الخليج
تاريخ 28/6/2014
مَن يتقاسم "هدية" العراق ؟
د عصام نعمان
نسبت صحيفة "الحياة" الى المبعوث الاممي السابق الى سوريا الاخضر الابراهيمي قوله "إن امريكا اهدت العراق لإيران على طبق من ذهب" كما نسبت اليه قوله إنه يستبعد سقوط خرائط سايكس- بيكو ، متوقعاً تغييرات داخل الخرائط نفسها
هل ارادت الولايات المتحدة فعلاً إهداء العراق الى ايران؟
من المعلوم ان ادارتيّ جورج بوش الاب والابن كانتا تمارسان سياسة "الإحتواء المزدوج" تجاه العراق وايران ، فلا يعقل ان تقوم بطيبة خاطر بإهداء بلد إحتله الى بلد آخر تعتبره عدواً لها
الحقيقة ان الولايات المتحدة فشلت في سياستها العراقية لدرجة لم تستطع معها ان تحتفظ بالعراق لنفسها بعد ثماني سنوات من الإحتلال ، فإضطرت الى إخراج قواتها بلا قيد ولا شرط هذا الخروج الإضطراري والمهين ، بعد حرب واحتلال مكلفين ، ترك العراق في حال "فراغ قوة" ما ساعد ايران على ملئه بنفوذها عبر حلفائها
ورثة امريكا في بلاد الرافدين ، وخصوصاً مَن انخرط منهم في "العملية السياسية" ، فشلوا في إنهاض العراق من كبوته لإنغماسهم في تقاسم ثرواته ، فما اقاموا دولة ولا بنوا جيشاً ولا عززوا اقتصاداً ، فكانت حصيلة حكمهم الفاسد انهيار جيشهم الذي صرفوا عليه 25 بليون/مليار دولار في اقل من 25 ساعة امام مجموعات من تنظيم "داعش" وغيره من الجماعات الساخطة على حكومة نوري المالكي
مع ذلك ، لا الولايات المتحدة ولا اي لاعب جدّي على الساحة العراقية بإمكانه اليوم ان يهدي العراق الى اي دولة او جماعة اخرى البلد تحوّل ملعباً للاعبين كثر يلعبون فيه ويتلاعبون به ولا احد يعرف نتيجة المأساة- الملهاة الدائرة في ربوعه
يتردد كثيراً ان الصراع في العراق وعليه قد ينتهي الى سقوط خرائط سايكس- بيكو الإبراهيمي يستبعد ذلك ، متوقعاً تغييرات داخل الخرائط نفسها معنى ذلك ان العراق ككيان سياسي سيبقى جغرافياً على ما هو عليه ، لكن تركيبته السياسية قد تتغيّر كيف ؟
ثمة احتمالات ثلاثة :
الاول ، التقسيم بمعنى تفكيك العراق الى ثلاثة كيانات متمايزة ومستقلة : دويلة كردية في الشمال الشرقي ، ودويلة سنيّة في الشمال الغربي والوسط ، ودويلة شيعية في الجنوب
الثاني ، إتحاد كونفدرالي يضم الدويلات الثلاث في إطار نظام سياسي فضفاض لا يكون لحكومة المركز فيه إلاّ صلاحيات محددة ومحدودة
الثالث ، اتحاد فدرالي يضم الدويلات الثلاث في اطار نظام سياسي تقوده حكومة مركزية لها صلاحيات واسعة وقوية في مجالات عدّة اهمها الدفاع والامن القومي ، الشؤون الخارجية ، العملة والمالية العامة ، النفط والغاز ، الطاقة والمياه ، التنمية الوطنية الشاملة ، العدل والمحكمة العليا الإتحادية
التجربة الفدرالية التي ارسى قواعدها الإحتلال الامريكي فشلت لعلل وثغرات في نص الدستور ، ولسؤ تطبيقه من قبل حكومات مركزية متعاقبة وفاسدة ، ولإعتماد قادة اقليم كردستان العراق سياسة انفصالية ترمي الى اقامة دولة كردية مستقلة بعبارة اخرى ، تركت امريكا العراق اواخرَ العام 2011 "هدية" لسياسيين عراقيين من اجناس والوان متعددة ، قاموا بتقاسم "الهدية" على نحوٍ ادى الى نشؤ الوضع المأسوي الراهن
كيف يمكن الخروج من المحنة ؟
