جريدة"القدس العربي" وا"البناء"
تاريخ 7/3/2016
الحسم الميداني
قبل البحث في نظام سوريا السياسي ؟
د. عصام نعمان
لغط كثير اثاره تصريحٌ حول خيار الفدرالية منسوب الى نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف. التصريح جاء رداً على سؤال متبوعاً بتأكيد ان الفدرالية او أي خيار آخر سيكون نتيجةً لمحادثات ومناقشات بين السوريين انفسهم حول شكل نظام الدولة السورية في المستقبل ، مع الحرص على وحدة البلاد واستقلالها وعلمانية دولتها .
بعض الاوساط الكردية في محافظة الحسكة السورية ، كما في كردستان العراق ، بَنَت على تصريح المسؤول الروسي توقعات ومخططات فيها الكثير من الخيال . بعضها الآخر كان اكثر رصانة بتأكيده على أن اكراد سوريا جزء من الشعب السوري الذي يؤمن بوحدة سوريا ومركزية دولتها وتحصين حال التعايش بين مختلف فئات شعبها .
إزاء اتساع اللغط حول تصريح ريابكوف ، اوضحت المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا " أن بناء الدولة السورية يقرره السوريون انفسهم من خلال الحوار" . هذا التوضيح يؤكد موقفاً قديماً لموسكو حرصت على ترجمته دائماً في قرارات مجلس الامن الدولي بأن مستقبل سوريا يقرره السوريون انفسهم . دمشق بدَت متأكدة من ثبات موقف روسيا في هذا المجال . فصحيفة "الاخبار" نسبت الى مصدر سوري رفيع قوله "إن تحليلات ما بعد تصريح ريابكوف هي محاولات لتخريب العلاقات السورية-الروسية ، وان لا حل خارج الحفاظ على كامل الاراضي السورية" .
حتى لو كان الروس جادين في طرح الفدرالية في الوقت الحاضر فإن اي بحث جدّي في شكل نظام الدولة في المستقبل لا يعقل ان يبدأ قبل حسم الصراع في الميدان . ذلك ان تنظيميّ "داعش" و"النصرة" ما زالا يسيطران على مساحات شاسعة من البلاد ولا سبيل ، تالياً ، الى تنفيذ ما قد يتفق عليه السوريون فيما بينهم قبل تحريرها من محتليها. كما لا يغيب عن اذهان اطراف الصراع جميعاً ان قرار مجلس الامن الدولي 2268 والاتفاق الثنائي الاميركي-الروسي ينصّان على استثناء "داعش" و"النصرة" من قرار وقف الاعمال العدائية .
سوريا ،اذاً، مستمرة في حربها الدفاعية على جميع تنظيمات الإرهاب في اراضيها ايّاً كانت الاطراف الدولية او الاقليمية التي تمولها وتسلحها وتؤازرها . ولا سبيل ، تالياً، الى انخراط حكومتها في محادثات جدية حول شكل نظام الدولة قبل انتهاء الحرب ، اي قبل هزيمة التنظيمات الإرهابية وتحرير جميع المناطق التي تسيطر عليها .
غير ان اولوية الحسم الميداني لا تحجب حقيقة بازغة هي صعوبة نجاح الجيش السوري في استئصال "داعش" و"النصرة" وامثالهما من دون دعم عسكري وازن من روسيا وتنسيق فاعل مع العراق الذي يواجه مع سوريا عدواً مشتركاً . فهل ثمة تحفظ روسي في توفير الدعم المطلوب للجيش السوري ؟
ظاهرُ الحال يشير الى ان موسكو جادة في توفير الدعم السياسي والعسكري لدمشق ولاسيما في مجلس الامن الدولي وفي السلاح والعتاد والقصف الجوي لمواقع الإرهابيين . مع ذلك ، ثمة مصالح واعتبارات مهمة تضعها موسكو في الحسبان ومن الطبيعي ان تراعيها في تعاونها مع سوريا ضد الاعداء المشتركين . هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فإن لروسيا مصالح وإعتبارات تحرص على مراعاتها مع الولايات المتحدة ومن شأنها ان تترك هي الاخرى تأثيراً في تحديد اشكال الدعم العسكري الروسي على الارض .
لذلك ، يُستحسن في هذه الآونة طرح اسئلة استيضاحية :
- هل ثمة اتفاق ضمني اميركي-روسي على إقامة كيان حكم ذاتي للاكراد السوريين في شمال شرق سوريا؟
- اذا كان الجواب ايجابياً، هل ينطوي الاتفاق على الحؤول دون وصول "وحدات حماية الشعب" الكردية السورية الى المناطق الحدودية في غرب سوريا ، اي الى منطقة عفرين؟
- هل ثمة ضغوط اميركية على روسيا للحؤول دون قيام الجيش السوري بعمليات عسكرية شرق نهر الفرات ، اي في محافظتيّ الرقة ودير الزور، ضد تنظيم "داعش" الذي تستخدمه الولايات المتحدة ظرفياً في اطار مخططها الرامي الى اقامة كيان حكم ذاتي للعراقيين من اهل السنّة في محافظتيّ نينوى والانبار المحاذيتين لمحافظتيّ الرقة ودير الزور السوريتين؟
- هل تستأخر دمشق تحرير محافظتيّ الرقة ودير الزور الى ما بعد تحرير محافظة ادلب من "النصرة" ومن ثم تركّز على مقاتلة "داعش" شرق نهر الفرات بالتنسيق مع العراق وبالتزامن مع هجوم جيشه المرتقب لتحرير مدينة الموصل؟
- هل تسعى تركيا الى مشاغلة الجيش السوري على حدود محافظة ادلب ، ومشاغلة "وحدات حماية الشعب" الكردية في مناطق اعزاز وجرابلس الحدودية الى حين الإنتهاء من الإنتخابات الرئاسية الاميركية املاً في فوز الجمهوريين بالرئاسة وما يمكن ان يجرّه ذلك من تغيير في سياسة الولايات المتحدة يجعلها اكثر تشدداً مع سوريا وايران ؟
من الصعب توفير اجوبة مفيدة في الوقت الحاضر عن كل هذه الاسئلة لأن حكومات الدول المعنية ، ولاسيما ادارة اوباما ، حريصة على عدم كشف اوراقها قبل اشهر معدودة من اجراء انتخابات الرئاسة واحتمال انتقال السلطة في الولايات المتحدة الى الجمهوريين الاكثر تشدداً.
ماذا عن سوريا ؟
الأكيد انها حريصة ، بالدرجة الاولى ، على تحرير كامل اراضيها المحتلة من "داعش" وامثاله قبل الخوض في اي بحث حول شكل نظام الدولة في المستقبل .