جريدة "البناء"
و"القدس العربي" تاريخ 11/8/2014
الحرب من غزة الى كل فلسطين المحتلة والمنطقة
د. عصام نعمان
تسرّع نتنياهو كثيراً في إعلان الإنتصار بحسب استطلاع للرأي نشر في صحيفة "هآرتس" فإن 51 في المئة من الإسرائيليين يعتقدون أن اياً من الطرفين المتحاربين لم ينتصر فقط ثلث الإسرائيليين يعتقدون ان جيشهم انتصر
صحيفة "يديعوت احرونوت" كشفت نتيجةً أسوأ : بحسب استطلاع للرأي قام به الخبير بالعلاقات العامة روني ريمون ، فإن 28 في المئة من الإسرائيليين اعتقدوا ان "حماس" انتصرت فيما اعتقد 21 في المئة فقط ان الجيش الإسرائيلي انتصر
هذه النتائج اللافتة اطّلعت عليها "حماس" و"الجهاد الإسلامي" وعززت قراراً لقيادة المقاومة متخذاً اصلاً بعدم الموافقة على تمديد وقف إطلاق النار ما لم توافق "اسرائيل" على مطالبها المثبتة في مذكرة الوفد الفلسطيني الموحد الى الجانب المصري في المفاوضات
الحقيقة ان لا اوهام لدى قيادة المقاومة حول استعداد حكومة نتنياهو لإستجابة مطالب الفلسطينيين ظروف "اسرائيل" الدقيقة لا توّفر لزعيم حزب "ليكود" وحلفائه الاكثر تطرفاً هامشاً مريحاً من حرية العمل والمناورة ولا يغيب عن قيادة المقاومة ايضاً ان ادارة اوباما موافقة ، إن لم تكن محرضة ، على سياسة نتنياهو العدوانية ، والكونغرس لا يتأخر عن مدّه بمبلغ 266 مليون دولار اضافي لتطوير "القبة الحديد" المضادة للصواريخ ، ودول اوروبا تجاري اميركا في اعتبار العدوان على غزة مجرد "دفاع عن النفس" تمارسة "اسرائيل" رداً على "حماس"
كل هذه الحقائق تضعها قيادة المقاومة في الحسبان ، لكن ثمة حقيقتين اساسيتين تبقيان مؤثرتين في صناعة قرارها هما ان التضحيات الهائلة ، في الإنسان والعمران ، التي بذلها شعب غزة لا تسمح بأي تسوية لا يسترد شعب فلسطين بموجبها حقوقه كاملة ، وأن لدى فصائل المقاومة من وحدة الهدف والقيادة، والتصميم على المواجهة والقتال ، والبنية العسكرية الصلبة ، والقدرات الغنية القادرة على الترميم والتجديد والبناء والنَفَس الطويل ما يمكّنها من متابعة الصراع مع العدو والوصول به ، عاجلاً او آجلاً ، الى خواتم طيبة
هكذا يتضح ان ثمة فجوة واسعة في تقدير الوضع الميداني والافق الجيوسياسي للصراع بين المقاومة و"اسرائيل" تجعل من المفاوضات في هذه الآونة امراً بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً الحرب مستمرة ، اذاً ، بوتائر متدرجة ومتسارعة
المقاومة كانت وضعت العدو امام "خيارين" في حال عدم استجابته مطالبها : الاول ، حرب صاروخية تشمل الارض المحتلة برمتها ، ولاسيما المرافق الحيوية كمطار بن غوريون ، ما يُلحق اشد الاضرار بإقتصاد العدو الثاني ، استدراج العدو الى حرب برية داخل القطاع حيث الكثافة السكانية وشبكة الانفاق وفرص الإيقاع والإشتباك والإنهاك الشديد
