جريدة "القدس العربي"
والبناء، تاريخ 21/7/2014
إنتصار مقاومة غزة مشروط بتثوير الضفة
د عصام نعمان
مع تزايد عدد الوسطاء الساعين لوقف حرب "اسرائيل" على غزة يتزايد عدد الصواريخ التي يتبادلها الطرفان المتحاربان إلى مصر ، التي تعتبر نفسها أوْلى وأقدر من غيرها على ادارة وساطة ناجحة ، ثمة محاولات وساطة تركية وقطرية واميركية وفرنسية دول العرب الاخرى نأت بنفسها عن الإهتمام بهذه المهمة العويصة ، تاركةً الامر لمصر واميركا و محمود عباس
مصر معنية بالوساطة اكثر من غيرها فقطاع غزة الذي ادارته طويلاً (1948 لغاية 1967) يدخل تاريخياً في مداها الحيوي ومجالها الإستراتيجي ازدادت اهميته بعد إقصاء الاخوان المسلمين عن الحكم في القاهرة واتهامهم بدعم التنظيمات الإسلامية الإرهابية في سيناء ضد الجيش المصري بحق او بغير وجه حق ، اتهمت القاهرة عناصر اسلامية متطرفة على صلة بحركة "حماس" بدعم الإرهاب والإرهابيين في مصر "حماس" انكرت علاقتها وردّت على حملة إتهامها بتحميل مسؤوليتها الى اوساط مصرية ممالئة لـِ "اسرائيل"
بدأت مساعي الوساطة ، اذاً ، في غمرة جوٍّ من الإرتياب المتبادل بين القاهرة و"حماس" لدرجة ان الاولى لم تستشر الثانية بشأن بنود مبادرتها الاولى رغم تجاهلها ، لم ترفض "حماس" المبادرة إلاّ بعد ان رفضتها سائر تنظيمات المقاومة
الى ذلك ، ثمة مفارقة غريبة اكتنفت المبادرة فعندما اطلق نائب رئيس المكتب السياسي لـِ "حماس" موسى ابو مرزوق تغريدة مفادها ان احداً لم يتصل به خلال وجوده في القاهرة ، سارع المتحدث بإسم "حماس" في غزة سامي ابو زهري الى التصريح بأن الحركة غير ممثلة في المفاوضات الجارية ، وان ابا مرزوق قيادي مقيم في مصر ليس إلاّ
رافق هذا الموقف تسريب خبرٍ نُسِبَ الى مدير مخابرات "حماس" مفاده ان الحركة تفضل وساطة تركيا وقطر على غيرها ، وانها طلبت الى انقرة مباشرة مساعيها في هذا السبيل في السياق ذاته ، جرى الإعلان عن زيارة امير قطر الشيخ تميم بن حمد لتركيا لتنسيق الوساطة المرتجاة
السعودية تدعم وساطة مصر بقوة وتعارض اتجاه تركيا وقطر الى مزاحمتها فالرياض ناصرت المشير عبد الفتاح السيسي من البداية في صراعه مع الاخوان المسلمين ولن تسمح لمن تعتبرهما حاضنتين معلنتين للاخوان بأن تنتزعا من مصر دور الوساطة وعندما شجعت الولايات المتحدة تركيا وقطر ومحمود عباس على إقامة خط وساطة موازٍ للخط المصري ، رفضت القاهرة والرياض المحاولة الاميركية ما ادى الى سحبها غير ان ذلك لم يمنع عباس من زيارة انقرة واخذ العلم بحملة رجب طيب اردوغان على الرئيس السيسي ووصفه بالطاغية المتواطيء مع "اسرائيل" ضد "حماس" !
