نشرت بجريدة "القدس العربي" و"البناء"
تاريخ 23/5/2016
نتنياهو وليبرمان ... لضم الضفة ام لتقسيم سوريا ؟
د. عصام نعمان
أخفقت الاقمار الصناعية في كشف خفايا سقوط الطائرة المصرية في البحر . لكن اقمار الإعلام الصناعية والبشرية نجحت في كشف خفايا مبادرةٍ لـِ "سلم دافىء" مع اسرائيل اطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي ، كما نجحت في كشف مبادرةٍ رديفةٍ اطلقها طوني بلير لتأهيل حكومة بنيامين نتنياهو لتتقبّل مبادرة السيسي والإنخراط في مسارها .
كتّاب سياسيون ومعلّقون عسكريون في اجهزة الإعلام الإسرائيلية كشفوا اسرار المبادرتين وما رافقهما من مناورات وملابسات ، لكنهم اخفقوا في الإجابة عن سؤالين اساسيين : مَن هي الجهة المسؤولة عن تفشيل ضم كتلة "المعسكر الصهيوني" الى حكومة نتنياهو ؟ وما الغاية الحقيقية التي توخاها نتنياهو من وراء محاولة نقل موشيه يعلون من وزارة الدفاع الى وزارة الخارجية ما حَمَله على الرفض والاستقالة من الحكومة والكنيست وإعتزال السياسة، ومن ثم تعيين القيادي اليميني العنصري المتطرف افيغدور ليبرمان مكانه وزيراً للدفاع بل، بالأحرى ، للحرب ؟
بحسب المراسل السياسي لصحيفة "هآرتس" الليبرالية باراك رابيد ، ثمة جهات دولية عدّة على رأسها رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير عملت في الكواليس لإقناع السيسي بإطلاق "مبادرته " وذلك من ضمن خطة لتهيئة الارضية اللازمة لضم اسحق هيرتسوغ، زعيم "المعسكر الصهيوني" ، لحكومة نتنياهو بغية تشجيع احزاب اسرائيل للتوصل الى اتفاق متكامل حول الحاجة للتقدم نحو السلام مع الفلسطينيين . بلير نسّق خطواته بهذا الشأن مع وزير الخارجية الاميركي جون كيري الذي درس أمر تأجيل صدور بيان "الرباعية الدولية" المتوقع ان يحمل انتقادات شديدة لإسرائيل . وبعد زيارته الاخيرة للقاهرة ، ذهب بلير الى اسرائيل وإلتقى نتنياهو وهيرتسوغ ، ونَشَط حتى داخل حزب العمل (احد اطراف "المعسكر الصهيوني") لتأمين التأييد اللازم لضمّ هيرتسوغ الى حكومة نتنياهو . وحتى ظهر يوم الثلاثاء الماضي ، كانت خطة بلير تسير بنجاح اذ ألقى الرئيس المصري خطابه واطلق مبادرته المتفق عليها ، وسارع هيرتسوغ ونتنياهو الى مباركتها. لكن ذلك كله فشل بغتةً ، لماذا ؟
يقول المعلّق العسكري لصحيفة "يديعوت احرونوت " أليكس فيشمان إن "الإتفاق بين رئاسة ديوان الحكومة الإسرائيلية ومقر الرئاسة المصرية تضمّن مبادرةً للرئيس المصري محورها التوجّه علناً لإستئناف المفاوضات ، على ان يسحب نتنياهو اعتراضه على المؤتمر الاقليمي لإستئناف المفاوضات ، وبعدها يبدأ الطرفان بتنسيق المؤتمر (...) وقد سارت الخطة كالساعة السويسرية اذ نشر نتنياهو وابو مازن بيانات تأييد ، كما هو مخطط . وعندها جاءت لدغة نتنياهو"...
