جريدة الخليج
تاريخ 26/7/2014
ابو مازن ينصر شعبه بالكلام...متى العمل ؟
د عصام نعمان
اربعة تطورات لافتة حدثت اخيراً :
اولها ، صمودُ الفلسطينيين وتجاوزهم مجزرة الشجاعية المهولة ، ولا سيما بعد نجاحهم المبين في أسر جندي اسرائيلي
ثانيها ، نجاح الفلسطينيين في نقل الحرب الى عمق "اسرائيل" ما انعكس سلباً على إقتصادها بدليل إضطرار شركات الطيران الاميركية والاوروبية وغيرها الى تعليق رحلاتها الى تل أبيب
ثالثها ، خروج محمود عباس من دورانه غير المجدي في حلقة الوساطة المفرغة ومسارعته الى العودة لرام الله لنصرة شعبه الثائر في الضفة الغربية والاراضي المحتلة العام 1948 ، مؤكداً له ان "الهدف الرئيس لهذا العدوان الإسرائيلي هو تدمير قضيتنا وإجهاض المصالحة"
رابعها ، مبادرة مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة الى تأليف لجنة للتحقيق في إنتهاكات اسرائيل وجرائم الحرب خلال عدوانها على غزة
صمود اهل غزة اعجازي لم ينجح في تصليب ارادة الغزاويين فحسب بل ادى ايضاً الى تحريك إخوتهم في الضفة والناصرة وحيفا كما في الشتات الامر الذي حقّق وحدة فلسطينية حقيقية اضطر معها ابو مازن الى التعلّق بقطار المقاومة وانصارها قبل فوات الاوان
ليس ابو مازن وحده من استلحق نفسه بل الكثير ايضاً من اركان منظمة التحرير والسلطة ومساعدي الرئيس الفلسطيني المنتهية ولايته هؤلاء جميعاً احسوا بقوة التغيير الذي احدثته مقاومة غزة في المشاعر والمواقف والسلوكيات فبادروا الى ملاقاتها في منتصف الطريق لتبقى لهم حصة في قيادة العباد والبلاد في قابل الايام
غير ان انقلاب ابي مازن على نفسه ليس كاملاً يقتضي التدقيق في مضمون كلامه لابناء شعبه ، فقط اعلن بصراحة ان جهوده تهدف الى اعلان التهدئة "ومن ثم العمل على انهاء الحصار وفتح المعابر ووقف اشكال العدوان جميعاً "
التهدئة تسبق ، اذاً ، "العمل على إنهاء الحصار وفتح المعابر" أليس هذا جوهر المبادرة المصرية التي كان ابو مازن اول من ايدها ودعا تنظيمات المقاومة في غزة الى الموافقة عليها ؟
الفارق الاساس في موقفه المستجد انه كان قبل خطابه الاخير يحمّل "حماس" مسؤولية البدء بالحرب بينما اضحى الآن يحمّل "اسرائيل" مسؤوليتها بل يتهمها، بحق ، بأن الغاية من وراء عدوانها "تدمير قضيتنا واجهاض المصالحة"
متى ينتقل ابو مازن من الكلام الجميل الى الفعل المجدي ؟ متى يعلن الإنضمام الى معاهدة المحكمة الجنائية الدولية كي يتمكن الفلسطينيون من "ملاحقة كل مرتكبي الجرائم بحق شعبنا مهما طال الزمن" كما تعهد هو شخصياً في خطابه؟
متى يوعز الى قيادة "قوات الامن الوطني" ، اي شرطة السلطة ، بوقف التصدي لجماهير الشعب الثائرة في الضفة ضد "اسرائيل" ، والمتعاطفة مع المقاومة في غزة ؟
متى تنتقل منظمة التحرير الى صف الفصائل والقوى والناس المؤمنين بأن المقاومة ، لا المفاوضات اللامتناهية ، هي طريق التحرير وتحصيل الحقوق الوطنية ؟
بات واضحاً الآن بعد مرور نحو عشرين يوماً على عدوان "اسرائيل" على غزة وصمود اهلها الصابرين وفشل كل محاولات العدو إختراق خطوط المقاومة من شمال القطاع الى جنوبه ، ان حقيقة استراتيجية لافتة قد نشأت هي قيام ميزان ردعٍ بين الطرفين المتحاربين يحول دون نجاح ايٍّ منهما في تحقيق اختراق عسكري لمصلحته يمكّنه من ترجمته سياسياً الى انجازات من هنا تستبين حاجة الفلسطينيين عموماً الى تثوير إخوتهم في الضفة الغربية والاراضي المحتلة العام 1948 والشتات وتفجير تعبئة شعبية عارمة وإيجاد مناخ سياسي عاصف يرفض العودة الى سياسة "اسرائيل" الداعية الى وقف الحرب على اساس "تهدئة مقابل تهدئة" ، والإصرار على فتح ملفات قضية فلسطين من اساسها وصولاً الى تنفيذ قرارات الامم المتحدة ومجلس الامن الآيلة الى قيام دولة حرة مستقلة سيدة
لمحمود عباس، رئيساً لمنظمة التحرير ورئيساً للسلطة الفلسطينية ، دور كبير في تحقيق التعبئة الشعبية والسياسية اللازمة لنصرة قضية المقاومة في هذه الظروف العصيبة بغية الضغط على "اسرائيل" ومن يقف وراءها لوقف عدوانها المتمادي على الفلسطينيين ، شعباً وقضية ، وإكراهها على الرضوخ لقرارات الشرعية الدولية ، فهل يفعل ؟
إن ظاهرة توازن الردع بين الفلسطينيين و"اسرائيل" ، ونشؤ مناخ شعبي فلسطيني وعربي ضاغط على "اسرائيل" وحلفائها قد لا يتكرران ، فلا مناص ، اذاً، من اغتنامهما والحرص على استخلاص افضل النتائج السياسية منهما
الامة اعلى من السلطة ، والمقاومة افعل من السياسة ، والسياسة بما هي ادارة مصالح الناس وشؤونهم ارقى من النوازع الشخصية والمصالح الضيقة والعصبيات المذهبية الفارغة
هل يتغيّر العرب ؟ هل يتفوق اصحاب القرار على أنفسهم ؟