كان الكونغرس الامريكي في اواخر الولاية الثانية لبوش الابن قد شكّل "مجموعة دراسة العراق" من سياسيين بارزين بهدف ايجاد طريقة للخروج من الجدل المحتدم بين فريقين في الكونغرس والادارة والرأي العام ينادي احدهما بمضاعفة عديد القوات الامريكية لمواجهة المقاومة العراقية المتصاعدة للإحتلال ، ويدعو الآخر الى الإنسحاب الفوري وكان من بين التوصيات إقامة "اطار امني اقليمي" بمشاركةٍ من القوى الفاعلة في المنطقة ، خصوصاً تركيا والسعودية والاردن والكويت وسوريا وايران نظراً لوجود مصالح لها وبالتالي ادوار تلعبها لصالح استقرار العراق ادارة بوش رفضت آنذاك اعتماد توصيات المجموعة ، فهل تعتمدها ادارة اوباما بشكلٍ معدّلٍ اليوم ؟ وهل جولة وزير الخارجية جون كيري على عواصم دول المنطقة هي من اجل التوافق على مسار للخروج من الازمات المتفجرة في دول عدة في مشرق العرب ومغربهم ؟
من الواضح ان الولايات المتحدة لا تستطيع بمفردها ايجاد مخرج من الصراعات والازمات التي تعصف بالمنطقة لكن تحديد الدول والقوى الممكن ان تشاركها في معالجة الازمات الاقليمية المحتدمة مسألة في غاية الصعوبة فقد اقتحم المشهد السياسي لاعبان يتمتعان بقوة اقليمية ولاعب ثالث لديه ، الى النفوذ الاقليمي ، تأثير دولي محسوس اللاعب الجديد الاول هو المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله الذي تمكّن من دحر "اسرائيل" في حرب 2006، ويساند سوريا حاليّاّ في الحرب الدائرة بينها وبين التنظيمات الإسلامية "الجهادية" اللاعب الجديد الثاني هو حركات الإسلام "الجهادي" ، ولا سيما تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) الذي تمكّن مؤخراً من السيطرة على عدة محافظات عراقية في الشمال والغرب مؤمّناً بذلك تواصلاً جغرافياً بين مجموعاتها القتالية في العراق وشمال شرق سوريا اللاعب الثالث المستجد هو روسيا الإتحادية الممعنة في تحدي الاحادية القطبية التي تمتعت بها الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مطلعَ تسعينات القرن الماضي ، والحريصة على ان يكون لها دور ونفوذ في الشرق الاوسط ومناطق اخرى في العالم
غير ان مشاكل قديمة ومستجدة نشأت بين دول المنطقة المرشحة لمشاركة امريكا في البحث عن مخرج من الازمات الراهنة فالبرنامج النووي الايراني يقلق "اسرائيل" والسعودية وجنوح اكراد العراق الى الإنفصال والإستقلال يقلق تركيا وايران وسوريا وسيطرة "داعش" على آبار النفط في شرق سوريا ووسط العراق ، وامكان قيامه بتعطيل انتاج النفط في جنوب العراق يقلق دول الخليج المنتجة كما الدول المستهلكة واحتمال انفجار الوضع في الضفة الغربية وغزة نتيجةَ التوسع الإستيطاني الصهيوني والتنكيل الهمجي بالشعب الفلسطيني يقلقان معظم الدول العربية
كل هذه المشاكل والازمات والتحديات ستتسبّب في تأخير مساعي التوصل الى مقاربة شاملة لمعالجة ازمات دول المنطقة ما يؤدي بالضرورة الى تأخير اخراج العراق من محنته ، فما العمل ؟
ارى ، وغيري كثيرون ، ان على القوى الوطنية الحية في العراق الإحاطة بسرعة ودقة بالتحديات التي تواجه البلاد في المرحلة الراهنة ، والمبادرة الى عقد مؤتمر وطني جامع ينبثق منه برنامج للإنقاذ الوطني وبالتالي حكومة وطنية جامعة لتنفيذه مع اعطاء الاولوية لمهمة دحر "داعش" وحلفائه بغية الحفاظ على وحدة العراق واستقلاله وحريته وسيادته
يُنجز العراقيون هذه المهام التاريخية بالسرعة الممكنة او يتركون بلادهم تنزلق الى المجهول