غارة "اسرائيل" الحدودية ... حقائق واوهام
لم تقبل في الخليج
غارة "اسرائيل" الحدودية حقائق واوهام
د. عصام نعمان
اغار سلاح الجو الإسرائيلي ليل الاثنين الماضي على منطقة جردية قريب الحدود اللبنانية – السورية لم يصدر اي بيان رسمي بتأكيد حدوث الغارة او بنفيها عن اسرائيل او سوريا او لبنان لكن وسائل اعلام اسرائيلية واخرى امريكية واوروبية نشرت اخباراً "مسرّبة" منسوبة الى مسؤولين اسرائيليين "كبار"، لم تذكر اسماءهم ، اكدوا حدوث الغارة بروايات متضاربة بنيامين نتنياهو اضطر في مؤتمر صحافي مع انجيلا ميركل الى التعقيب ، فزاد الامر غموضاً قال : "لن نتحدث عمّا يدعون اننا فعلناه ام لم نفعله ، لكننا نبذل كل ما ينبغي عمله لحماية مواطنينا"
بعد 72 ساعة من الاعلان عن الغارة ، اعترف حزب الله بوقوعها وبأنها استهدفت موقعاً له قرب قرية جنتا وان لا صحة بتاتاً لاخبار عن استشهاد او جرح احد من مقاتليه او استهداف مواقع صواريخ ومدفعية له في المنطقة ، متوعداً "اسرائيل" بالرد في الزمن والمكان المناسبين
اذ اعترفت "اسرائيل" مداورة بحصول الغارة من دون تحديد المكان والزمان والهدف والنتائج ، تساءل مسؤولون ومراقبون لبنانيون وعرب عن غايتها من وراء الغارة ؟
خبراء عسكريون واعلاميون لبنانيون متمرسون اجروا ، منفردين ومتحدين، تحقيقات في الموضوع خرجوا بالحقائق الآتية:
استهدفت الطائرات الحربية الاسرائيلية ثلاث نقاط جردية داخل الاراضي اللبنانية تقع في خراج قرية جنتا
لم تتوفر اي معلومات حول خسائر بشرية او مادية لحقت بالقوات النظامية السورية الموجودة في المنطقة السورية المقابلة لقريتي جنتا ويحفوفا
لم يدلِ مناصرو فصائل المعارضة السورية في بلدة عرسال اللبنانية بأي معلومات حول اضرار لحِقت بمقاتلي القوات النظامية السورية الموجودة في منطقة الزبداني المقابلة لعرسال
هذه حقائق المشهد من الجانب اللبناني ماذا عن الجانب الآخر بكل ابعاده ؟
ثمة تضارب حتى حدود التناقض في المعلومات التي اوردتها وسائل الإعلام الإسرائيلية والامريكية والاوروبية حول حقيقة الغارة وملابساتها على النحو الآتي:
صحيفة "يديعوت احرونوت" عنونت صفحتها الاولى بـِ "الجيش الإسرائيلي يضرب في لبنان سلاح الجو يهاجم إرسالية صواريخ"
صحيفة "معاريف" إكتفت بـِ "تقرير: سلاح الجو يقصف منشآت حزب الله على حدود سوريا" ثم اضافت :"تقرير في لبنان: طائرات اسرائيلية قصفت امس مخزن سلاح متطور لحزب الله"
صحيفة "هآرتس" اختارت لنفسها عنوان : "طائرات الجيش الإسرائيلي تهاجم الحدود مع سوريا" ، إلاّ انها نقلت عن لسان قائد قاعدة حيفا البحرية الاميرال ايلي شافيت قوله إن حزب الله يحاول وضع اليد على اسلحة هجومية بحرية
مجلة "تايم" الامريكية نسبت الى "مسؤول اسرائيلي رفيع المستوى" قولـه إن "اسرائيل" هي من نفذ الهجوم على قافلـة تحمـل صواريـخ ارض – ارض على الحدود اللبنانية – السورية وان الصواريخ المرسلة تحمل رؤوساً حربية اضخم واخطر من معظم الصواريخ التي يوجهها الحزب ضد "اسرائيل"
