حرب بلا حدود بدأت ولن تنتهي د. عصام نعمان
حرب بلا حدود بدأت ولن تنتهي
د. عصام نعمان
في كل الحروب كان تاريخ بدئها معروفاً وتاريخ إنتهائها مجهولاً . مع ذلك لم يُقدِم ايٌّ من اطرافها على القول ، شأن باراك اوباما في رسالته الى الكونغرس، بأنها حرب مجهولة المدة . لماذا قال الرئيس الاميركي ما قاله ؟ لأن حربه وحلفاءه على الإرهاب ، وفق توصيفه الخاص له ، مفتوحة . فالإرهاب حال دائمة، وبإمكان اميركا وصف اعدائها وفق إجتهادها بالإرهابيين دونما حرج ، وبشن الحرب عليهم الى آخر الزمان ، او بالاحرى الى آخر زمانها.
هي حرب بلا حدود ، متواصلة ، غير مسبوقة ، ومترعة بمفاجآت واحتمالات شتى . ولأنها كذلك ليس من الحصافة التسرع في اطلاق تكهنات حول ما يمكن ان تتطور او تنتهي اليه . يكفي ، اذاً ، بعد اندلاعها بيان بعض الملاحظات المستمدة من الواقع وطرح بعض الاسئلة على النحو الآتي:
اولاً ، تشارك السعودية ، ابرز الحلفاء الاقليميين ، اميركا توصيفها للحرب وطبيعتها ومداها . يقول وزير خارجيتها سعود الفيصل في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب في نيويورك "إن الحرب على الإرهاب يجب ان تكون شاملة (...) وتتطلب عملاً جاداً ومستمراً قد يطول الى سنوات".
ثانياً ، واشنطن ابلغت دمشق ديبلوماسياً بالغارات المزمع شنّها ولم تستأذنها. ولأنها لا تستند الى قرار من مجلس الامن ، فقد اضطرت مندوبتها لدى الامم المتحدة سامنتا باور الى تبريرها بإسنادها الى البند 51 من ميثاق الامم المتحدة الذي يجيز للدول الاعضاء الحق ، افرادياً او جماعياً ، بالدفاع عن النفس ضد هجوم مسلح . تنظيم "داعش" الإرهابي لم يشن هجوماً مسلحاً على اراضي اميركا او سفاراتها او قواعدها بل هدد مصالحها في اربيل. تهديد المصالح هو ، اذاً ، سبب كافٍ ، في عُرف واشنطن ، لتبرير الحرب دفاعاً عن النفس بدليل ان اوباما قال في لقائه مع وزراء خارجية الدول العربية المشاركة في الحرب المفتوحة إنه سيواصل ادارتها " لحماية المواطنين الاميركيين ومصالحنا".
ثالثاً ، خلافاً لرأي " المعارضة السورية المعتدلة" التي تعتبر جبهة النصرة احدى اطرافها وانها ليست ارهابية ، فقد قامت اميركا بتخصيص جبهة النصرة ببضع صواريخ "توماهوك" دمرت مخازن ذخيرتها الضخمة في كفردريان الواقعة في منطقة بين غرب ريف محافظة حلب وشمال ريف محافظة ادلب . التعرّض لـِ "النصرة" قد يكون مقدمة لضرب سائر تفرعات "القاعدة" في سوريا والعراق سواء كانت متعاونة مع "داعش" او معادية له الامر الذي يفيد حكومتي بغداد ودمشق من دون قصد .
رابعاً ، يبدو واضحاً ان غارات الموجة الاولى استهدفت مواقع ومخازن ومخيمات لـِ "داعش" والنصرة" بعيدة نسبياً عن مواقع تواجد الجيش السوري وذلك بقصد الحؤول دون اغتنامه الفرصة للسيطرة على المواقع المقصوفة والمدمرة وتعزيز مواجهته لما تبقّى من التنظيمات المؤيدة لـِ "المعارضة المعتدلة".
