جريدة "الخليج"
تاريخ 2/8/2014
القرار في غزة للمقاومة وحدها
د عصام نعمان
اوحى ياسر عبد ربه ، امين سر منظمة التحرير، بتصريحاته الملتبسة ان القيادة الفلسطينية بجميع أطرافها وأطيافها وافقت اخيراً على هدنة مديدة ، وان وفداً فلسطينياً يمثل جميع الفصائل ، بما فيها حركتا "حماس" و"الجهاد الإسلامي" ، في طريقه الى القاهرة ، وان الجميع وافقوا على المبادرة المصرية
الناطق بإسم "حماس" سامي ابو زهري نفى ما اوحى به عبد ربه قال : "أن نعلن تهدئة من طرف واحد بينما يقتل الإحتلال اطفالنا خلالها ، فهذا لن يكون إن المقاومة هي التي تعبّر عن مواقفها وليس عبد ربه" اوساط محمود عباس في رام الله والقاهرة تجاهلت نفي ابو زهري وتحدثت مجدداً عن "انه تمّ التوافق مع رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل والامين العام لحركة "الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله مشلح على تهدئة لمدة 24 ساعة ، قابلة للتمديد ثلاثة ايام اخرى"
ازاء هذه البلبلة ، اضطر القائد العام لكتائب القسّام ابو خالد محمد ضيف ، في خطوة نادرة ، الى اصدار بيان صارم رفض فيه التهدئة مع استمرار العدوان على قطاع غزة ، مؤكداًَ استمرار المقاومة حتى رفع الحصار وتوفير الامان للشعب في القطاع ، وان المقاومة لن تقبل بالحلول الوسط على حساب حرية شعبها وكرامته
بيان قائد كتائب القسام كشف وجود تباين في الرؤية والرأي بين قيادة المقاومة في غزة والقيادة السياسية في الخارج لعله كشف ، بل اكّد ، ان القرار في غزة هو للمقاومة وحدها ، قرار المواجهة كما قرار التهدئة
في "اسرائيل" ، ثمة بلبلة من طراز آخر فالقيادة السياسية منقسمة ازاء ما يجب عمله بعد اكثر من ثلاثة اسابيع من العدوان لم تستطع حكومة نتنياهو خلالها تحقيق اهدافها فلا هي نجحت في قتل او اصابة ايِّ من قادة المقاومة الفلسطينية، ولا هي استطاعت تدمير شبكة الانفاق داخل القطاع او تلك الممتدة الى مستعمراتٍ على مقربة من غلافه ، ولا هي كسرت ارادة المقاومة لحملها على وقف القتال وفق شروط تل ابيب الى ذلك ، سرّبت قيادة الجيش الإسرائيلي خبراً ينطوي على إحراج ، إن لم يكن على انذار ، مفاده ان الجيش انجز مهمته وعلى القيادة السياسية ان تقرر ما اذا كان مطلوباً منه الآن توسيع هجومه الى داخل القطاع او الإنسحاب
التوغل داخل القطاع صعب جداً إن لم يكن مستحيلاً فالكلفة البشرية ستكون عالية جداً والنتائج المتوخاة محدودة للغاية لذلك قرر نتنياهو وفريقه اعتماد "الخطة ب" التي تتضمن ، على ما يبدو ، ثلاث خطوات :
- تركيز القصف البري والجوي والبحري على المدنيين الفلسطنيين في مختلف أمكنة تواجدهم ، وعلى المرافق الحيوية كمعامل توليد الكهرباء والمشافي والمدارس المكتظة بالاطفال والنساء وتدمير احياء برمتها على رؤوس سكانها بغية الضغط على قيادة المقاومة لحملها على إلتماس التهدئة بلا شروط
- الإيحاء لمصر بأنها على استعداد لقبول تعديلات على مبادرتها لجهة فتح المعابر كلها ، وتوسيع منطقة الصيد البحري ، وتسهيل مرور المواد اللازمة لإعادة البناء والإعمار ، وذلك في محاولة لإقناع مصر وغيرها من دول المنطقة بممارسة مزيد من الضغط على المقاومة للموافقة على وقف القتال
- السعي ، بالتعاون مع الولايات المتحدة ، على تشكيل آلية دولية عبر مجلس الامن مهمتها العمل على تجريد قطاع غزة من السلاح وذلك بمراقبة كل ما يدخل اليه من مواد كي لا يتم استخدامها في عمليات "ارهابية"
ليس في الافق ما يشير الى ان قيادة المقاومة في غزة بصدد الموافقة على تهدئة لا تكون مقرونة بتحقيق مكاسب محسوسة بعد الثمن البشري والمادي الباهظ الذي دفعه الشعب الفلسطيني في القطاع ومع ذلك ، وعلى افتراض ان المقاومة وافقت على وقف اطلاق النار من خلاله تهدئة او هدنة قصيرة او طويلة، فإنها ستكون الرابحة عند التدقيق في ميزان الخسائر والارباح على النحو الآتي:
اولاً ، إحتفظت بقيادتها العسكرية والسياسية الموجودة في القطاع سليمة وفاعلة
ثانياً ، احتفظت ببنيتها العسكرية ، ولاسيما تلك الكائنة تحت الارض من أنفاق وتجهيزات ومصانع تجميع وتصنيع وترميم للأسلحة والصواريخ ، سليمة وعاملة
ثالثاً ، اكتسبت خبرة قتالية ثمينة في وجه العدو الإسرائيلي من خلال استخدام اسلحة ومناهج قتالية نوعية مكّنتها من نقل الحرب الى عمق العدو وعلى مدى فلسطين المحتلة كلها ، كما مكّنتها من كشف ثغرات خططه العسكرية وتفشيل اسلحته المتقدمة ولا سيما "القبة الحديد" ، وشلّ مرافقه الحيوية وارعاب سكان مستعمراته اياماً واسابيع
رابعاً ، حرّكت الشعب الفلسطيني في الضفة والاراضي المحتلة العام 1948 والشتات وحققت وحدته الوطنية على الارض وفي وجه العدو ، وانجزت تعبئة شعبية لافتة أسهمت بدورها في تعزيز تقارب الاوساط القيادية الفلسطينية ، وتطوير مواقف قيادتي السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية في الحاضر والمستقبل لمصلحة المقاومة
خامساً ، أعادت قضية فلسطين الى صدارة القضايا الاقليمية والدولية الامر الذي سينقلها الى مستويات اعلى من الاهتمام الاقليمي والدولي ومن النجاحات على الصعيدين السياسي الإقتصادي – الإجتماعي ، وربما الى إسقاط اتفاق اوسلو وملاحقه
الحرب على قطاع غزة ما زالت ناشطة ، ولعلها ستتواصل بشكل او بآخر قبل ان يقرر العدو الإسرائيلي وقفها تحت وطأة ثلاثة عوامل : استمرار المقاومة في مواجهته ونجاحها في تهديد امن مستعمراته (ولا سيما تلك المحيطة بالقطاع من الشمال والشرق) وإلحاق الخسائر بها ؛ وتزايد سخط الرأي العام العالمي عليه نتيجةَ المجازر التي يرتكبها بحق المدنيين عموماً والنساء والاطفال خصوصاً؛ وخشية اوساط قيادية في دول الغرب الكبرى من ان يؤدي تدمير قطاع غزة الى صعود تنظيم "داعش" كخيار بديل للفلسطينيين (وللعرب ) من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" الاكثر اعتدالاً
الخلاصة : المقاومة عادت الى صدارة الاحداث ومعها قضية فلسطين