جريدة "الخليج"
تاريخ 12/7/2014
"الجرف الصامد" يرتد على "اسرائيل"
د. عصام نعمان
في توصيفه الحرب على غزة ، قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس "إنها ليست حرباً بين جيشين بل حرب بين جيش الإحتلال الإسرائيلي والشعب الفلسطيني الصامد تحت الإحتلال"
الواقع إنها باتت حرباً بين شعبين وليس فقط بين جيش الإحتلال والشعب الفلسطيني فـ"شعب المستوطنين" ومن يؤيده من آلاف الإسرائيليين كان باشر الحرب في الضفة الغربية منذ شهور وسنوات بإعتداءاته المباشرة على المزارعين الفلسطينيين، وإتلاف مزروعاتهم، وقطع اشجار زيتونهم، واختطاف شبانهم واطفالهم وقتلهم، وحرق احدهم حياً في حي شعفاط بالقدس الشرقية مؤخراً
حكومة نتنياهو كانت وما زالت تحت ضغط شديد من احزاب اليمين المتطرف المشارِكة فيها لتصعيد العدوان على قطاع غزة لدرجة ان وزير الخارجية افيغدور ليبرمان هدد بالإستقالة إن لم تتخذ الحكومة قراراً بإحتلال القطاع
نتنياهو ليس ، ظاهراً ، مع قرار الإحتلال هو يعرف ان الإحتلال صعب إن لم يكن مستحيلاً ، وهو دائماً مكلف جداً ، بشرياً ومادياً وعسكرياً لذا يفضّل نتنياهو إستنزاف القطاع ، شعباً ومقاومة ، املاً في حمل الفصائل المقاتلة على القبول بشروطه لتجديد التهدئة
فصائل المقاومة ادركت اغراض نتنياهو وقررت افسادها قبل تفاقم مردودها السياسي والعسكري لذا ردّت على القصف الإسرائيلي الجوي والبري بإطلاق مئات الصواريخ قصيرة المدى على المستعمرات الإسرائيلية في النقب المحيطة بالقطاع ، ثم وسعت دائرة قصفها بصواريخ متوسطة المدى مع تصعيد الجانب الإسرائيلي قصفه الجوي
"اسرائيل" ، قيادة وشعباً ، فوجئت بردّ المقاومة كانت تنتظر بالطبع رداً ، لكن ليس بالسرعة والقوة والمدى الذي تبدّى فيه الى ذلك ، لم تكن تتوقع ان تشارك حركة"حماس" في الرد ظنت انها ضعفت عقب خلافها مع سوريا وحزب الله وربما مع ايران ايضا لكن "كتائب القسام" الحماسية حرصت مبكراً على الإنخراط في القتال شان سائر فصائل المقاومة ، مؤكدةً بذلك وحدة المقاومة وتصميمها على المواجهة
الى اين من هنا ؟
لا شك في ان "اسرائيل" هي الجانب المحبَط في المواجهة فالمقاومة ، بصواريخها المتوسطة المدى التي طاولت تل ابيب وحيفا والقدس وبئر السبع اوحت بانها جادة في ما اقدمت عليه ، وان لديها من الصواريخ المتوسطة المدى ما يمكّنها من نقل الحرب الى عمق العدو مع ما تجرّه عليه من انعكاسات مؤذية اقتصادياً وسياسياً ذلك ان "اسرائيل" لا تتحمل اغلاق مطار اللد ومرافىء حيفا واسدود وعسقلان وايلات مدةً طويلة ، كما لا تستطيع المغامرة بإحتلال قطاع غزة بعدما بات شبكة من الانفاق المعدّة لإلتهام القوة البرية الغازية
"اسرائيل" لا تستطيع احتمال هذا الوضع ، خصوصاً اذا ما اضطرت قيادة الجيش الى مناشدة مئات الآف اليهود الصهاينة النزول الى الملاجىء والمكوث فيها وقتاً طويلاً ثم انها لا تستطيع احتمال خسارة حرب تثبيت ميزان الردع لصالحها ، كما كانت تظن أنها أمّنته في حرب 2012 ، لأن ذلك يقود الى تشجيع فصائل المقاومة على معاودة عملياتها المدمرة وربما الى شن حرب اوسع بالتحالف مع طرف عربي او اكثر ، فما العمل ؟
لعل نتنياهو سيجد نفسه مضطراً الى الإنفتاح مجدداً على الجهود الرامية الى وقف القتال والإتفاق على تهدئة جديدة غير انه سيحاول "جباية ثمن" كبير قبل الموافقة على تهدئة جديدة جباية الثمن يمكن ترجمتها بإعتماد المزيد من حرب الإستنزاف لإلحاق اكبر ضرر بشري ومادي ممكن بقطاع غزة بغية حمل فصائل المقاومة على محاذرة العودة الى القتال قبل اربع او خمس سنوات
فصائل المقاومة وضعت في حسبانها احتمال تصعيد نتنياهو حرب الإستنزاف ضد قطاع غزة ، فردّت باللجؤ الى النهج نفسه ضد "اسرائيل" ، اي إمطار العدو بمئات الصواريخ على مدى الارض المحتلة كلها بشكلٍ يلحق اشد الاضرار البشرية والمادية بمرافق الجبهة الداخلية بذلك ارتدّ "الجرف الصامد" على "اسرائيل"
في هذا السياق ، بات محكوماً على محمود عباس ان يتخذ موقفاً وطنياً وعملياً غير عادي فهو اقرّ بأن الحرب ليست بين جيشين بل اضحت ضد الشعب الفلسطيني كله وعندما يكون الامر كذلك ، فلا اقل من ان يقوم ابو مازن بإتخاذ قرار تاريخي بإسم الشعب الفلسطيني بإلغاء اتفاق التنسيق الامني المعقود مع "اسرائيل" ، والإنضمام فوراً الى اتفاق روما ، اي معاهدة المحكمة الجنائية الدولية ، كي يصبح بالإمكان ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين بجرائم حرب واخرى ضد الإنسانية ومنها زرع مستوطنين في الاراضي المحتلة
جميل ان يدعو ابو مازن المجتمع الدولي ومجلس الامن الى حماية الشعب الفلسطيني من العدوان الإسرائيلي الوحشي المستمر لكن ابا مازن يعلم ، وإن كان لا يصرح ، ان المقاومة وحدها تتولى حماية الشعب الفلسطيني في هذا الزمن الصعب، وان ابسط الواجبات الوطنية تستوجب ، في حدها الادنى ، ان يتصرف القادة الفلسطينيون على نحو يخدم قضية المقاومة ولا يسيء اليها او يلجم كفاحها بوعود فارغة ما انفك حلفاء "اسرائيل" يقدمونها للفلسطينيين والعرب منذ النكبة العام 1948