هل ثمن " اللافيتو" الاميركي تهدئة الضفة ؟
د. عصام نعمان
"اسرائيل" قتلت زياد ابو عين بدم بارد. الشعب الفلسطيني يطالب بالثأر. ابو مازن وقيادته حائران في كيفية اخذ الثأر. القوى الشعبية وبعض تنظيمات المقاومة تطالب بإلغاء اتفاق التنسيق الامني مع "اسرائيل" لتسهيل اطلاق المقاومة الشعبية مجدداً. ابو مازن وصائب عريقات واعضاء آخرون في القيادة الفلسطينية يفضلون الثأر السياسي على الثأر الأمني . صيغة الثأر السياسي تقديمُ مشروع قرار الى مجلس الامن الدولي يقضي بتحديد سقف زمني لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي. يقول هؤلاء إنه يتوجب التروّي وعدم اتخاذ اي خطوات كبيرة قبل عرض مشروع القرار على مجلس الامن مخافةَ عرقلة مساعي الحصول على الصوتين الثامن والتاسع اللازمين لإقراره .
القيادات الشعبية وبعض تنظيمات المقاومة تزدري هذه الذريعة. يقول هؤلاء إن اتفاق اوسلو المعقود منذ اكثر من 20 سنة وكل ما تفرّع عنه لم تلتزمه "اسرائيل" . السلطة الفلسطينية وحدها تطبقه من طرف واحد ما يجعلها مجرد اداة لقمع الشعب الفلسطيني بأيدي الفلسطينيين أنفسهم . ذلك يكرّس ، في الواقع، الإحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية ويبّرأ "اسرائيل" من تهمة الإحتلال.
"اسرائيل" احسّت بوطأة اغتيال زياد ابو عين على سمعتها ومكانتها الدولية . بنيامين نتنياهو سارع الى نقل رسالة الى محمود عباس مفادها ان "اسرائيل" سوف توسّع التحقيق في ملابسات "الحادث" ، وطالب السلطة الفلسطينية بالتهدئة وضبط النفس. القوى الشعبية الفلسطينية لم تُعر موقف تننياهو اي اهتمام . كذلك ، على الارجح ، كانت ردة فعل ابو مازن . هل ثمة مخرج ؟
القيادة الفلسطينية منهمكة بدرس الوضع والخيارات المتاحة . قراراتها لن تعلن قبل اجتماع نتنياهو ووزير الخارجية الاميركي جون كيري هذا الاسبوع . في هذه الأثناء يشتدّ الجدال بين الاطراف القيادية الفلسطينية. المتشددون بين هؤلاء يصرّون على إلغاء التنسيق الامني مع "اسرائيل" او تعطيله في الاقل. يطالبون ايضا بإنضمام السلطة الفلسطينية الى اتفاق روما المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية ، ودعوة الامين العام للامم المتحدة الى ايجاد نظام خاص للحماية الدولية للشعب الفلسطيني . الاكثر تشدداً بين القياديين يطالب بإطلاق المقاومة الشعبية على الفور لأن لا طائل تحت الإتفاقات المعقودة مع "اسرائيل" والقرارات التي اتخذها مجلس الامن او يعتزم اتخاذها في المستقبل.
لماذا يتريث ابو مازن في اتخاذ موقف حاسم من "اسرائيل" ؟
اسباب ثلاثة رئيسة تقف وراء تردده :
الاول سياسي . ذلك ان الغاء اتفاق التنسيق الامني يعني عملياً قطع التعامل مع "اسرائيل" ، والتوقف عن التفاوض معها ، وتعطيل حركة قيادات السلطة كما قيادات المنظمة ومختلف التنظيمات العاملة تحت مظلتها في الداخل والحدّ من انتقالها الى الخارج. هذا الخيار تعارضه الولايات المتحدة ودول الخليج التي تحرص السلطة الفلسطينية على مراعاتها.
الثاني مالي . ذلك ان إلغاء اتفاق التنسيق الامني واطلاق المقاومة الشعبية يؤديان الى قيام "اسرائيل" بتجميد ايداع السلطة الفلسطينية حصتها من الضرائب المجباة الامر الذي يؤدي بدوره الى وقف تسديد رواتب الآلاف من موظفيها وافراد جهاز الامن الوطني ، ويجوّف ميزانيتها ، او يكاد ، من الموارد . هذا الخيار لا يحظى برضى دول الخليج التي قد تتوقف عن دعم السلطة الفلسطينية بالاموال والمساعدات.
الثالث استراتيجي . ذلك ان السلطة الفلسطينية ستجد نفسها مضطرة في حال الطلاق مع "اسرائيل" والولايات المتحدة ومجافاة دول الخليج ، الى اقامة علاقات سياسية ومالية واستراتيجية متقدمة مع ايران. هذا الخيار لا يتمتع بدعم الغالبية داخل السلطة والمنظمة ، وقد يتأتى عنه إنقلاب شامل في وضع قضية فلسطين اقليمياً ودولياً ، وهو امر خطير لا تتقبله الثقافة السياسية السائدة داخل منظمة التحرير الفلسطينية ولاسيما التنظيمات المحافظة فيها.
اذ تتدارس القيادات المحافظة كما الثورية داخل منظمة التحرير الخيارات المتاحة والإمكانات المتوافرة لكلٍ منها ، تُطلق الولايات المتحدة بالون إختبار لقياس ردود الفعل لدى الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني . فقد سرّبت واشنطن الى وسائل اعلام عبرية معلومة مفادها ان ادارة اوباما تميل الى عدم استخدام "الفيتو" لنقض قرار مجلس الامن بشأن المشروع الفلسطيني المزمع تقديمه لتثبيت دولة فلسطين على حدود 1967 وتحديد سقف زمني لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي.
موقع "واللا" الإسرائيلي لاحظ عدم تعهد واشنطن بعدم إستخدام "الفيتو" ، كما توقع ان يحاول نتنياهو ، خلال لقائه كيري هذا الاسـبوع ، إقناعـه بوجوب مواصلـة واشنطن سياستـها المؤيـدة لـِ "اسرائيل" في الامم المتحدة. لكن مصادر اخرى في الكيان الصهيوني ، كما في الولايات المتحدة ، قدّرت ان الاميركيين مضطرون الى ان يضعوا في الحسبان مواقف حلفائهم في الدول العربية التي تتعاون معهم في الحرب ضد الإرهاب عموماً، وضد "داعش" خصوصاً ، فيمتنعون تالياً عن ممارسة "الفيتو" ضد مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الامن.
اما القيادات المحافظة داخل السلطة ومنظمة التحرير فهي تأمل بأن تتدبّر الخروج من المأزق الناجم عن إغتيال زياد ابو عين وانفجار مرجل الحقد الشعبي على "اسرائيل" بتوليف صفقةٍ مضمونها أن يكون " اللافيتو" الاميركي حيال مشروع القرار الفلسطيني ثمناً للتهدئة في الضفة الغربية.
من يجرؤ على التفاؤل؟