نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء
تاريخ 30/1/2017
لماذا لا يُشّرعون قانوناً للإنتخابات
يكفل عدالة التمثيل وتطبيق الدستور ؟
د.عصام نعمان
اعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أخيراً موقفاً لا رجوع عنه : لا انتخابات نيابية وفق قانون الإنتخاب للعام 2008 ( المعروف بقانون "الستين") ولا تمديد لمجلس النواب. ثم اكّد الرئيس عون موقفه مجدداً في تصريح الى صحيفة "الاخبار" : " لن اخرق خطاب القسم" ، داعياً القوى السياسية الى "عدم تضييع الوقت ، والذهاب نحو إعداد قانون جديد يصحح التمثيل الشعبي لجميع اللبنانيين" ، ومؤكداً انه "مع النسبية المطلقة" .
ادركت القوى السياسية ان الرئيس لا يمزح ولا يهوّل ، وانه لن يتردد في استخدام صلاحياته الدستورية في سبيل تحقيق غاياته السياسية . كيف ؟
بالإمتناع عن توقيع مرسوم تعيين اعضاء هيئة الإشراف على الإنتخابات وتوفير الإعتمادات المالية اللازمة لها ، كما بالإمتناع عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الانتخابية في المهلة المحددة قانوناً لإنتخاب اعضاء مجلس النواب .
ادركت القوى السياسية ايضاً ان عدم اجراء الإنتخابات يؤدي بالتأكيد الى فراغ تشريعي وسياسي ، فضاعفت جهودها التفاوضية من اجل التوصل الى توافق حول قانون جديد للإنتخاب يكون مقبولاً من معظم القوى السياسية. قولُ الرئيس عون إنه "مع النسبية المطلقة" ضّيق هامش التوافق امام القوى السياسية التقليدية المختلفة ، ذلك ان لكلٍّ منها مقاييس لقانون إنتخابٍ يخدم مصالحها واغراضها المتباينة .
ما المخرج ؟
تحاول القوى السياسية الرئيسية تدوير الزوايا بأن تتفاهم على انموذجٍ لقانون إنتخابٍ يقوم على التوفيق بين نظام التمثيل الاكثري ونظام التمثيل النسبي في آن . لكن ، حتى لو توصلت القوى السياسية المتصارعة الى تسوية وسطية في هذا المجال فإن ذلك لا يحظى بالضرورة بموافقة الرئيس عون وحلفائه السياسيين، ولاسيما اولئك الذين يجارونه في تفضيل النسبية الكاملة .
مع ذلك ، من الممكن إزاء مخاطر الفراغ التشريعي والسياسي الناجم عن عدم اجراء الإنتخابات ان يتوصل زعماء الكتل السياسية المتصارعة الى تسوية قوامها اعتماد قانونٍ للإنتخابات على الاسس الآتية :
- انتخاب 64 نائباً على اساس نظام التمثيل الاكثري و 64 نائباً على اساس نظام التمثيل النسبي وفق التوزيع الطائفي المعمول به للمقاعد النيابية .
- يُنتخب نواب النظام الاكثري الــ 64 في الدوائر الإنتخابية الحالية وذلك على اساس ان يكون لكل ناخب صوت واحد او صوت جمعي ( أي التصويت لأكثر من مرشح واحد) ، ويُنتخب نواب النظام النسبي الـ 64 بالتصويت للوائح مرشحين حزبية او إئتلافية ببرامج سياسية تتنافس في مجمل البلاد كدائرة وطنية واحدة .
- يجري تضمين قانون الانتخاب الجديد بنداً يقضي بتمديد ولاية مجلس النواب الحالي "تمديداً تقنياً " على ان لا يزيد عن تسعة اشهر بغية استكمال الآليات والمتطلبات اللازمة لإجراء الإنتخابات وفق احكامه .
يشكو هذا الانموذج الإنتخابي المختلط من ثغرات وتحفظات متعددة أهمها ثلاثة :
.1 معارضة عدد كبير من القوى السياسبة والنواب للإستمرار في اعتماد نظام التمثيل الاكثري الذي لا يؤمّن تمثيلاً حقيقياً او عادلاً للاقليات السياسية والاقليات المذهبية .
