نشرت بجريدة"القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 30/4/2018
"صفقة القرن ":
منطلقها فلسطين ومحورها سوريا ومنتهاها ايران ؟
د. عصام نعمان
"صفقة القرن" مشروع سياسي ارتدادي تصفوي ، صاحبه دونالد ترامب .عنوانه تصفية قضية فلسطين لمصلحة الكيان العنصري الإقتلاعي الصهيوني.
العنوان وحده لا يلخّص مضمون المشروع. ثمة أبعاد له وأغراض لا تقلّ خطورة عن تصفية قضية فلسطين بل لعلها اخطر واشمل ويمكن إجمالها بتصفية قضية العرب بما هي قضية حريتهم وتحررهم ونهضتهم ووحدة بلادهم وحقهم في العدالة والتنمية والفعل الحضاري.
هذا المشروع الإرتدادي التصفوي المتكامل صبّ ترامب اخيراً على نيرانه المتأججة زيتاً بإعترافه بالقدس عاصمةً لـِ "اسرائيل" ونقْل سفارتها اليها . رَفَد ذلك لاحقاً بما اسماه "مبادرة سلام معدّلة" تنصّ على عودة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي الى التفاوض على قضايا الحل النهائي وترْك ملف القدس الى المرحلة النهائية . الفلسطينيون عموماً، شعباً وتنظيمات ، رفضوا "صفقة القرن" . تردد ان محمود عباس رفض مبادرة السلام المعدّلة . الهجوم الصهيو-اميركي مستمر ومتطاول، وفي مواجهته تتصاعد مقاومةٌ فلسطينيةٌ متعاظمة في الوطن والشتات .
الهجوم الصهيو-اميركي متعدد الجبهات. ها هو يمتد في هذه الآونة الى سوريا وعبرها الى ايران .وزير الحرب الإسرائيلي افيغدور ليبرمان شدّ رحاله الى واشنطن حيث اجتمع الى وزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الامن القومي جون بولتن وبحث معهما ما وصفه بأنه "التوسع الإيراني في الشرق الأوسط وخصوصاً في سوريا". هدّد قائلاً : "كل موقع نرى فيه محاولة لتموضع ايران عسكرياً في سوريا سندمره ، ولن نسمح بذلك اياً كان الثمن".
في موازاة تهديدات ليبرمان ، ابرز مندوب "اسرائيل" في الامم المتحدة ما زعم انه "خريطة تبيّن ان ايران جنّدت اكثر من 80 الف مقاتل شيعي في سوريا وان قاعدة التدريب تبعد نحو ثمانية كيلومترات عن دمشق". ألا توحي مزاعمه بعدوان وشيك ؟
وزير الدفاع ماتيس اعلن خلال جلسة استماع في لجنة شؤون القوات المسلحة داخل مجلس الشيوخ ان الولايات المتحدة "تعتزم توسيع محاربة "داعش" من خلال إشراك دول المنطقة (...) ونحن لا نسحب قواتنا الآن ، وانا واثق اننا سنأسف اذا سحبناها (...) والفرنسيون ارسلوا قوات خاصة الى سوريا لتعزيز مهمتنا خلال الاسبوعين الماضيين ، وستشاهدون جهداً جديداً في وادي الفرات في الايام المقبلة".
من الواضح ،اذاً، ان ثمة ترتيبات عملية يقوم الاميركيون بإعدادها لتنفيذ خطة واسعة النطاق في وادي الفرات تبدأ من شماليّ شرق دير الزور وقد تنتهي في اطراف محافظة الحسكة. اللافت في هذا المجال ، انطلاق عملية واسعة لنقل مقاتلي "داعش" و"النصرة" الذين ارغموا على الإنسحاب من دوما وسائر قرى غوطة دمشق الشرقية الى بلدات وقرى وادي الفرات بغية تحشيدهم وتنظيمهم في وحدات مقاتلة تعمل الى جانب قوات سوريا الديمقراطية الكردية ("قسد") المتعاونة مع القوات الاميركية والقوات الفرنسية الخاصة التي جرى نشرها اخيراً شمال وادي الفرات.
الى ذلك ، لا يستبعد مسؤولون سوريون وروس ان تتمحور اغراض الخطة الاميركية في إقامة كيان انفصالي شرق الفرات قوامه عشائر عربية تديرها قيادات سورية موالية للسعودية . كما لا يستبعدون ايضاً ان تنطوي هذه الخطة على إقامة كيان كردي سوري منفصل عن حكومة دمشق المركزية بغية تعزيز دور الأطراف السورية المعارضة في اية مفاوضات قد تجري لاحقاً للبحث في تسوية سياسية للأزمة.
