ايّ نظام للمشرق يريده اوباما ؟ د. عصام نعمان
ايّ نظام للمشرق يريده اوباما ؟
د. عصام نعمان
باراك اوباما معنيٌّ ، بحسب خطته المعلنة ، بمواجهة "داعش" بالدرجة الاولى وبسوريا استطراداً . المواجهة ستكون سياسية وعسكرية وثقافية. لذلك ستكون طويلة الامد ، أقلّه ثلاث سنوات.
التركيز سيكون معظمه على الصعيد العسكري. فـ "داعش" يسيطر تقريباً على ثلث مساحة العراق ، ويطمح للسيطرة على مساحة مماثلة في سوريا. عدم إكتفائه بما في حوزته حالياً من اراضٍ في محافظة الرقة وارياف حلب ودير الزور ، يعني ان الولايات المتحدة وحلفاءها سيجدون ان لا مناص من التعامل معه في سائر بلاد الشام . كيف ؟
المرجّح ان يلجأ الاميركيون في مواجهته الى طريقتين : الاولى ، محاولة تبادل معلومات استخبارية مع دمشق مباشرةً او مداورةً . بغداد قد تلعب دوراً على هذا الصعيد . الثانية ، شنّ غارات جوية على المواقع والتجمعات التي تشكّل خطراً داعشياً على العراق حيث يتركز الجهد العسكري الاميركي الرئيس. اياً ما كانت الطريقة المتبعة، فإن الغاية المتوخاة لن تكون سحق "داعش" بل احتواؤه.
الى ذلك ، لـِ "داعش" في خطة اوباما دور في إنهاك الجيش السوري. اذا احجم عن النهوض بهذه المهمة فسيجد ان سائر فصائل المعارضة السورية "المعتدلة" الجاري احياؤها وتدريبها وتسليحها ، ستكون مسرورة لأيلائها مهمة مزدوجة : إنهاك "داعش" والجيش السوري معاً .
لا تفصيل في خطة اوباما المعلنة حول ما يعتزم وحلفاؤه عمله على الصعيدين السياسي والثقافي . ثمة خطوط عريضة بلا شك ، لكن يلزمها الكثير من التعميق والتركيز بالتعاون مع سائر الدول الاعضاء المشاركة في "التحالف الدولي" ومع الدول العربية والإسلامية المواكبة له.
عدم اكتمال الأبعاد السياسية والثقافية في خطة اوباما يطرح للتوّ سؤالاً استشرافياً : ايّ نظام سياسي و"ايديولوجي" للمشرق يريده اوباما ؟
ثمة معطيات متنوعة في طبيعتها وتركيبتها وتأثيراتها لا يستطيع اوباما ومساعدوه تجاهلها . انها من موروثات النظام العثماني التي ما زالت حية في ازياء النظم السياسية التي خاطها الغرب الاوروبي الإستعماري للاقطار العربية بعدما انتهت ادارتها اليه عقب انهيار السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الاولى 1914-1918.
على الصعيد السياسي ، كانت السلطنة تعتمد شكلاً من اشكال النظام الفدرالي حيث الصلاحية المطلقة للباب العالي في اسطنبول بكل ما يتعلق بالشؤون الخارجية والدفاع والمالية العامة والتنظيم الاداري للدولة فيما سائر الشؤون تبقى من صلاحية الولاة المعيّنون من الباب العالي في شتى ولايات السلطنة. ما فعلته بريطانيا (وفق إتفاق سايكس – بيكو) انها دمجت ولايات البصرة وبغداد والموصل وجعلت منها دولة العراق . وحذت حذوها فرنسا فدمجت ولاية دمشق (في معظمها) وولاية حلب وقسماً من ولاية بيروت (ساحل اللاذقية وطرطوس) وجعلت منها جميعاً دولة سوريا ، ودمجت قسماً من ساحل ولاية بيروت (عكار والجنوب وسهل البقاع) بمتصرفية جبل لبنان وجعلت منها دولة لبنان الكبير. وسلخت بريطانيا فلسطين عن ولايتي دمشق وبيروت واقامت لها نظاماً خاصاً تحت انتدابها ، وسلخت شرق الاردن عن ولاية دمشق وجعلت منه امارة تحت لواء الامير عبد الله بن الحسين الهاشمي.