2. التفاوت الكبير المحتمل في عدد الاصوات التي ينالها المرشحون الفائزون وفق النظامين الاكثري والنسبي بسبب التفاوت بين عدد الناخبين في الدوائر الصغيرة وعدد الناخبين في الدائرة الوطنية الواحدة (او الدوائر الموسعة ) الامر الذي يتعارض مع المادة 7 من الدستور التي تنص على ان " كل من اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم " .
3 . مخالفة المادة 27 من الدستور التي تنص على ان "عضو مجلس النواب يمثل الامة جمعاء"، اذ كيف يمكن لنائب منتخب بحسب النظام الاكثري في دائرة انتخابية صغيرة ذات عدد محدود من الناخبين ان "يمثل الامة جمعاء" ؟
غير ان الإعتراض الاكبر والاوزن يتمثّل في موقف الرئيس عون المتمسك بعدم جواز مخالفة قانون الإنتخاب الجديد لمواد الدستور ، لا سيما المواد التي مضت عشرات السنين على إقرارها من دون ان تنفذ كالمادة 22 مثلاً التي تنصّ على انه "مع انتخاب اول مجلس نواب على اساس وطني لاطائفي يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية" .
هذا الإعتراض الوازن الصادر عن رئيس الجمهورية الحريص على تطبيق احكام الدستور وبالتالي عدم خرق خطاب القسم المبني على المادة 49 من الدستور ، قد يُضطَر القوى السياسية الكبرى ، متذرعةً بإرادة أكثرية اللبنانيين المؤيدين للنسبية (بحسب مؤسسات استطلاع الرأي الاكثر صدقية) الى التسليم بإعتماد قانونٍ للإنتخابات يقوم على اساس النسبية الكاملة في دائرة وطنية واحدة الأمر الذي يؤمّن صحة التمثيل الشعبي وعدالته.
الى ذلك ، اذا ما أبدت القوى السياسية تجاوباً مع الرئيس عون واكثرية اللبنانيين في اعتماد النسبية في إطار الحرص على تطبيق احكام الدستور ، فإن فرصة تاريخية تكون قد سنحت وجديرة بأن يغتنمها رئيس البلاد الذي لا ينفك يعلن تمسكه بأحكام الدستور روحاً ونصاً للضغط على مختلف القوى السياسية بغية إقناعها، بعد قبولها الانموذج الإنتخابي المختلط، المعروض آنفاً ، بزيادة عدد نواب البرلمان الى 152، يُنتخب 128 منهم على اساس النظام النسبي خارج القيد الطائفي، ويُنتخب القسم الآخر (22 نائباً) على اساس النظام الاكثري وفق التوزيع الطائفي على ان يقوم المجلس النيابي الجديد، بالتزامن مع تشريعه القوانين اللازمة لوضع المادة 22 من الدستور قيد التنفيذ ، بتعديل احكام قانون الإنتخاب النافذ على نحوٍ يصبح النواب الـ 128 المنتخبون على اساس النظام النسبي وخارج القيد الطائفي نواةَ المجلس النيابي الوطني اللاطائفي ، ويصبح النواب الـ 22 المنتخبون على اساس النظام الاكثري وفق التوزيع الطائفي للمقاعد النيابية نواةَ مجلس الشيوخ المختص بتمثيل العائلات الروحية (الطوائف) .
ادعو الرئيس ميشال عون ، القائد الوطني المتميّز بإزدرائه عقلية اهل النظام الطائفي المركانتيلي الفاسد، الى التقدم بصيغةٍ قانونيةٍ مميزة لقانونِ انتخابٍ على اساس النسبية يساعد على انتخاب مجلس نيابي قادر على القيام بالمهمة الجلل وهي تطبيق احكام الدستور، ولاسيما المادة 22 منه.
بمثل هذه الصيغة المميزة يحقق العهد هدفين وطنيين جليلين في آن : الحرص على تطبيق احكام الدستور ، وضمان صحة التمثيل الشعبي وعدالته .