للهجوم الصهيو-اميركي وجهان اقليمي ودولي يتمثّلان بالضغوط التي تمارسها "اسرائيل" في اميركا واوروبا من اجل إلغاء الاتفاق النووي مع ايران. ترامب يبدو متجهاً الى اعتماد خيار الإلغاء بعدما بات واضحاً ان ايران لن توافق على اي تعديل لنص الإتفاق وان غالبية دول اوروبا ترى مصلحتها في الإبقاء عليه.
اذا ركب ترامب رأسه وألغى الإتفاق ، ماذا ستكون خطوته التالية ؟
ثمة احتمالان : الاول ، ان تقوم ادارة ترامب بفرض عقوبات اضافية قاسية على ايران والضغط على دول اوروبا لمجاراتها في هذا السبيل. الثاني ، ان تقوم اميركا بالتحالف مع فرنسا وبريطانيا وبعض دول الخليج ، بعمليات عسكرية متصاعدة لإرهاق ايران في سوريا وصولاً الى إخراجها منها. ذلك يؤدي ، في رأي انصار هذه المقاربة ، الى تحقيق هدفين إستراتيجيين : حماية "اسرائيل" وإبقاء يدها هي العليا في غرب آسيا ، وإضعاف نفوذ روسيا ما يساعد اميركا واوروبا ودول الخليج على الإستئثار بالمكاسب المرتجاة من مرحلة إعادة إعمار سوريا بعد الحرب.
الى ذلك ، تميل القيادات المتشددة في "الدولة العميقة" داخل الولايات المتحدة كما قيادات اليمين الإسرائيلي الحاكم الى الإعتقاد بأن روسيا ستتهيّب مواجهة التحالف الاميركي-الاوروبي-الخليجي في الساحة السورية مخافةَ الوقوع في مستنقع استنزافٍ طويل الامد لا طاقة لها على احتماله. كما تعتقد هذه القيادات بأن لا تداعيات عسكرية خطيرة لقيام ايران بالردّ على اطراف التحالف المعادي بالعودة الى تخصيب اليورانيوم بنسبةٍ مئوية عالية لعدم جدواه كونها ملتزمة دينياً وسياسياً بموقف المرشد الراحل الامام الخميني بتحريم صنع اسلحة نووية.
كيف تراها تردّ روسيا وايران ؟
بات واضحاً ان موسكو حزمت امرها وقررت تزويد سوريا منظومةَ دفاعٍ جوي متطورة من طراز S-300 من شأنها إعاقة حركة سلاح الجو الإسرائيلي وربما تكبيده خسائر فادحة في حال تصعيد اعتداءاته داخل الاراضي السورية. ايران تبدو مصممة ، وقادرة ، على مواجهة الإعتداءات الإسرائيلية على قواعد تمركزها في سوريا بل على الردّ في العمق الإسرائيلي اذا اقتضى الامر. وثمة بين المتخصصين في الشؤون الإيرانية مَن يعتقد ان تصعيد لهجة العداء الصهيو-اميركي والمباشرة في ترجمته على الارض سيدفع القيادة الإيرانية العليا الى إعادة النظر بموقفها السلبي من صنع قنبلة نووية وذلك بإتجاه تصنيع احد اسلحة الدمار الشامل لتحقيق توازنٍ فاعل في الردع كاللجؤ ، في الاقل ، الى تصنيع اسلحة نووية تكتيكية (للمدى القصير) ووضعها في متناول مقاتلي قوى المقاومة السورية واللبنانية والفلسطينية الامر الذي يُلحق بالكيان الصهيوني خسائر بشرية ومادية لا تُحتمل .
قيادات "اسرائيل" تدرك هذه المخاطر والعواقب الهائلة ، لذا يدعو بعضها الى إستباق المصيرالكارثي لكيانها الهشّ بشنّ حربٍ تدميرية شاملة على ايران في الحاضر طالما ميزان القوى ما زال يميل لمصلحة "اسرائيل" بفضل دعم الولايات المتحدة قبل ان تنجح ايران في المستقبل المنظور ، وبدعم من حلفائها ، بتحقيق توازنٍ رادع وكاسرٍ لإرادة "اسرائيل" واميركا معاً.
"اسرائيل" لن تتخذ بالتأكيد قرار الحرب على ايران إلاّ بموافقة اميركا وبدعمٍ سخي منها وربما بشرط مشاركتها فيها. العقل والمنطق يجزمان بأن اميركا لن تنزلق الى اتخاذ قرارٍ جنوني من هذا الطراز لأنه ما زال في أروقة "دولتها العميقة" ، ولاسيما في الكونغرس والبنتاغون ، من العقول والإرادات ما يعصمها من نزق ساكن البيت الابيض وغلّه الاسود.
هكذا يتضح ان "صفقة القرن" منطلقها فلسطين ومحورها سوريا ومنتهاها ايران ، فهل كثير على قوى المقاومة في مشرق العرب اختصار مسار الآلام بإجتراح نهاية قريبة للحربالدائرة في سوريا وعليها ؟