ماذا بعد الإتفاق النووي الوشيك ؟
د. عصام نعمان
الإتفاق النووي بين الولايات المتحدة وايران بات وشيكاً. تصريحات وزيري خارجية الدولتين تشي بذلك. زيارة جون كيري للرياض لتطمين السعودية بشخص وزير خارجيتها سعود الفيصل اشارة ترجّح الإتفاق . ماذا يقلق الرياض، وماذا تنوي ادارة اوباما فعله من اجل معالجة قلقها ؟
الفيصل كشف أبعاد القلق السعودي بعد اجتماعه الى كيري: "الولايات المتحدة ستلتزم في المفاوضات مع ايران وستحول دون تطويرها للقنبلة الذرية. هذا الامر لن يتمّ على حساب نسيان جميع الملفات الاخرى التي تتولاها ايران ، وهو مصدر القلق الاساسي لمجلس التعاون الخليجي بشأن الطاقة الذرية والقنبلة الذرية . لكننا قلقون بالقدْر نفسه حول طبيعة اعمال ايران وميولها في المنطقة التي تعدّ من اهم عناصر زرع عدم الإستقرار فيها كتدخلها في سوريا ولبنان واليمن والعراق ، وربما في مناطق اخرى . يجب ان تتوقف هذه الإجراءات اذا ارادت ايران ان تكون جزءاً من الحل في المنطقة لا جزءاً من المشكلة".
ما طبيعة التدخلات التي تشكو منها السعودية ؟
يجيب الفيصل : "إن الوضع في تكريت يُعدّ مثالاً جيداً على ما يقلق المملكة حيث تسيطر ايران على جميع البلاد ، وعملية السلم والحرب اصبحت الآن في يدها الامر الذي يخلق حالة من عدم الإستقرار ويعزز الطائفية والفرقة في العراق التي لم تكن قائمة من قبل".
حاول كيري للتوّ وبشكل مبطّن الرد على مخاوف الفيصل بقوله "إن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي اكد ان هذه العملية تتولاها القوات العراقية وتتألف من قوى امنية عراقية وميليشيات وقبائل تهدف الى تحرير محافظة صلاح الدين من "داعش" وسيطرته". اعترف كيري بـِ "وجود معلومات تؤكد دور الجنرال قاسم سليماني على الارض ، وان بعض التحركات للقوات الإيرانية في الجزء الشمالي من العراق والتي شاركت في القتال من البداية ، لم يكن امراً منسقاً ، ونحن لا نتعاون معهم".
من الواضح ان السعودية قلقة من اتساع نفوذ ايران في العراق خصوصاً وسوريا واليمن ولبنان عموماً ، وتخشى من ازدياد هذا النفوذ اذا ما توصلت الولايات المتحدة معها الى اتفاق حول برنامجها النووي. يبدو انها تريد من الولايات المتحدة ان تقدّم لها ولشقيقاتها الخليجيات ضمانات على هذا الصعيد ، وربما بتضمينها الإتفاق العتيد مع ايران. الولايات المتحدة ، وإن يسؤها اتساع نفوذ ايران في العراق ، إلاّ انها لا تستطيع ان تفعل الكثير في هذا المجال لأسباب عدّة:
- علاقات ايران الوطيدة مع معظم الاطراف السياسية في البرلمان والحكومة والتنظيمات العسكرية العراقية على الارض.
- إمتنان حكومتي بغداد وكردستان العراق من ايران لمسارعتها ، بشخص الجنرال سليماني ، الى مساندتهما عندما تعرضت اربيل الى هجمة ضارية مفاجئة من "داعش" صيفَ العام الماضي.
- ارتياب حكومة بغداد بإدارة اوباما بعد قيام الاخيرة بتجميد تسليمها الطائرات الحربية المتطورة المدفوع ثمنها مقدماً ، وشعور اكثرية العراقيين بأنها لا تريد للعراق ان يكون قوياً وقادراً بقواه الذاتية على مواجهة اعدائه ولاسيما "داعش" واخوته .
كل ما تستطيع ادارة اوباما تقديمه للسعودية في الوقت الحاضر هو عدم التعاون مع ايران في مواجهتها مع العراق لـِ "داعش" ، كما المثابرة على عدم تسليحه بأسلحة ثقيلة مخافةَ قلب موازين القوى لمصلحة حكومة بغداد في صراعها مع حكومة كردستان العراق.