خامساً ، لوحظ ان الغارات استهدفت "وحدات حماية الشعب الكردي" في منطقة رأس العين المؤيدة ضمناً لحكومة دمشق والمعادية لكل من "داعش" وحكومة اردوغان التي يبدو انها تدعم "داعش" . فهل عداء واشنطن لدمشق اغلب عندها على التحالف مع انقرة ؟
سادساً ، تزامنت الغارات على مواقع "داعش" و"النصرة" في شرق سوريا وشمالها الغربي مع قيام "اسرائيل" بإسقاط طائرة حربية سورية كانت متجهة ، بحسب ناطق اسرائيلي ، الى قصف مواقع "النصرة" في الجيب الحدودي بالجولان المحتل. فهل عداء واشنطن لـِ "النصرة" المتعاونة ميدانياً مع "اسرائيل" اغلب عندها على شراكتها العضوية مع تل ابيب ؟
سابعاً ، لا يقدّم ضرب مواقع "داعش" و"النصرة" وتوابعهما اي مزايا استراتيجية لـِ "المعارضة السورية المعتدلة" اذ لم يبقَ لها في مسارح القتال قوات موالية ذات فعالية. فماذا ستفعل الولايات المتحدة للحؤول دون قيام الجيش السوري بملء الفراغ الذي سينتج عن تدمير مواقع "داعش" و"النصرة" ومخازنهما في شرق سوريا وشمالها الغربي؟
ثامناً ، كانت تسربت معلومات بأن تدريب خمسة الآف مقاتل لـِ "المعارضة السورية " في السعودية يتطلّب نحو ستة اشهر. فمن تراه يملأ الفراغ خلال هذه الفترة في المناطق والمواقع التي يُضطر "داعش" و"النصرة" الى اخلائها ؟ وهل تكفي اصلاً قوة تعدادها خمسة الآف مقاتل لملء الفراغ في المناطق التي يخليها "داعش" و"النصرة" ؟
تاسعاً ، من المحتمل ان يقوم الجيش السوري بالسيطرة على المواقع والمناطق التي يخليها "داعش" و"النصرة" نتيجةَ القصف الاميركي ولا سيما تلك التي يسهُل إمدادها لوجستياً . فكيف سترد الولايات المتحدة ؟ هل تقصف مواقع الجيش السوري ووحداته ؟ هل تقوم بإنزال قوة برية اميركية على الارض لردع الجيش السوري ام تراها تُقنع حلفاءها الإقليميين بتوليف قوة برية مشتركة لتأخذ على عاتقها هذه المهمة الصعبة ؟
عاشراً ، سواء تطورت الحرب المفتوحة على الإرهاب في العراق وسوريا الى توسيع مسارح العمليات ، او الى إنزال قوات برية اميركية وعربية لتوسيعها وتفعيلها ، او الى قيام اميركا بضرب مواقع الجيش السوري ومخازنه ، فماذا تراها تكون ردة فعل كلٍ من روسيا وايران ؟ هل تكتفيان بمواقف سياسية وديبلوماسية ام تبادران الى إجراء تحركات ذات طابع عسكري؟
الى ذلك كله ، ماذا ستكون ردة فعل "اسرائيل" وبالتالي ردة فعل قوى المقاومة العربية في لبنان وفلسطين؟ هل تنخرط "اسرائيل" في الحرب على الإرهاب في محاولة للمشاركة في المخطط الأطلسي الرامي الى إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية لدول المشرق العربي ؟ واذا ما انخرطت "اسرائيل" في الحرب ، هل يعقل ان تبقى قوى المقاومة العربية مكتوفة الايدي ام تغتنم ، بدعمِ من حلفائها الاقليميين ، الفرصةَ المتاحة لتصفية حسابٍ مزمن مع "اسرائيل" يعود بتاريخه الى العام 1948 ؟
إنها اسئلة لافتة مبنية على معطيات واحتمالات ، وهي تنتظر اجوبة حاسمة.