يتضح من تصريحات نائب الرئيس الاميركي جو بايدن ان الولايات المتحدة ترنو الى إعادة رصف محافظات العراق في نظام فدرالي . صحيح ان دستور العراق الحالي (الذي وضعته واشنطن) ينطوي على نظام فدرالي يقوم على اساس جغرافي (المحافظات) . إلاّ ان ما تصبو اليه واشنطن هو نظام فدرالي يقوم على اساس مذهبي واثني وذلك بتقسيم البلاد الى اقاليم تضم محافظات ذات لون مذهبي او لون اثني (قومي) غالب ، فيكون لمحافظات الشمال الكردية اقليم (كما هو واقع الحال اليوم ) ولمحافظات الغرب السنّية اقليم ، ولمحافظات الجنوب الشيعية اقليم ، على ان يقوم بين الاقاليم الثلاثة اتحاد فدرالي او كونفدرالي تكون صلاحيات السلطة الاتحادية او المركزية فيه ضعيفة.
ربما تخطط واشنطن لكل من سوريا ولبنان نظاماً فدرالياً او كونفدرالياً طائفياً او مذهبياً او اثنياً على غرار ما تريده للعراق ، لكن ما من شيء محسوس او معلن حتى الآن.
على الصعيد الثقافي ، ربما تفكر واشنطن بالعودة الى النظام الملّي العثماني الذي مكّن كل طائفة او جماعة دينية داخل السلطنة من أن تحافظ على مميزاتها وشؤونها الدينية والثقافية وتمارسها وفق الانظمة الخاصة بها. انه نظام للمحاصصة الطائفية بإمتياز اعتمدته سلطات الانتداب الفرنسي ، واحتفظت به دولة الإستقلال في لبنان ، وما زال ساري المفعول . وقد نقلته سلطات الإحتلال الاميركي الى العراق وطبقته ، كما في لبنان ، على اساس حصص محفوظة لكلٍ من الطوائف والاقليات المتواجدة فيه.
دولة الإستقلال في سوريا ، بمختلف عهودها ، نأت بنفسها عن نظام المحاصصة الطائفية . لكن تنظيم "داعش" حرص في حربه ضدها على استنفار اهل السنّة والجماعة وتعبئتهم وحشدهم واعتماد "امراءه" وموظفيه من بينهم الامر الذي تظنّ واشنطن انه يسهّل عليها اعتماد نظام المحاصصة الطائفية في سوريا بعد فراغها من احتواء "داعش" .
في ضوء هذه المعطيات والتحديات والإحتمالات تستبين الحاجة الى يقظة عامة في صفوف القوى الوطنية الحية في سوريا ولبنان والعراق والاردن من اجل مواجهة ما يعدّ لبلادها من مخططات تصبّ في مهاوي تقسيم المقسّم وتفتيت المفتت . ولعل منطلق المواجهة الافعل والاسلم هو في إعتناق الهوية الوطنية وإلتزام المقاومة القومية واعتمادهما اساساً لكل تنظيم سياسي يعتزم مواجهة هجمةِ الغرب الإستعماري العائد الى المشرق في ثياب "المنقذ" ، كما مواجهة هجمة التنظيمات التكفيرية الإرهابية المتنكرة بلبوس الإسلام السلفي ، هذا ناهيك عن مواجهة "اسرائيل" التي تلعب بالجميع وعلى الجميع بغية تجذير استعمارها الصهيوني الإقتلاعي في ارضنا.
غني عن البيان انه ، في مواجهتنا للتحديات ، يجب الحرص على الانتماء الى الذات ، والاعتماد على النفس ، والمحافظة على الهوية ، والنضال دفاعاً عن حقوقنا ومصالحنا وقيمنا العليا.