جريدة "البناء" 9/8/2014
نحو مواجهة "داعش" لبنانياً واقليمياً
د. عصام نعمان
ازمـات لبنان تزداد عنفاً وعمقاً آخـرها سيطـرة تنظيـم "الدولة الإسلامية – داعش" على بلدة عرسال الحدودية بين لبنان وسوريا الى سكانها الاربعين ألفاً ، ثمة نحو مئة الف نازح سوري يشاطرونهم البلدة وجوارها بين هؤلاء لا اقل من عشرة الآف مسلّح مدججين بأسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة
تتصدى لـِ "داعش" وغيره من التنظيمات التكفيرية ، وحداتٌ من الجيش اللبناني يربو تعدادها على لواء (نحو ثلاثة الآف ضابط وجندي) مزود دبابات وناقلات جند ومدفعية ثقيلة لكن لا سلاح جو فاعلاً لدى لبنان لدعم قواته البرية المتصدية
الى هذه الحقائق الأمنية، تُضاف حقائق خمس اخرى سياسية واجتماعية يقتضي وضعها في الحسبان:
اولاها ، إن ثلث سكان عرسال حاضنٌ للإرهابيين والتكفيريين او متعاون معهم وثلث ساخط وخائف وساكت على مضض وثلث اخير نزح عن البلدة تدريجاً منذ بداية الاحداث
ثانيتها، إن حزب الله ومقاتليه متواجد في بعض البلدات والقرى المجاورة لعرسال ، لكنه لا يشارك في عمليات الجيش اللبناني وإن لا يمانع في ذلك شريطةَ موافقة الحكومة مسبقاً على تعاون الجيش معه لمواجهة العدو المشترك
ثالثتها ، إن معظم اللبنانيين يؤيد الجيش اللبناني ويدعوه الى مواجهة الإرهابيين والتكفيريين دونما هوادة غير ان فريقاً من قوى 14 آذار المناهضة لسوريا يتهم حزب الله بأنه مسؤول عن مشكلة عرسال لمجرد انتقال وحدات من مقاتليه الى سوريا لمساندتها في وجه اعدائها التكفيريين ، ولا سيما في منطقة القلمون المحاذية لمحافظة البقاع على امتداد مسافة لا تقل عن 70 كيلومتراً وهذا الفريق داخل قوى 14 آذار لا يكفّ عن مطالبة حزب الله بالإنسحاب من سوريا
رابعتها ، ان الجيش اللبناني يفتقر الى العديد والعدّة والاسلحة اللازمة لمواجهة القوى الإرهابية والتكفيرية على مستوى البلاد كلها ، ولا يستطيع بقدراته المتاحة حالياً طرد "داعش" من عرسال وجوارها وازاء تفشيل كل المحاولات الرامية الى تسليح الجيش من خارج دول الغرب ، وافقت فرنسا اخيراً على تزويده اسلحةً "دفاعية" بقيمة 3 مليارات دولار اميركي تعهدت السعودية بتسديدها دعماً للبنان لكن هذه الصفقة الملتبسة لم تُنفذ بعد ما حمل سعد الحريري ، مدججاً بمليار دولار اضافي ، على استعجال إنهاء اغترابه الطويل عن البلاد بالعودة لترميم اوضاع فريقه السياسي المتضرر
خامستها ، ان قوى 14 آذار تدعم الجيش اللبناني ، لكنها تحاذر إدانة "داعش" بالإسم وترفض ، رغم مشاركتها في الحكومة ، التنسيق مع سوريا للإتفاق على خطة مشتركة لمواجهة الإرهابيين والتكفيريين ، والتعاون من اجل معالجة مشكلة النازحين السوريين واعادة توضيعهم في مخيمات خاصة بمناطق آمنة داخل سوريا
في ضوء هذه الحقائق الخمس الرئيسة ، يقتضي التفكير في ما يريده "داعش" وحلفاؤه على الصعيدين الاقليمي واللبناني كي يكون في وسع اهل القرار والقوى الوطنية الحية وضع الخطة المناسبة لمواجهته
يتردد في اوساط قياديين سياسيين واستراتجيين مطلعين ان لدى "داعش" وحلفائه مخططَين يسعى الى تنفيذيهما ، الاول اقليمي والآخر لبناني في المخطط الاقليمي ، يسعى "داعش" الى إستكمال إحتلال محافظات العراق الغربية ذات الطابع السنّي (نينوى وعاصمتها الموصل ، صلاح الدين ، والانبار) بغية السيطرة على حقول النفط والغاز الموجودة فيها ، والسيطرة تالياً على المحافظات السورية المحاذية لها في الشرق والشمال الشرقي ( الحسكة ، الرقة ، ودير الزور) ومن ثم الإنطلاق منها لإقتحام