جريدة "القدس العربي"
و"البناء" تاريخ 14/7/2014
حقائق الحرب فوق الارض وتحتها
د عصام نعمان
باشرت "اسرائيل" ، على ما يبدو، المرحلة التمهيدية لهجوم بري على قطاع غزة يقول بعض خبرائها إن المطلوب ليس احتلال القطاع بل أجزاء منه لتمكين الجيش الإسرائيلي من تحقيق اغراض عملانية ، ابرزها قطع خطوط الإمداد اللوجستي ، تعطيل حركة فصائل المقاومة فوق الارض ، وتعزيز القدرة على اصطياد قيادات المقاومة وكوادرها الفاعلة
للهجوم البري غرض اضافي فهو جزء من الحرب النفسية التي تشنها "اسرائيل" على المقاومة املاً في توليد حبوط عام يدفع قيادتها الى القبول بوقف النار وترتيب تهدئة تناسب العدو
لتسويق "منافع" الهجوم البري بين الإسرائيليين ، ولتخويف الفلسطينيين قياديينَ ومدنيين ، جرى تسريب خرائط الى وسائل الإعلام تشير الى مواقع الهجوم في القطاع والمساحات الجغرافية التي يمكن ان يتحصن فيها الجيش الإسرائيلي ابرز المواقع ثلاثة : شريط على طول "حدود" القطاع مع الارض المحتلة من الشمال الى الجنوب بعرض يتراوح بين 8 الى 12 كيلومتراً جيب شمالي مدينتي خان يونس ورفح يفصلهما عن وسط القطاع وشماله جيب آخر في الشمال يفصله عن مدينة غزة ووسط القطاع الى ذلك ، يتصل الشريط الشرقي المراد انشاؤه مع الجيب الشمالي ومنه يمتد غرباً الى البحر ، وكذلك يتصل الشريط الشرقي مع الجيب الجنوبي ومنه يمتد غرباً الى البحر
يعتقد بعض الخبراء الإستراتيجيين انه بإمكان "اسرائيل" تحمّل تكلفة تنفيذ هذا الهجوم ، وان مردوده العملاني سيكون وفيراً اذ يقسم القطاع الى ثلاثة اجزاء، ويمنع التواصل فيما بينها ، ويعرقل قيام نشطاء المقاومة بإستخدام منصات لإطلاق الصواريخ في مناطق من القطاع قد لا تقل مساحتها عن ثلث مساحته الإجمالية ، ويحشر المقاتلين واسلحتهم في مناطق كثيفة السكان الامر الذي يحدّ من حرية الحركة والمناورة
من الملاحظ ان كل هذه الترتيبات وكذلك النتائج المرتجاة منها قائمة او ستقوم على الارض حيث تتمتع "اسرائيل" ، براً وجواً ، بتفوق واضح على فصائل المقاومة لكن ماذا عن الواقع القتالي تحت الارض ؟
ليس سراً ان قطاع غزة بات برمته شبكة من الأنفاق تحتضن قيادات ومقاتلين ومخازن صواريخ واسلحة وعتاداً ومؤناً ذلك كله يمكّن المقاومة من شن حرب طويلة من تحت الارض على العدو الجاثم فوقها ، سواء في منطقة الشريط الحدودي الشرقي وفي الجيبين الشمالي والجنوبي المشار اليها آنفاً او حتى في ما يتعدى هذه المناطق وصولاً الى المستوطنات الكائنة في غلاف القطاع والمستوطنات والمرافق الكائنة في العمق
ماذا ترتجي "اسرائيل" ، اذاً ، من الشريط الشرقي ومناطـق ومربعـات الجيبين الشمـالي والجنوبي ؟
يرى الخبير الإستراتيجي العميد امين حطيط ان من شأن هذه الجيوب والمربعات ايذاء المقاومة بإرباك تواصلها ومواصلاتها مع مختلف وحداتها ما يحدّ من فعاليتها لكنه يقدّر ان المقاومة احتاطت لهذا التحدي الذي ينطوي على جملة ثغرات يمكن استثمارها بفعالية لإستنزاف العدو من حيث :