وكالة "فرانس برس" قالت إن الغارة وقعت على الارجح داخل الاراضي اللبنانية"
يتضح من هذه "المعلومات" الإسرائيلية المتضاربة وجود غموضٍ مقصود او غير مقصود فمكان الغارة غير واضح تماماً مرة يقال انه "داخل لبنان" ، ومرة اخرى "داخل سوريا" ، ومرة ثالثة "على الحدود" دونما تحديد دقيق
ثم ان طبيعة الهدف المضروب غير واضحة مرة يقال "ارسالية صواريخ"، مرة اخرى يقال "منشآت لحزب الله" ، مرة ثالثة "مخزن سلاح متطور لحزب الله"
مجلة "تايم " ادّعت ان الغارة استهدفت قافلة صواريخ ارض- ارض اخطر من معظم الصواريخ التي يوجهها الحزب ضد "اسرائيل"، في حين اوحى قائد قاعدة حيفا البحرية الاميرال شافيت بأن الصواريخ المشار اليها هي صواريخ بحرية او صواريخ بر – بحر
من كل هذه "المعلومات" المسرّبة او غير المسربة يمكن استخلاص الحقائق والإستنتاجات الآتية:
ثمة حقيقة ثابتة هي حدوث غارة اسرائيلية داخل الاراضي اللبنانية على مقربة من الحدود مع سوريا
ان مكان وقوع الغارة ، بحسب بيان حزب الله ، هو ارض جردية لا وجود فيها لطرقات ما يُستبعد معه قدرة قافلة سيارات شاحنة للصواريخ او لغيرها من الاسلحة على المرور فيها
لا يعقل ان تُقدم سوريا ، وهي في حالة حرب حقيقية ، على ارسال قافلة تحمل صواريخ الى حزب الله عبر منطقة جردية تدور في جبالها وتلالها حرب ضارية بين الجيش السوري وفصائل المعارضة السورية
ليس من المعقول ان يجري ، في عصر التكنووجيا المتقدمة، نقل صورايخ كاملة التركيب وجاهزة للإستعمال من بلد الى آخر بواسطة شاحنات تسير على طرقات معروفة ومكشوفة او عبر مناطق جردية وعرة بلا طرقات وتجري في شعابها حرب ضروس منذ سنوات بل المعقول ان يجري نقل مختلف اجزاء الصواريخ وغيرها من الاسلحة بأشكال ووسائل متعددة من بلد المنشأ الى البلد المقصود حيث يصار الى تجميعها من قبل الجهة الراغبة في اقتنائها وإستعمالها ,
في ضوء هذه الواقعات والملابسات والاوهام ، ينهض سؤال : لماذا قامت "اسرائيل" بالغارة الغامضة ؟
يمكن من مراجعة مواقف وتصريحات المسؤولين الاسرائيليين والامريكيين ذوي الصلة ومن تعليقات المحللين السياسيين والعسكريين في لبنان وسوريا و"اسرائيل" استخلاص احتمالات ثلاث :
الاول ، التهويل على سوريا لحملها على وقف استعداداتها الميدانية الجارية لإقتحام مدينة يبرود في منطقة القلمون لأن من شأنه ان يحسم ، او يكاد ، ميزان القوى الداخلي لمصلحة النظام وعلى حساب المعارضة المسلحة
الثاني ، الإيحاء لسوريا ولحزب الله بأن ثمة هجوماً لفصائل المعارضة بدعم جوي من طرف "اسرائيل" او امريكا او كليهما لحملها على سحب قواتها من الجنوب (حوران) بغية تعزيزها في منطقة القلمون فيسهل على فصائل المعارضة المدعومة خارجياً شن هجومها المرتقب من جهة الحدود الاردنية
الثالث ، إعادة تأكيد موقف "اسرائيل" القائل بمنع وصول "اسلحة كاسرة للتوازن" الى حزب الله تحت طائلة شن الحرب على مصدر الاسلحة او المستفيد منها او كليهما
هل من تفسير آخر ؟