"حماس" لم ترفض ، بالتأكيد ، محاولة انقرة والدوحة الدخول على خط الوساطة لكنها لم تُظهر علناً اي مفاضلة بين الخطين المصري والتركي لعلها لا تمانع في قيام مزاحمة بين جميع الوسطاء المعلنين والمحتملين من اجل الحصول على افضل الشروط
ما كانت "حماس" لتبدي كل هذه الصلابة ضد "اسرائيل" وازاء الوسطاء الذين يتعاطون بمرونة مع حكومة نتنياهو لولا عاملان وازنان الاول ، وحدة فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة ونجاحها في بناء بنية عسكرية متقدمة فوق الارض وتحتها وبالتالي قدرتها على مواجهة "اسرائيل" لمدة طويلة الثاني ، امساك قيادة "كتائب القسام" ، لا المكتب السياسي، بجسم "حماس" واجهزتها وذلك بالتعاون مع قادتها الراديكاليين وفي مقدمهم محمود الزهار
هذه الصلابة والفعالية والصمود اربكت "اسرائيل" حكومةً وجيشاً وجمهوراً فقد ادركت انها غير قادرة فعلاً على ليّ ذراع المقاومة وحملها ، كما في عدوانيّ "الرصاص المسبوك" (2009) و"عمود السحاب" (2012) ، على القبول بـِ "تهدئة" تنطوي على ميزانِ ردعٍ في صالـح الكيان الصهيوني ليس أدل على محدودية قدرتها من تقدير الموقف الذي نقلته صحيفة "يديعوت احرونوت" (17/7/2014) عن مصدرٍ رفيع في قيادة الجيش الإسرائيلي مفاده "انه في ظل الاوضاع القائمة حالياَ لا يمكن تحقيق حسم في المواجهة العسكرية الدائرة بين "اسرائيل" وحركة "حماس" وباقي المنظمات في قطاع غزة"
اجل ، "اسرائيل" غير قادرة على حسم المواجهة لصالحها ، لكنها ستثابر على تصعيد الحرب ضد المقاومة براً وبحراً وجواً املاً في تقتيل وتهجير وتدمير اكبر عدد من الفلسطينيين ومنازلهم فالحرب تعني المزيد من الإستنزاف مع امكانية احتلال مساحات من اراضي القطاع محاذية للأراضي المحتلة في الشمال والشرق والجنوب على نحوٍ يمكّن "اسرائيل" ، عندما ينجح الوسطاء في إقرار وقفٍ لإطلاق النار ومباشرةٍ للمحادثات ، من التفاوض من مركز قوة ، او هكذا تظن
المقاومة تبدو مستعدة لمواجهة التصعيد العسكري الإسرائيلي وتعطيل مراميه الامنية والسياسية ، بل هي واثقة من قدرتها على ايذاء العدو ومنعه من تحقيق مقاصده لعل مصدر الثقة هذه قدراتٌ وامكانات تؤهلها لتفجير مفاجآت عسكرية غير مسبوقة في وجه العدو من شأنها تغيير قواعد اللعبة ومنعه من تحقيق مراميه ولعلها تنتظر ايضاً مواقف سياسية حاسمة من قيادات وازنة في الضفة الغربية تقلب الوضع لمصلحتها وتوسّع دائرة الثورة على الإحتلال
في هذا المجال ، ارى ان ما يُفضي بالضرورة الى قلب الوضع لصالح المقاومة في الضفة ، مبادرةٌ من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الوحدة الوطنية قوامها وضع اليد على "السلطة الوطنية الفلسطينية" في رام الله الامـر الذي يعني ، في الواقع ، الحلول محل محمود عباس المنتهية ولايته اصلاً
مع تجاوز سلطة عباس ، تسقط عملياً اتفاقات اوسلو ، وفي مقدمها اتفاق التنسيق الامني مع "اسرائيل" ، ما يؤدي بالضرورة الى تفجير انتفاضة ثالثة وبالتالي مقاومة شعبية في الضفة ، سيتجاوب معها دونما شك فلسطينيو الارض المحتلة العام 1948
هكذا يتحوّل "البنيان المرصوص" من عمليةٍ للدفاع عن وجود الشعب الفلسطيني وامنه في قطاع غزة الى حرب تحرير وطنية وشعبية تلف فلسطين كلها من البحر الى النهر ومن الشمال الى الجنوب
هل آن اوان اطلاق "الوعد الصادق" الفلسطيني ؟