- ان تنفيذ خطة الشريط والجيبين والمربعات يقرّب وحدات الجيش الإسرائيلي، المشاة كما المدرعات ، من مرمى نيران المقاومة الامر الذي يلقي على الجيش عبئاً ثقيلاً في تأمين حمايتها
- يتيح إنتشار جيش العدو للمقاومة ، ولا سيما للإستشهادييها ، فرصاً كثيرة لإصطياد جنود العدو كما مدرعاته بصواريخ "كورنيت" الفتاكة
- ينجم عن العاملين سالفي الذكر حربُ استنزاف طويلة ومكلفة للجيش الإسرائيلي
للتدليل على ارجحية هذه التوقعات يذّكر العميد حطيط بحرب "اسرائيل" على حزب الله العام 2006 ، اذ حاول الجيش الإسرائيلي فصل منطقة جنوب لبنان الشرقية عن منطقة جنوبه الغربية بشن هجوم بري مدرع معزز بوحدات من المظليين اخترق الحدود في منطقة مرجعيون واتجه الى وادي الحجير في محاولة للوصول الى اعلى مجرى نهر الليطاني ، فكان ان فتك مقاتلو المقاومة بجنوده ومظلييه ومدرعاته على طول خط الهجوم في هذه الهجمة الفاشلة خسر العدو نحو ثلاثين دبابة ، شكّلت الدافع الاساس الى طلبه من الولايات المتحدة التعجيل في اتخاذ قرار في مجلس الامن بوقف العمليات الحربية
يتحصّل من هذه الحقائق ان اي هجوم بري على قطاع غزة لن يمكّن "اسرائيل" من حسم الصراع لمصلحتها وفرض ارادتها على فصائل المقاومة فالحرب من تحت الارض تطورٌ جديد وخطير من شأنه انتاج حقائق جديدة فوقها صحيح ان الهجوم البري يلحق اضراراً بشرية ومادية واسعة بالمقاومة الفلسطينية، لكنه لن يؤدي الى قصم ظهرها فهي ، على ما يبدو ، احتاطت لهذا الإحتمال ووضعت في حسبانها انها قد تجد نفسها ميدانياً وحيدةً في مواجهة العدو ما حملها على إيلاء مسائل التنظيم والتجهيز والتسليح والتذخير والصمود اهتماماً كبيراً تجلّت نتائجه بشكلٍ ساطع في طرائق الرد الباهر على العدوان منذ يومه الاول
غير ان صمود المقاومة في غزة وقدرتها الثابتة على الرد بفعالية على العدوان يستوجبان مع ذلك التحوّط لكل الإحتمالات غير الإيجابية في هذا المجال، يقتضي اعادة تذكير اهل السلطة الفلسطينية في رام الله بأن عدم قيامهم عسكرياً بنصرة اخوتهم في غزة ، اختياراً او اضطراراً ، لا يعفيهم من واجب المبادرة الى نصرتهم سياسياً ، وهو قرار في مقدورهم إتخاذه لماذا لا يقوم محمود عباس، محاطاً بأركان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ، بالإعلان من فوق منبر المسجد الاقصى بأنه سيبادر الى إلغاء اتفاق التنسيق الامني في الضفة الغربية المعقود مع "اسرائيل" فور مباشرتها هجوماً برياً ضد قطاع غزة ؟
نتنياهو ( واركان قيادته السياسية والعسكرية ) سيدرك بالتأكيد النتائج والتداعيات الخطيرة التي يستولدها هذا القرار الإستراتيجي الخطير ، وقد يحمله على التراجع عن مباشرة الهجوم البري
اجل ، يدرك نتنياهو النتائـج والتداعيات ، وأولها وأخطرها وأفعلهـا ان إلغاء الإتفاق الامني يحرر شعب فلسطين ومقاتليه في الضفة من قيودٍ تفرضها عليهم " قوات الامن الوطني" للسلطة الفلسطينية ، فتنفجر للتوّ الإنتفاضة الثالثة
إنتفاضة يصعب على "اسرائيل" خلالها وبعدها ان تقاتل على جبهتين في آن