جريدة" البناء" والقدس العربي
تاريخ 4/8/2014
كفة المقاومة راجحة في ميزان الخسائر والارباح
د. عصام نعمان
وافقت فصائل المقاومة الفلسطينية على هدنة إنسانية غير مشروطة لمدة 72 ساعة كانت دعت اليها الامم المتحدة المقاومة وافقت على الهدنة لأنها غير مشروطة ولأن مرجعيتها الامم المتحدة لا إلتزام ، اذاً ، من المقاومة تجاه "اسرائيل" بوقفٍ مشروط لإطلاق النار ، ولا تنازل عن ايٍّ من مطالبها وفي مقدمها رفع الحصار لذا ، المقاومة مستمرة بالمواجهة رداً على اي فعل عدواني اسرائيلي
حكومة بنيامين نتنياهو وافقت ، ظاهراً ، على الهدنة الإنسانية بدافعين: محاولة لجم السخط العالمي المتزايد عليها نتيجةَ مجازرها الهمجيـة في قطاع غزة ، والتركيز على منطقة رفح كمحور جهد عسكري لتحقيق هدفها المعلن بإنهاء شبكة الأنفاق
حكومة مصر امتعضت لصدور الهدنة الإنسانية عن الامم المتحدة عبّرت عن امتعاضها بالإعتذار عن إستقبال الوفود الفلسطينية والإسرائيلية والاميركية التي كانت في طريقها الى القاهرة لمباشرة مفاوضاتٍ حول مرحلة ما بعد وقف اطلاق النار قيل إن سببين وقفا وراء امتعاض القاهرة : الاول ، تمسّكها بمبادرتها ورفضها اي مبادرة اخرى سواء من الامم المتحدة او من تركيا وقطر الثاني ، مراعاة "اسرائيل" التـي احتجت لديها على قيام المقاومة بأسر احد ضباطها حياً في منطقـة كرم ابو سالم
كِلا السببين اقبح من ذنب فالمبادرة المصرية ليست قرآناً منزلاً يستحيل تعديله او تأجيل "اعتناق" مُثُله العليا ، وأسر ضابط اسرائيلي ليس كارثة إنسانية يقتضي مواجهة تداعياتها قبل التوقف عن اراقة دماء الفلسطينيين وهدم منازلهم على رؤوسهم ثم ، ألا تدري القاهرة ان إعاقة وقف اطلاق النار تعني الترخيص السافر لـِ "اسرائيل" بمتابعة ارتكاب المجازر والتدمير والتشريد وقصف المشافي ومدارس الاونروا وغيرها من مآوي المدنيين الابرياء ؟
الاغرب من موقف مصر مسارعة الولايات المتحدة الى مطالبة المقاومة بالإفراج عن ضابطٍ اسير لم تتبنَ كتائب القسام اصلاً عملية أسره ، وكأنه كان ضحية عملية اختطاف عادية مقابل فدية مالية !
من الواضح ان نظام السيسي ، بالجهل او التجاهل او التواطوء ، بات بسلوكيته المشبوهة جزءاً من مخطط غربي – عربي يرمي الى تجريد المقاومة الفلسطينية ، كما قوى المقاومة العربية ، من السلاح حمايةً لأمن "اسرائيل" ولمصالح الدول الأطلسية في المشرق العربي
من الواضح ايضاً ان "اسرائيل" فشلت في تحقيق هدفها المعلن وهو إنهاء شبكة الأنفاق التي تغطي قطاع غزة وتمتدّ منه الى داخل الأراضي المحتلة في النقب الامر الذي يهدد المستعمرات الصهيونية الكائنة في غلاف القطاع من الشمال الى الشرق صحيح ان الجيش الإسرائيلي زعم انه تمكّن من "معالجة " بعض تلك الانفاق الكائنة على الخط الاخضر ، لكن "المعالجة" تناولت ، على ما يبدو ، الأجزاء الحدودية من الأنفاق وليس امتداداتها داخل القطاع ذلك أن توغّل القوات والمدرعات الإسرائيلية في الداخل يقرّبها من مناطق الكثافة السكانية الفلسطينية ويجعلها تالياً في مرمى مدفعية المقاومة وصواريخها الفتاكة
لتفادي مزيد من الخسائر البشرية والمادية ، لجأت "اسرائيل" الى "عقيدة الضاحية" التي تقضي بتدمير العدو ، بشراً وشجراً وحجراً ، وتحويله الى ارض محروقة بغية جعل قيامته مستحيلة او صعبة ، وفي مطلق الاحوال تتطلب زمناً مديداً غير ان المقاومة ظلّت صامدة ، صلبة وذات نَفَس طويل
الى ذلك ، ليس في الافق ما يشير الى ان قيادة المقاومة في غزة بصدد الموافقة على تهدئة لا تكون مقرونة بتحقيق مكاسب محسوسة بعد الثمن البشري والمادي الباهظ الذي دفعه الشعب الفلسطيني في القطاع مع ذلك ، ورغم موافقتها على هدنة انسانية غير مشروطة (قد تكون مقدمة لتهدئة او لهدنة طويلة ) فإن المقاومة تبقى ، في حال وقفٍ غير مشروط لإطلاف النار ، الطرف الرابح عند التدقيق في ميزان الخسائر والارباح على النحو الآتي:
اولاً ، إحتفظت بقيادتها العسكرية والسياسية الموجودة في القطاع سليمة وفاعلة
ثانياً ، احتفظت ببنيتها العسكرية ، ولاسيما تلك الكائنة تحت الارض من أنفاق وتجهيزات ومصانع تجميع وتصنيع وترميم للأسلحة والصواريخ ، سليمة وعاملة
ثالثاً ، اكتسبت خبرة قتالية ثمينة في وجه العدو الإسرائيلي من خلال استخدام اسلحة ومناهج قتالية نوعية مكّنتها من نقل الحرب الى عمقه وعلى مدى فلسطين المحتلة كلها ،
كما مكّنتها من كشف ثغرات خططه العسكرية وتفشيل اسلحته المتقدمة ولا سيما "القبة الحديد" ، وشلّ مرافقه الحيوية وارعاب سكان مستعمراته اياماً واسابيع
رابعاً ، حرّكت الشعب الفلسطيني في الضفة والاراضي المحتلة العام 1948 والاردن والشتات ، وحققت وحدته الوطنية على الارض وفي وجه العدو ، واطلقت تعبئة شعبية لافتة أسهمت بدورها في تعزيز تقارب الاوساط القيادية الفلسطينية ، وتطوير مواقف قيادتي السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية في الحاضر والمستقبل لمصلحة المقاومة
خامساً ، أعادت قضية فلسطين الى صدارة القضايا الاقليمية والدولية الامر الذي يرشحها للإرتقاء الى مستويات عالية من الاهتمام الاقليمي والدولي وربما الى إسقاط اتفاق اوسلو وملاحقه ، والى توفير مصادر التمويل اللازم لإعادة الإعمار الإقتصادي و الإجتماعي
الى اين من هنا ؟
"اسرائيل" تبدو مرتبكة بعض قادتها يميل الى توسيع دائرة العدوان لفصل جنوب القطاع عن وسطه وشماله بعضهم الآخر ينصح بالمزيد من الضغط العسكري املاً بحمل المقاومة على الرضوخ
في المقابل ، تبدو المقاومة مصممة على المواجهة ، في حين تبقى الهدنة متعثرة بألاعيب اللاعبين الكبار ومصالحهم من جهة ، ومحكومة من جهة اخرى بتصميم المقاومة ، شعباً وفصائل ، على الصمود والمواجهة لضمان دحر العدو