• ثمة مقولة رائجة مفادها ان الإنتخابات هي مصدر الشرعية ومعيارها
  • "مطلوب رجل لا يخجل حاضره بماضيه"
  • لبنان بلد الالف مشكلة ومشكلة . مشكلته الاولى بعد الالف انطرحت
  • الإنتخابات في عالم العرب قضية خلافية ومثيرة للجدل دائماً الخلاف لا يقتصر على العرب
  • لبنان ملعب ولاعبون. الملعب هو النظام السياسي ، واللاعبون هم متزعمون في طوائف
  • يمكن تعريف القانون الدولي العام بأنه مجموعة القواعد التي تنظم العلاقات بين الدول
مقالات
2016-03-28
مواجهة الإرهاب بالعنف وحده يستولد ارهاباً مضاداً...

نشرت بجريدة"القدس العربي" و"البناء"

تاريخ 28/3/2016

مواجهة الإرهاب بالعنف وحده يستولد ارهاباً مضاداً...

د.عصام نعمان

 

      بات الإرهاب طبقاً يومياً كريهاً على "موائد" مواطني دول العالم أجمع. مَن لم "يتذوقه" حتى اليوم سيفعل في غدٍ قريب. انه طبق كريه يُعدُّ في مطابخ محلّية "ويؤكل" ، غالباً، في جوارها . قد تُوضع وصفته (تركيبته وبعض مواده) في الخارج ، لكن تقديمه وتناوله يجريان غالباً على "موائد" بلدية في الشوارع والساحات العامة وخصوصاً في الأمكنة المكتظة.

      حتى امسٍ قريب كانت  دول كبرى واقليمية تزوّد مطابخ ارهابية في سوريا والعراق واليمن وليبيا وتونس ومصر موادَّ طازجة واخرى بائتة لإعداد اطباق إرهابية كريهة جداً بغية تقديمها في "مطاعم" عربية واوروبية. فعلت ذلك سراً وحذرت من خطورة تناولها علناً.

    ليس ما رسمناه مشهداً سوريالياً. إنه مشهد يومي بالغ الواقعية يراه افراد وجماعات وشعوب ويعانونه في دول المشرق كما في دول الغرب. يبدو ان قادة اميركا واوروبا ادركوا اخيراً خطورة أطباق الإرهاب على صحة مجتمعاتهم. قرروا وقف تصدير مواد طازجة لمطابخ الإرهاب. لعلهم اتفقوا ايضاً على ضرورة  تدمير مطابخ الإرهاب لوقف إعداد "وجبات" ملغومة وترويجها. بصريح العبارة : لولا احداث باريس ثم بروكسل الإرهابية لما تنبّه قادة اوروبا واميركا الى مخاطر إستشراء الإرهاب في عقر بلدانهم . لذا اخذوا يرفعون شعاراً موحداً: "الإرهاب خطر عالمي". ولأنه عالمي فإن مواجهته يجب ان تكون عالمية.

      ما العمل لمواجهة الإرهاب محلياً وعالمياً؟

       دول اوروبا جادة في مواجهته داخلياً وليس خارجياً ، بعد. اميركا وروسيا اكثر جدية من غيرهما . جون كيري ، مفوّضاً من رئيسه ، ناقش في موسكو مع فلاديمير بوتن وسيرغي لافروف مفردات برنامج متكامل لمواجهة الإرهاب عالمياً. اتفقت الدولتان العظميان على نقاط واختلفت على اخرى.

    اتفقتا على هدف استراتيجي مركزي: منع تنظيمات الإرهاب من التمركز في ايّ بلد كي لا يصبح لها مقراً ومنطلقاً وللإرهابيين مغناطيساً جاذباً ومأوى وساحة تدريب وإعداد. يترتّب على ذلك إستئصال وجود الدولة الإسلامية –"داعش" في سوريا والعراق ومن ثم ليبيا واليمن. لا قيد على الجيش السوري في حملته المتصاعدة لإقتلاع "داعش" من تدمر ودير الزور والرقة. لا تحفظ على مشاركة "الحشد الشعبي" في معركة تحرير الموصل من "داعش" وحلفائه. بإختصار ، لن يكون لـِ "داعش" ايّ مقر ارضي ثابت محصّن في ايّ مكان.

      الى ذلك ، ثمة اتفاق على تعاون وتنسيق اوسع في ميادين الإستخبارات والإستقصاءات للوقاية المسبقة من افعال الإرهاب ومفاعيلها قبل حصولها . كما ثمة اتفاق على امور تكتيّة مهمة:

·       اطلاق يدّ روسيا في دعم سوريا لتنظيف مناطقها من "داعش".