"اسرائيل" فضّلت "الخيار" الاول بدليل انها كانت البادئة بخرق وقف اطلاق النار بل المبادرة ايضاً الى وقف تشغيل مطار بن غوريون الكائن على مقربة من تل ابيب لتفادي خسائر شديدة متوقعة ومن المفترض ان يعني قيام المقاومة بإمطار "اسرائيل" بمزيد من الصواريخ وجود عدد كبير منها لديها ما يمكّنها من الإستمرار في الحرب مدة طويلة ، كما من المفترض ان يكون لديها طراز من الصواريخ الموجّهة يمكّنها من تدقيق التصويب والإصابة وإلحاق اضرار بالغة بالأهداف المضروبة وغني عن البيان ان النجاح في إكراه "اسرائيل" على التسليم بمطالب المقاومة كشرط لإستئناف المفاوضات معها يتوقف على مدى وفرة الصواريخ لديها ومدى فعاليتها التدميرية ونجاحها في شلّ الإقتصاد الإسرائيلي
غير ان استجابة "اسرائيل" للتحدي موضوع "الخيار" الاول للمقاومة لا يعني بالضرورة انها ، كما المقاومة ، لن تلجأ الى "الخيار" الثاني فقد ترتأي القيادة العليا السياسية والعسكرية في "اسرائيل" انه يمكن تحديد خسائر الحرب بإجتياح القطاع لتدمير شبكة انفاقه وكسر ارادة المقاومـة ثم ان المقاومـة قد تجد ان في مقدورها شن حرب غوار متنقلة وراء خطوط العدو او في مواجهته اذا ما حاول التوغل في القطاع لتدمير الانفاق ما يؤدي الى تأجيج حرب برية شديدة
كل الإحتمالات المار ذكرها ممكنة الحدوث ومؤثرة غير ان كلها او بعضها يتوقف على احتمالاتٍ وتحوّلات اخرى ممكنة الحدوث في المنطقة ذلك ان قياديين وخبراء إستراتيجيين عرباً مقتدرين يعتقدون ان ثمة مخططاً اميركياً يتناول المنطقة برمتها وان ما يحدث في بعض الساحات ومسارح العمليات يتوقف على او يؤثر في ما يحدث او يُعََدّ لحدوثه في بعضها الآخر ثمة اسئلة تُطرح في هذا المجال :
هل ما حدث في سوريا مقدمة لما حدث لاحقاً في العراق ؟ هل ما حدث في كلا البلدين له صلة غير مباشرة بالمفاوضات النووية الجارية بين مجموعة 5+1 وايران ؟ ما تداعيات التدخل العسكري الاميركي ضد "داعش" في العراق على الإرهاب والتكفيريين في سوريا ولبنان ؟ هل من مخطط لإعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقـة ، بمشرقها ومغربها ، في إطار الحرب التي يشنها "الإسلام الجهادي" بتلاوينه جميعاً ؟
ثمة سؤال اضافي : هل تكتفي الدول المستهدَفَة بالمخطط الاميركي او المتضررة منه بالرد موضعياً في مواقع الإستهداف ام تراها تردّ على نحوٍ اوسع وافعل ؟
لنأخذ المشهد الفلسطيني الراهن مثلاً إن المتضررين من حرب "اسرائيل" على الفلسطينيين عموماً وعلى المقاومة في غزة خصوصاً هم حلفاء المقاومة الفلسطينية في محور الممانعة والمقاومة (لبنان وسوريا والعراق وايران) كيف سيرد هؤلاء على الحرب بشعبتيها الاسرائيلية والداعشية التي تستهدفهم؟ هل يتركون المقاومة في غزة لقدرها ام يفتحون في وجهها جبهة اخرى او اكثر للجمها او حتى لتحجيمها ؟
قادة "اسرائيل" فاجأتهم المقاومة الفلسطينية بفعاليتها القتالية المتقدمة هم يتشاكون الان قائلين : اذا كانت صواريخ "حماس" و"الجهاد" بهذا العـدد والحجم والفعالية ، فكيف تكون صواريخ حزب الله الاكثر عدداً والاكبر حجماً والأطول مدى وبالتالي الاعظم فعالية ؟
هل تخاطر "اسرائيل" ، والحال هذه ، بحرب اجتياح مكلفة في قطاع غزة بدعوى انها تستأهل المخاطرة والثمن الفادح لتفادي وضع الكيان الصهيوني بين كفتي كماشة صاروخية بالغتي الخطورة في غزة ولبنان ؟
ام هل تراه يكون محور الممانعة والمقاومة هو من يفاجئ "اسرائيل" ؟