جريدة "الخليج"
الإرهاب يؤدي الى التقسيم والعكس صحيح
د. عصام نعمان
تطرح ضربة "داعش" المفاجئة والمذهلة في الموصل اسئلة عدّة على الاطراف الدوليين والإقليميين المعنيين بأزمة العراق لعل اخطر الاسئلة ذلك المتعلق بوحدة العراق هل تؤدي سيطرة "داعش" على المحافظات الشمالية والغربية ذات الغالبية السنّية الى تقسيم بلاد الرافدين ؟
الاطراف المعنيون بأزمة العراق محرجون وما زالوا يتخبطون في الحيرة والذهول ما يجعلهم يتلكأون في الإجابة عن السؤال لعل اكثرهم حيرة وحرجاً الولايات المتحدة فهي تحصد الآن الثمار المرّة لسياساتها الخاطئة طيلة السنين العشرين الماضية من حيث أنها :
- موّلت وسلّحت ودرّبت تنظيم "القاعدة" لمساعدتها في محاربة قوات الاتحاد السوفياتي (آنذاك) في افغانستان حتى اذا اكرهته على الخروج من البلاد ، عاد المقاتلون "القاعديون" الى اوطانهم واخذوا يمارسون العنف ضد الولايات المتحدة وحلفائها أليست هجمات 11 سبتمبر 2001 وتدمير برجي التجارة الدولية في نيويورك مثالاً ساطعاً على ذلك ؟
- اتهمت صدام حسين بأنه يقوم بإنتاج اسلحة نووية ورغم انها تأكدت مسبقاً بأن ذلك غير صحيح ، فقد اصرّت على مهاجمته واحتلال بلاده وحلّ جيشه ما ادى الى نتيجتين سلبيتين بالنسبة اليها : تفجير مقاومة ضارية ضدها تطورت الى تنظيمات ارهابية ، وازدياد نفوذ ايران بعد إقصاء خصومها السياسيين وعودة اصدقائها وتسليمهم السلطة في بغداد
- دعمت المعارضة المسلحة في سوريا ضد النظام كونه الحلقة الوسطى في محور مناوىء لـِ "اسرائيل" يمتد من ايران الى حزب الله في لبنان ، واوعزت الى حليفتها تركيا بغض النظر عن الافراد والجماعات القادمة من اربع جهات الارض لـِ "نصرة" المعارضة السورية ، فكان ان تسلل افراد التنظيمات الإرهابية عبر الحدود التركية – السورية وتجمعوا في مناطق محددة في سوريا وتظاهر بضعهم بمباشرة "الجهاد " ضد حكومتها حتى اذا تجذروا وتحصنوا في مواقع ومناطق حاكمة فتحوا النار على "رفاق السلاح" من "الجيش السوري الحر" وسائر قوى المعارضة السورية المسلحة ، بل مدّوا نشاطهم الى لبنان والعراق واخذوا يحاربون حكومتيهما بالسيارات المفخخة والإنتحاريين الإرهابيين
- وها هو "داعش" يستجمع قواه اليوم في العراق ليضرب "نظام" المالكي بدعوى انه حليف ايران وسوريا وحزب الله، ويطمح للإستيلاء على منابع النفط في الشمال العراقي كما كان فعل في شمال شرق سوريا وذلك بقصد تصديره عبر تركيا والافادة من عائداته
قد تتمكن حكومة بغداد المركزية من استعادة محافظات شمال العراق وغربه من ايدي "داعش" ، وقد تكتفي بمنعه من التمدد الى بغداد وسائر المحافظات ، فماذا ستكون النتيجة ؟
سيحتفظ "داعش" بالمحافظات التي "احتلها" الامر الذي يؤدي الى قيام حال تقسيم فعلي على الارض : اقليم حكم ذاتي كردي ناهد الى الإستقلال في الشمال الشرقي ، واقليم "داعشي" في الشمال الغربي والغرب ، وحكومة "مركزية" تدير ما تبقّى من المحافظات في الوسط والجنوب
