ظاهرتان متلازمتان: ادارة التوحش والتغوّل السياسي د. عصام نعمان
ظاهرتان متلازمتان: ادارة التوحش والتغوّل السياسي
د. عصام نعمان
تجلّت ادارة التوحش بأسطع صورها بتجويع وتخويف الطيار الأردني معاذ الكساسبة مـدة خمسـة ايام قبل حرقـه حتى الموت . فعلةُ تنظيم "الدولة الإسلامية - داعش" تحاكي ، كما قيل ، اسلوب "الصدمة والرعب " الذي اعتمده الاميركيون في حربهم على العراق العام 2003.
بَرَّر الدواعش جريمتهم بأنها جاءت ثأراً لمقتل 25 عنصراً من تنظيمهم "جائعين خائفين" في قصفٍ نفّذه طيران "التحالف الدولي" بتاريخ 24/12/2014 على مبنى الامن السياسي في مدينة الرقة ، وذلك بموجب حكم صدر عن اعلى المرجعيات الشرعية في "الدولـة الإسلاميـة" يقضي بموته (الطيار) "جائعاً ومُحرقاً ".
الرئيس باراك اوباما ، شأن العديد من رؤساء دول العرب والغرب، ندد بالجريمة البربرية وبظاهرة التوحش التي تزداد غلوّا وفحشاً . لكن اوباما وغيره من الرؤساء لم يشر الى ظاهرة اخرى لا تقل عن "ادارة التوحش" خطراً وفجوراً. انها ظاهرة التغوّل السياسي التي تمارسها الولايات المتحدة و"اسرائيل" وحلفاؤهما العرب ضد دولٍ تناهضها سياسياً وفي مقدمها سورية .
اوباما يدرك ان "داعش" و"النصرة" وغيرهما من التنظيمات الاسلاموية الإرهابية باشرت حربها الوحشية على سورية ، حكومةً وشعباً ، قبل حربها على العراق ولبنان ومن ثم على الاردن المنخرط في "التحالف الدولي ضد الإرهاب" . ومع ذلك فإن الولايات المتحدة وحلفاؤها ما زالوا ممعنين في سياسة التغوّل السياسي ضد سورية ودعم الدول والقوى الإرهابية الساعية الى تقسيمها في سياق ما تسمّيه "ثورة الحرية والكرامة" التي رفعت شعاراتها شهراً او شهرين قبل ان تفترسها بلا رحمة التنظيماتُ الإرهابية ذاتها التي اعلن اوباما قبل ايام تخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لمحاربتها.
سياسة الولايات المتحدة المرتكزة ، بحسب تصريح الرئيس الاميركي ، الى "إنهاك داعش وفي النهاية تدميره" ، والى تمويل وتسليح وتدريب مقاتلي "المعارضة السورية المعتدلة" لمحاربة تنظيمات الإرهاب والنظام السوري على السواء فشلت فشلاً ذريعاً. لا هي لجمت "داعش" و"النصرة" ، ولا هي افلحت في إقصاء الرئيس بشار الاسد الذي دعت الى اسقاطه منذ اربع سنوات.
ليس ادل على فشل هذه السياسة من ردة فعل الاردن ، شعباً وحكومةً ، على عملية حرق طيّاره الاسير. فقد حمّلت عائلة الطيار المحروق النظام السياسي الاردني "من رأسه الى قاعدته" ، كما قال احد افرادها ، المسؤولية عن مقتله ، فيما صدرت عن احزاب سياسية موالية ومعارضة دعوات صريحة الى إعادة النظر بالسياسة المتّبعة على نحوٍ يؤدي الى مواجهة الإرهاب بالتعاون مع سورية التي تواجه كما الاردن العدو المشترك نفسه. الناطق بإسم الخارجية السورية تجاوب مع هذه المطالبات بدعوته الحكومة الاردنية الى التعاون مع سورية في مواجهة تنظيمات الإرهاب.
عضو المكتب السياسي لـِ "الحركة الشعبية الاردنية" محمد احمد الروسان قدّم للحكومة كما للرأي العام حجة قوية في سياق دعم الدعوة الى ضرورة التنسيق بين الاردن وسوريا. قال إن الجيش العربي السوري ، وربما المقاومة الشعبية السورية ايضاً، باشرا تشديد الخناق على "النصرة" واخواتها التي تسيطر على جيبٍ من الارض على طول خط الفصل بين الجيش السوري والجيش الإسرائيلي في الجولان المحتل ، وان اندحار الإرهابيين سيحملهم بالتأكيد على الهرب بإتجاه الحدود الجنوبية بغية الدخول الى الاردن ، وان ذلك سيحمّل الاردن عبئاً ثقيلاً لا قدرة له على إحتمال تداعياته السياسية والامنية والإقتصادية.
هذه الشواهد وغيرها تؤكد ما ذهب العرب الاحياء من سياسيين ومثقفين ومناضلين الى ترداده مذّ اطلّ "الربيع العربي" المزعوم ، ذلك ان ما يواجه امتنا في حاضرها ومستقبلها المنظور عدوّان رئيسان : "اسرائيل" والاسلامويون السلفيون الإرهابيون . فالشقاق السنّي-الشيعي وما هو على شاكلته من مدّعيات ودعوات للإيقاع بين الدول العربية في المشرق والمغرب إن هو إلاّ مخططات ومكائد لا تخدم إلاّ العدو الصهيوني ومن يقف وراءه في الغرب وبلاد العرب والعجم .
يجدر بالعرب ، مسؤولين ومناضلين ومواطنين ، ان يعوا مخاطر المرحلة الراهنة وتحدياتها ويعتمدوا حماية الوجود القومي ، وحماية المصالح الحياتية والحيوية معيارين لتمييز الصديق من العدو ، وان يتفحّصوا تالياً سياساتهم ومواقفهم . إن فعلوا وجدوا ان إدارة التوحش هي ضدهم جميعاً ، محافظين وثوريين ، وان التغوّل السياسي هو ضد اهل الممانعة والمقاومة ، وفي مقدمهم سورية والمقاومتان اللبنانية والفلسطينية ، وان هاتين الظاهرتين متلازمتان ، فلا يمكن ان نؤيد او نحارب، منفردين او مجتمعين ، أيّاً منهما من دون ان نؤيد او نحارب الاخرى .
آن آوان الإختيار الحاسم بلا تردد بأن نكون مع كلِ مَن وما يحمي وجودنا القومي والإنساني ومصالحنا الحياتية والإستراتيجية .