيش السوري الحر" وغيره.
"اسرائيل" قد تقوم بتبني بعض التشكيلات السورية العسكرية الناشطة على حدود الجولان المحتل وتشترط مشاركة هذه التشكيلات في اي مفاوضات مقبلة كأحد اطراف الصراع لتضمن ايجاد ترتيبات امنية مؤاتية لها في جنوب سوريا.
كل هذه الامور جرى درسها بالتأكيد في قمة انقرة الثلاثية التي انتهت الى قرارات جرى اعلانها وترتيبات جرى ابقاؤها تحت الطاولة الى اجل قريب او بعيد.
غير ان ما يلفت النظر تلك "الهجمة" الديبلوماسية والسياسية الروسية على تركيا . فالرئيس الروسي يحرص على التشاور هاتفياً مع نظيره التركي بشأن معظم القضايا العالقة ، وهو ما يحرص الرئيس التركي على القيام به ايضاً. غير ان ابرز ظاهرات هذه العلاقات المتطورة بين الدولتين موافقة بوتن على تزويد تركيا اقوى منظومات الدفاع الجوي لديه وهــــي S-400 . مع العلم ان موسكو زودت طهران (التي تربطها بها علاقات سياسية وامنية اقدم واوثق من علاقتها بأنقرة) منظومة S-300 الادنى فعالية .
ما الغاية من هذا التدبير اللافت؟
لعل موسكو تبتغي امرين في آن : الاول، "رشوة" انقرة سياسياً وعسكرياَ لحملها على سحب قواتها من شمال سوريا في سياق تسوية سياسية مع دمشق تؤمّن مصالح الطرفين. الثاني ، تزويد انقرة أسلحةً متطورة تفي بحاجاتها الآنيّة والمستقبلية لإغرائها بالتخلي عن عضويتها في حلف شمال الأطلسي .
ما غاية ترامب من وراء اعتزامه سحب قواته من سوريا؟
قد يكون دافعه اقتصادياً بالنظر الى إخفاق واشنطن ، كما قال، في جني اي شيء من تريليونات الدولارات التي انفقتها في المنطقة خلال السنوات ال 17 الماضية. لكن الامر ، على ما اعتقد ، أبعد من ذلك . لعل واشنطن تفكر جدّياً بتوجيه ضربة قوية لإيران في اعقاب إلغاء الاتفاق النووي في شهر ايار/مايو المقبل، اذ ليس من الحكمة ان تبقي في سوريا قوات محدودة العدد والتسليح وقابلة للهزيمة في وقت تكون منغمسة في مواجهة عسكرية ضارية مع طهران.
هذا مجرد احتمال ، لكنه جدير بالدرس والإستشراف.