ما الدرس المستخلص من هذه الواقعات ؟
انه الصلة السببية والعلاقة الجدلية القائمة بين الإرهاب والتقسيم والعكس الذي يصحّ ايضاً فحيث يسيطر تنظيم ارهابي يصبح تقسيم البلد نتيجةً منطقية ذلك ان التنظيم الإرهابي قد يعجز عن احتلال كل البلد المضطرب ، فيجد نفسه مضطراً الى اقامة سلطة منفصلة عن الحكومة المركزية (وقد يحوّلها الى سلطة مستقلة) ويحوّل الاقليم الذي يسيطر عليه الى قاعدة لتدريب الإرهابيين ودفعهم الى مناطق اخرى داخل البلد نفسه للسيطرة عليها ، او قد يدفعهم الى دول مجاورة للقيام بمهمة مماثلة أليس هذا ما حدث في سوريا ؟ فقد سيطر تنظيما "داعش" و"النصرة" على مناطق في شمال سوريا وشرقها حتى اذا استتب الامر لهما ، بادر "داعش" الى التوسع داخل سوريا ، ثم ما لبث ان دفع بمجموعات من "جهادييه" الى العراق فسيطرت ، اولاً، على الفلوجة في محافظة الانبار ثم تعاونت مع مجموعات اخرى حزبية ومعارضة في الموصل لتضرب ضربتها المفاجئة
اذا قيض لـِ "داعش" ان ينجح في تثبيت سلطته في محافظات العراق الشمالية والغربية فإنه سيحقق المحظورين معاً : التقسيم وتحويل مناطقه الى قاعدة لنشر الإرهاب في ضوء هذين التحديين البالغي الخطورة ، ارى انه يجدر بالاطراف المعنية اكثر من غيرها بتداعيات ازمة العراق المستجدة القيام بالآتي:
اولاً ، ضرورة ان تسلّم الولايات المتحدة بخطورة العلاقة الجدلية بين الإرهاب والتقسيم ، فلا تلجأ الى ايِّ منهما لأن احدهما يؤدي الى الآخر حتماً الامر الذي يلحق الاذى بها وبحلفائها
ثانياً، ان القوى السياسية المتنافرة والمتصارعة في العراق مدعوة الى الادراك بأن الإرهاب والتقسيم هما الخطران الاساسيان اللذان يهددان وحدة البلاد، وانه يقتضي التوصل الى فهم مشترك للأزمة الراهنة وبالتالي الى وضع ميثاق للعمل الوطني والإجتماعي وحكومة وطنية جامعة لمواجهة الأخطار والتحديات التي تحيق بالبلاد
ثالثاً ، عقد مؤتمر قمة عربية استثنائية في اطار جامعة الدول العربية من اجل التوافق على ان الإرهاب عموماً والارهاب الذي يواجهه العراق (وسوريا) خصوصاً يهددان الامة في حاضرها ومستقبلهما ، وعلى دعوة العالم عموماً والولايات المتحدة وتركيا خصوصاً الى وقف اي تسهيلات تعطى للتنظيمات الارهابية باعتبار ان الإرهاب يستهدفهما ايضاً
رابعاًً ، دعوة السعودية وايران الى ازالة التوتر القائم بينهما والمبادرة الى تحسين علاقاتهما لقطع الطريق على اي جهة سياسية او ارهابية تقوم بإستغلال التناقضات بينهما لأغراض تؤذيهما معاً
خامساً ، دعوة الدول المتضررة من الإرهاب الى دعم العراق (وسوريا) في الجهود المبذولة لدحر الإرهاب والإرهابيين وتحرير الارض والإقتصاد منهم وذلك وفق ترتيبات تضعها حكومة العراق الوطنية الجامعة في هذا السبيل
اجل ، ليتحد الجميع ، عرباً وعجماً ، في وجه الإرهاب والإرهابيين والتكفيريين اجمعين