محافظة حمص على طول خط نقل البترول المعروف بإسم IPC الممتد اصلاً من كركوك في العراق الى طرابلس في لبنان بذلك يستحوذ "داعش" على حقول نفط وغاز عدة في شرق سوريا كما على الانبوب اللازم لنقل كامل منتوجها العراقي والسوري الى مصبٍ ومصفاة ناجزين على ساحل البحر المتوسط ويتردد ايضاً ان الغاية الإستراتيجية من وراء هذا المخطط مزدوجة : الإستحواذ على عائدات النفط والغاز لتمويل دولة "داعش" الممتدة رقعتها من حدود العراق وسوريا مع تركيا في الشمال الى الاردن والسعودية في الجنـوب ، وتحويلها الى جـدار سياسي – عسكري فاصل يمنع تأثير ايران من الوصول الى البحر المتوسط
في المخطط اللبناني ، يتحوّط "داعش" لإمكانية فشل مخططه الإقليمي فيسعى الى تعويض خسارته بإقامة جيب عسكري في منطقة عرسال يكون ملاذاً لايواء وحماية عناصره المهزومة والمطرودة من جميع المناطق المضطربة المحيطة بدمشق وغوطتيها من جهة ، ومنطلقاً لمناوشة حزب الله في لبنان في إطار مشروع الفتنة السنّية – الشيعية من جهة اخرى الى ذلك ، من الممكن ان يذعن "داعش" لاوامر حلفائه الإقليميين فيتجاوب مع مساعي هيئة العلماء المسلمين في طرابلس للإفراج المشروط عن العسكريين اللبنانيين المحتجزين لديه ، وإخراج اسلحته الثقيلة من عرسال ، ونشر قواته في المنطقة الجردية المحاذية لها داخل سوريا كل ذلك مقابل ترك البلدة في عهدة المتعاونين معه وفق أحكام "هدنة واقعية" تناسب مصالح قوى 14 آذار من حيث حؤولها دون تمكين حزب الله من مشاركة الجيش في انجاز انتصار عسكري وترجمته داخلياً الى مكاسب سياسية
في المقابل ، ترفض قوى 8 آذار المؤيدة للجيش ولحزب الله في وجه "داعش" العودة بعرسال الى ما كانت عليه قبل هجمة "داعش" الاخيرة ذلك ان بقاء القوى التكفيرية في عرسال من جهة وعلى كتف دمشق الغربي من جهة اخرى سيبقي المشكلة عالقة بكل مفاعيلها السياسية والامنية
ما العمل ، اذاً ؟
في ضوء الحقائق الموضوعية سالفة الذكر والإحتمالات التي يمكن ان تتحقق على الارض من خلال المخططَين الاقليمي واللبناني ، أرى اعتماد مقاربة مدروسة في مواجهة التحديات والأخطار الماثلة تقوم على المرتكزات الآتية :
اولاً : التوافق الوطني العام بين الاطراف السياسية المشاركة في الحكومة والقوى الوطنية الناشطة في الحياة العامة على التعجيل في اعتماد استراتيجية متكاملة للدفاع الوطني ، والمسارعة الى تسليح الجيش اللبناني من كل المصادر المتاحة بلا تردد ومن دون مراعاةٍ لحساسيات دول الغرب الاطلسي المتحالفة مع "اسرائيل"
ثانياً : ضرب طوق عسكري محكم على منطقة عرسال ومحيطها لمنع وصول امداد لوجستي لتنظيم "داعش" ، والإعداد والإستعداد لرد اعتداءاته بالقوة والكفاءة اللازمتين ، وبالتعاون مع قوى المقاومة اذا ما اقتضى الامر ، والتفاهم مع دمشق على توضيع النازحين السوريين في مخيمات خاصة داخل مناطق سورية آمنة
ثالثاً: شنُّ هجوم شامل على قوات التنظيمات التكفيرية لطردها من الاراضي اللبنانية المحتلة وذلك فور استكمال الجيش اللبناني عديده وعدته واسلحته اللازمة لهذه المهمة الوطنية الإستراتيجية
رابعاً : دعوة القوى الوطنية الحية العابرة للطوائف لإقامة ائتلاف وطني عريض للتحرير والاصلاح والديمقراطية والتنمية يكون مولّداً لقيادات وطنية متقدمة ولثقافة وطنية جامعة ولمقاربة اصلاحية شاملة
خامساً : تفاعل الإئتلاف الوطني الجامع مع القوى الوطنية والقومية المماثلة في بلدان المشرق العربي من اجل استيلاد صيغة اتحادية متقدمة للنهضة والمقاومة والديمقراطية والتنمية
هل ثمة مقاربة افضل وأفعل ؟