اما بالنسبة الى سوريا ولبنان ، فإن امكانية اعطاء ادارة اوباما للسعودية ضمانات مطمئنة تبدو صعبة للغاية . ذلك ان الولايات المتحدة تعتمد بشأن المنطقة استراتيجية تتناول مستقبل معظم دولها وتنطوي على تعديلات جدّية في خرائطها السياسية والجغرافية . المشكلة ان ادارة اوباما لم تتوصل بعد الى اتفاق نهائي مع شريكيها الاقليميين الاساسيين ،"اسرائيل" وتركيا ، على ما يجب عمله وما يجب عدم عمله في المنطقة . صحيح انها لا تمانع في تقسيم سوريا (ولبنان) الى ثلاث اواربع دول على اساس مذهبي واثني ، لكنها ما زالت غير واثقة من قدرتها على تنفيذ هذا المخطط في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور لأسباب ثلاثة:
الاول ، دخول "داعش" على خط الصراع وضرورة المفاضلة بين محاسن ومساوىء تمكينه من السيطرة على بعض او كل محافظات العراق الغربية السنّية لتشكيل دولة-اسفين تفصل سوريا عن محافظات جنوب العراق الشيعية وبالتالي عن ايران.
الثاني ، احتمال قوي بدخول ايران في معمعة الصراع لمنع تقسيم سوريا (ولبنان) والحؤول تالياً دون طرد نفوذها المتنامي فيها.
الثالث ، عدم وصول المشاورات بينها وبين ايران الى توافق حول مستقبل مناطق الاكراد في كل من العراق وسوريا وتركيا . هل تبقى ممسوكة في صيغ للحكم الذاتي بإشراف الدول المنبثقة منها ، او بإشراف تركيا ، او يُسمح لها بأن تكوّن ، مجتمعةً ، دولة مستقلة ؟ فالولايات المتحدة تعلم ان ايران لن تقف مكتوفة اليدين اذا ما شعرت بأن مخططاً يجري تنفيذه لتمكين اكراد تركيا وايران والعراق وسوريا من اقامة دولة موحدة مستقلة ، او اخراج مناطق الاكراد في الدول المار ذكرها من نطاق سيادتها . كما تعلم ان ايران قادرة على محاربته وتعطيله.
اما بالنسبة الى اليمن ، فإن الولايات المتحدة تشارك السعودية قلقها من اتساع نفوذ ايران ، ولاسيما بعد سيطرة حلفائها الحوثيين على صنعاء ومعظم مناطق شمال اليمن ، إلاّ انها تتخوف ايضاً من مغبّة استغلال مقاتلي "القاعدة" للحرب الاهلية ومخاطرها التقسيمية وامكانية سيطرتهم لاحقاً على منطقة عدن ومضيق باب المندب. ولعل واشنطن ستضطر الى المفاضلة بين ثلاثة احتمالات : القبول بسيطرة الحوثيين على شمال اليمن برمته مع امكانية توفير موطيء قدم لهم على ساحل البحر الاحمر وبالتالي اقامة قاعدة بحرية لوجستية للاسطول البحري الإيراني في الحديدة ، او العودة الى صيغة الدولتين ، واحدة في صنعاء والاخرى في عدن كما كانا قبل توحّدهما ، او الرضوخ لإحتمال إقامـة دولة لـِ "القاعدة" في حضرموت وسائر مناطق جنوب اليمن بإستثناء عدن مع المخاطر الناشئة عن استحواذ "القاعدة" على موطىء قدم صالح لتدريب وتجهيز مقاتلين لها ولحلفائها وتصديرهم لشتى انحاء عالم العرب والمسلمين.
امارة قطر إرتأت أن مسألة حماية امن الخليج لا تحتمل التأجيل فبادرت الى توقيع اتفاق عسكري مع تركيا ، في اطار الاعلان عن تأسيس "مجلس التعاون الإستراتيجي" بينهما ، وقد اقرّ البرلمان التركي بموجبه قانوناً يقضي بالسماح لأنقرة بنشر قوات مسلّحة تركية في قطر كما السماح لقطر بالأمر نفسه على الارض التركية.
السعوديـــــة ليســت سعيدة بالتحـالف التركي – القطـري ، كذلك مصر و... الولايات المتحدة. هكذا تبقى حماية دول الخليج والمنطقة (ممن؟) مسألة خلافية ومدار صراع طويل...