·       اطلاق يد اوروبا في ليبيا لتخليصها من "داعش" في سياق دعم حكومة وطنية جامعة تعمل لإستعادة وحدتها.

·       لجم تركيا الساعية لإقامة "منطقة آمنة" في شمال سوريا في سياق خطةٍ لإضعاف حكومة دمشق كما حركة الكرد الرامية الى إقامة مناطق حكم ذاتي في سوريا وتركيا.

غير ان ثمة نقاطاً خلافية بين واشنطن وموسكو تتطلب حلاً او تسوية :

·       مستقبل الرئيس بشار الاسد. واشنطن تريد ان يكون بقاؤه في السلطة مقيّداً بمرحلة انتقالية لها بداية ونهاية. موسكو تريد ان يبقى هذا الأمر من صلاحية السوريين أنفسهم ، سواء في مفاوضات او انتخابات .

·       حدود الحضور والنفوذ الروسيين في سوريا ومثيلهما الاميركيين في العراق.

·       مناهج وطرائق التعامل مع كل من تركيا والسعودية وايران لتقليص تعاملها وبالتالي نفوذها في سوريا والعراق واليمن.

    تعاونُ واشنطن وموسكو لإطفاء الحرائق في دول غرب آسيا يتطلّب ايضاً التفاهم على إنهاء الأزمة في كلٍ من سوريا والعراق واليمن . واشنطن تبدو مستعدة للتسليم بدور واسع لموسكو في دول غرب آسيا. فالنفط لم يعد هاجساً ولا دافعاً لواشنطن الى احتكار دور الشرطي والحامي والوصي على مقدرات المنطقة . ثمة مصالح وموارد ومخاطر اهم واخطر في شرق آسيا تتطلب حضوراً ودوراً اميركيين وازنين ما يدفع واشنطن الى التغاضي عن قليل ما تبقّى لها في غرب آسيا لتكسب الكثير مما ينتظرها في شرقها .

  يتزامن الإنحسار الاميركي النسبي في الشرق الاوسط مع صعود مطرد في دور كلٍ من ايران (وقوى المقاومة التي ترعاها) وتركيا واسرائيل. ايران اضحت بفضل اتفاقها النووي مع الولايات المتحدة وحليفاتها الاوروبيات من جهة وتنامي قدراتها العسكرية ، ولاسيما الصاروخية، من جهة اخرى  دولةً اقليمية مركزية في المنطقة ، محكوم على واشنطن وموسكو ان تحسب لها حساباً .

    تركيا لها مطامحها ومطامعها وقادرة ايضاً على ممارسة دور مؤثر ازاء اللاعبين الآخرين في المنطقة رغم تقلص هامش المناورة امامها عقب اندلاع اضطراباتها الأمنية  الداخلية.

    اسرائيل تبقى اسيرة ثنائية مربكة : امنها القومي المهدد بصعود ايران وقوى المقاومة العربية المتحالفة معها من جهة ومفاعيل سياستها الإستيطانية التوسعية من جهة اخرى. وهي اذ تشعر بإهتمام اميركي اقل بهواجسها ومطامعها ، تسعى الى الإنفتاح على دول الخليج وايجاد ارضية مشتركة لتحالف استراتيجي معها في وجه كبريات الدول الإقليمية الصاعدة.

   غير ان تحدياً استراتيجياً وازناً يبقى ماثلاً في وجه كل الدول ، كبيرها وصغيرها، المعنية بمواجهة الإرهاب . انه محدودية مردود العنف في مواجهة الإرهاب على المدى الطويل. فمواجهة الإرهاب بالعنف يُنتج ، غالباً ، إرهاباً مضاداً ويستولد تالياً حلقة مفرغة مستدامة من العنف والعنف المضاد الى ما لا نهاية. من هنا تستبين الحاجة الى ابتداع برنامج سياسي وثقافي متكامل لمكافحة الإرهاب على الصعيدين الإقتصادي - الإجتماعي والفكري- الثقافي. ذلك ان مجتمعات وجماعات وافراداً يرتعون في اوضاع البؤس والفقر والمرض والبطالة من جهة وفي مراتب متدنية من الامية والجهل وانعدام التعليم والتوجيه والتغذية الروحية من جهة اخرى يصبحون جميعاً ارضاً خصبة لإستنبات التعصب والعنف وتكوين عناصر بشرية متأهبة لإعتماد الإرهاب نهجاً وطريقة حياة.

 

 

رجوع