ما لغز فشل خطة بلير ؟
ثمة تفسيرات متعددة . هيرتسوغ قال إن المفاوضات فشلت لأن نتنياهو رفض ان يوثق خطياً اسس التفاهم بينهما حول المستوطنات والمفاوضات مع الفلسطينيين . اوساط نتنياهو قالت إن رئيس الحكومة الإسرائيلية فهم ان هيرتسوغ عاجز عن تمرير الخطة في"المعكسر الصهوني". اتضح لاحقاً ان الاثنين على صواب . فصحيفة "هآرتس" (2016/5/19) حمّلت نتنياهو مسؤولية الفشل لأنه "يرفض بإستمرار تقديم مواقف تفصيلية بشأن القضايا الجوهرية للتسوية السياسية : الحدود والمستوطنات ، الترتيبات الأمنية ، القدس واللاجئون". لكن صحيفة "معاريف" (2016/5/19) نسبت الى هيرتسوغ اتهامه سلفه في زعامة حزب العمل وعضو كتلة "المعسكر الصهيوني" شيلي يحيموفيتش بأنها قامت بحملة شعواء أبعدته عن الإنضمام للحكومة ما ادّى الى ضمّ ليبرمان اليها.
حتى لو لم ينضم ليبرمان الى الحكومة او انضم اليها سواه ، فإن ثمة قراءة اخرى لفشل صفقة نتنياهو–هيرتسوغ جوهرها ان مساعي بلير ومبادرة السيسي وضم "المعسكر الصهيوني" الى حكومة نتنياهو كمدخل لإستئناف المفاوضات... جميع هذه التحركات والمواقف التي تظاهر نتنياهو بالموافقة عليها إن هي إلاّ مناورات مدروسة ومنفّذة بعناية ، وأن الغاية الاساسية من ورائها إطلاق قنابل دخانية لتغطية مخططه الاساسي الرامي الى إحتواء "المبادرة السلمية" للرئيس الفرنسي فرنسوا هولند والقيام بعد ذلك بإستغلال ما يسمّى "الوقت الضائع" ، اي فترة انتقال السلطة من الرئيس باراك اوباما الى خلفه الرئيس المنتخب في 8 تشرين الثاني/نوفمبر القادم ، وهي فترة يتعذّر خلالها ، غالباً ، على الرئيس المنتهية ولايته اتخاذ قرارات حاسمة لئلا يؤذي بها حظوظ حزبه الإنتخابية . في المقابل، تتيح الفترة الانتقالية لنتنياهو وليبرمان إتخاذ قرارات سياسية واستراتيجية تتعلق بأحد أمرين:
الاول ، التدخل في الحرب الدائرة في سوريا وعليها بقصد إضعاف الجيش السوري تمهيداً لمحاولة إسقاط الرئيس بشار الاسد وتأجيج العمليات العسكرية والمساعي السياسية الهادفة الى تقسيم سوريا .
الثاني ، ضمّ الضفة الغربية في فلسطين الى اسرائيل مع إعطائها حكماً ذاتياً داخل الدولة اليهودية .
مخطط نتنياهو العدواني تلقّى في الآونة الاخيرة دعماً وتحريضاً من رئيس معهد ابحاث الامن القومي الجنرال عاموس يادلين ، الرئيس السابق لشعبة الإستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي ، الذي دعا اخيراً في مقال نشرته صحيفة "يديعوت احرونوت" تحت عنوان "يجب ان يرحل الاسد" الى وضع استراتيجية عمل "متعددة الطبقات" ضمن تحالف اقليمي مع السعودية وتركيا والاردن ومصر ، بالإضافة الى شراكة مع الولايات المتحدة وبتفاهم سري مع روسيا وبالإستناد الى ما يعتبره تطوراً بازغاً وهو ان "االدول السنيّة في الشرق الاوسط تجمعها بإسرائيل مصالح متداخلة في مواجهة المحور الراديكالي" .
تردَد ايضاً انه اذا ما تهيّب نتنياهو الإقدام على ما يدعوه اليه يادلين ، كما غلاة زعماء اليمين والمستوطنين ، فالأرجح انه لن يفوّت فرصة "الوقت الضائع" من اجل ان يضمّ ، في الأقل ، الكتل الإستيطانية الكبرى في الضفة الغربية الى اسرائيل كما فعل في الجولان بعد حرب1967.
لا سوريا ولا المقاومتان الفلسطينية واللبنانية ولا حلفاؤهم الإقليميون يمكنهم السكوت عن فعلتيّ نتنياهو المرتقبتين ، فهل يواجهونه بتدبير استثنائي استباقي؟