نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 24/12/2018
اذا خرجت اميركا من شرق سوريا
فلماذا تبقى تركيا في شمالها وغربها ؟
د. عصام نعمان
قرر دونالد ترامب سحب القوات الاميركية من كل (؟) الاراضي السورية . برّر قراره بأن الولايات المتحدة "لا تريد ان تكون شرطي الشرق الاوسط". قادة سياسيون وعسكريون كثر فوجئوا بقرار الرئيس الاميركي وجهروا بإنتقاده. قيل إن اركان الدولة العميقة – اي وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية وكبار قادة الكونغرس – عارضوا القرار المثير للجدل وحذروا من مخاطره . وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس لم يتأخر في تقديم استقالته.
قادة كبار في دول اوروبا الاطلسية انتقدوا قرار ترامب الانسحاب المبكر. بعضهم كذّب زعم الرئيس الاميركي بإنهائه وجود "داعش" في سوريا . بعضهم الآخر تعهد بالمواظبة على دعم "قوات سوريا الديمقراطية" الكردية ضد "الدواعش" حتى بعد انسحاب القوات الاميركية.
موسكو طالبت واشنطن بمزيد من المعلومات حول توقيت إنسحاب قواتها وإن لم تكتم ترحيبها بالخطوة. انقرة اغتبطت ، لكن رجب طيب اردوغان اعلن تريثه في تنفيذ هجومه الموعود على القوات الكردية " الإرهابية" شرق الفرات.
اكبر الخاسرين ، بطبيعة الحال ، التنظيمات الكردية المتحالفة مع حزب العمال الكردستاني التركي والمتعاونة مع الولايات المتحدة. هؤلاء اعتبروا قرار الإنسحاب "طعنة في الظهر". مثلهم شعر عدد من القادة الصهاينة.
دمشق (ومعها طهران) إغتنبطت بالتأكيد . فهي تعتبر وجود القوات الاميركية في اراضيها غير شرعي وغير مقبول ومستوجباً الطرد ، لكنها لم تبدِ ارتياحاً ظاهراًبإنتظار معرفة ما تنتويه انقرة الضالعة في نشر قوات احتلال في غرب سوريا (عفرين) وفي جرابلس (شمال حلب) ، ولم تتوانَ عن تقديم دعم عسكري لتنظيمات ارهابية موالية لها في محافظة ادلب.
ما دافع ترامب الى اتخاذ قرار الإنسحاب؟
تعددت التخمينات . قيل إنه يريد حقن دماء الجنود الاميركيين المهددين من جهات عدة. قيل إنه إستعظم التكلفة الهائلة ، البشرية والمالية والسياسية ، لحروب اميركا دفاعاً عن حلفائها . اغربُ التفسيرات إدعاءٌ بأن ثمة اتفاقاً تحت الطاولة بين واشنطن وموسكو يقضي بإعطاء روسيا ما تريد في سوريا والعراق لقاء إقامة تحالف ضمني بين روسيا واميركا لمواجهة الصين !
ايّاً ما كان الدافع الى الإنسحاب ، ظاهراً او ضمناً ، فإن ثمة سؤالاً مفتاحياً ينهض : أليس من الضروري ، في غمرة الازمة المتعاظمة التي تعصف بترامب داخل بلاده وانحسار ثقة حلفائه به في الخارج ، ولاسيما في اوروبا و"اسرائيل"، اغتنام الفرصة الناجمة عن إختلال موازين القوى نتيجةَ الإنسحاب الاميركي المرتقب ، بمبادرة سوريا ، مدعومةً من روسيا وايران ، بمطالبة تركيا بتنفيذ تعهداتها في استانة وسوتشي القاضية بإنهاء سيطرة التنظيمات الإرهابية في محافظة ادلب بلا إبطاء ، حتى اذا رفضت او تلكأت قام الجيش السوري بمباشرة عمليات عسكرية مكثّفة لتحريرها من التنظيمات الإرهابية التي ما زالت ناشطة هناك ؟
اردوغان صرّح مؤخراً بأنه مستعد للتعاون مع روسيا وايران من اجل توطيد الإستقرار في سوريا. وزير خارجيته مولود جاويش اوغلو أكد حرص تركيا على وحدة سوريا . حسناً ، أليس إنهاء سيطرة التنظيمات الإرهابية في ادلب وفي شرق الفرات شرطاً ومدخلاً الى إستعادة وحدة سوريا وتوطيد استقرارها ؟
هل تراه يعتقد اردوغان وجاويش اوغلو أن وحدة سوريا وتوطيد استقرارها يكونان بحلول القوات التركية محل القوات الاميركية المتمركـــزة في شرق الــفرات وفي قاعدة التنف على الحــدود السورية–العراقية ، وبحلولها محل القوات الكردية المتعاونة مع اميركا في شمال سوريا الشرقي ، وبسيطرة التنظيمات الإرهابية في محافظة ادلب برعاية تركيا او ، على الاقل ، برضاها ؟ في المقابل ، أليس الإنسحاب من سوريا والتفاهم معها هو الخيار الأفضل والأجدى لمعالجة المسألة الكردية في كلٌّ من البلدين ؟
صحيح ان الحوار الهادىء والجدّي بين روسيا وايران وتركيا هو الوسيلة الفضلى لتصفية ذيول الحرب في سوريا وعليها كما لمعالجة تداعيات خروج اميركا المرتقب منها ، غير ان ذلك لا يتناقض البتة مع ضرورة التحسّب لإمكانية تمسّك تركيا بمطامعها الجيوسياسية كما مع وجوب تهيّؤ اطراف محور المقاومة ، مجتمعين ، لمواجهة مطامع تركيا بلا إبطاء على نحوٍ يكفل استعادة سوريا وحدتها وسيادتها على كامل ترابها الوطني.
دقّت ساعة العمل الجدّي .