جريدة "الخليج"
تاريخ 14/6/2014
المشروع اكبر من "داعش"
د. عصام نعمان
بين ليلة وضحاها سيطر تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) على الموصل تمّ الامر بسرعة قياسية ظنَّ الناس معه او كادوا ان انقلاباً عسكرياً قد حدث بالتواطؤ مع ضباط قادة تركوا مواقعهم وقطعاتهم العسكرية مع دباباتهم ومدافعهم وطائراتهم لقمة سائغة للمجموعات المهاجمة
تبيّن لاحقاً ان تنظيم "داعش" منتشر وقوي في كل محافظات العراق الغربية وما يقابلها من محافظات سوريا الشرقية تردد ان المشروع اكبر من "داعش" وانه يرمي الى دمج المحافظات ذات الطابع السنّي الغالب على جانبي الحدود العراقية –السورية في دولةٍ واحدة ، مهمتها عزل المحافظات ذات الطابع الشيعي في جنوب العراق عن محافظات الشمال والغرب السنّية وبالتالي عزلها عن سوريا
من يتولى تنفيذ هذا المشروع الضخم ؟
قيل إن اطرافاً عدّة تندرج في اطار قتالي واحد يضم ، الى "داعش" ، الضباط والرتباء القدامى من جيش صدام حسين ، والضباط المتضررين من والساخطين على حكومة نوري المالكي ، ومجموعات من البعثيين والنقشبندية وآخرين ممن يمكن وضعهم في خانة الضباط القوميين ، وانصار رابطة العلماء المسلمين (بقيادة الشيخ حارث الضاري )
من يقود هذا الكوكتيل من المقاتلين والمناصرين المتعددي الإنتماء ؟
ظاهر الحال يشير الى ان لـِ "داعش" اليد العليا في القيادة غير ان معلومات مصدرها اوساط قدامى الضباط البعثيين تتحدث عن مجلس عسكري يقود هذه المجاميع المسلحة ذات المستوى العالي من التنظيم والتدريب
الى اين من هنا ، عسكرياً وسياسياً ؟
عسكرياً ، تتحدث مصادر معلومات قريبة من اطراف المجلس العسكري عن خطة متكاملة ترمي الى السيطرة على مجمل محافظة نينوى (عاصمتها الموصل) ومحافظة صلاح الدين (عاصمتها تكريت) ومحافظة التأميم (عاصمتها كركوك) وعلى ما تبقّى من محافظة الانبار المترامية الاطراف (عاصمتها الرمادي) وصولاً الى محافظة ديالى (عاصمتها بعقوبة) ومن ثم الى تطويق بغداد العاصمة
للمجموعات المنتمية الى المجلس العسكري وجود وانتشار ، علني او سري ، في جميع المحافظات المشار اليها آنفاً بإستثناء بغداد التي باتت الغالبية فيها من الشيعة وليس من الغلو القول إن هذه المحافظات تشكّل جغرافياً اكثر من نصف مساحة العراق
سياسياً ، ثمة واقعات سابقة لهجمات "داعش" الاخيرة وتطورات لاحقة لها من الثابت ان المجتمعات السنيّة في شمال العراق وغربه معارِضةٌ بصورة عامة للحكومة المركزية في بغداد منذ لحظة سيطرة القوات الامريكية الغازية على العاصمة العام 2003 غير ان جنوح بعض السياسيين وزعماء العشائر في المحافظات ذات الغالبية السنيّة الى التعاون ، شأن غيرهم من السياسيين وزعماء العشائر الشيعة في المحافظات الجنوبية، والمشاركة في الحكومات التي اقامتها ادارة الإحتلال ، ادى الى نشؤ ثلاثة اوساط سياسية داخل المجتمعات السنيّة : الاولى متعاونة مع الإحتلال ومشاركة في السلطة الثانية معارضة للإحتلال ومتعاونة مع سائر القوى الوطنية في مختلف
المجتمعات المعادية للإحتلال وللجماعات المنخرطة في سياسته وانشطته الثالثة ذات طابع اسلامي ومعادية للفئتين الاولى والثانية بمرور الزمن ، وبسبب سؤ ادارة الإحتلال والجماعات المتعاونة معه ، اخذت الفئة الثالثة تقضم قواعد الفئتين الاولى والثانية من هذه الفئة الثالثة المتوسعة نشأت التنظيمات "الجهادية" المتطرفة وابرزها "القاعدة" وتفرعاتها
منذ نشوئها اتسمت سياسة التنظيمات الإسلامية "الجهادية" بعداء شديد لإيران وللقوى السياسية المتعاونة معها في الداخل كما في المنطقة هذا العداء لإيران مكّنها ، وسط الصراعات الإقليمية المتطورة ، من الحصول على المال والسلاح من بعض الدول الإسلامية المحافظة
كان ثمة قاسم مشترك بين بعض المجموعات السنيّة العربية "العلمانية" والاسلامية من جهة والاكراد في الشمال من جهة اخرى اساسه العداء لحكم صدام استمر حال التعاطف بين هذين الطرفين خلال مرحلة الإحتلال الامريكي والمرحلة الإنتقالية التي اعقبته لكن ، مع تعاظم دور القوى السياسية الشيعية المتحالفة مع الاحزاب الكردية النافذة (بقيادة البارزاني والطالباني) واقامة اقليم الحكم الذاتي في كردستان العراق ، وتحالف البارزاني وطالباني مع الحكومة المركزية في بغداد المعقودة اللواء لساسة الشيعة وابرزهم المالكي ، اتسعت فجوة النفور بين المجموعات الإسلامية "الجهادية" والاحزاب الكردية المتعاونة مع الامريكيين خلال مرحلة الإحتلال وبعدها كما ازداد التباعد بين المجموعات السنيّة الإسلامية والسياسيين السنّة "العلمانيين" الذين شاركوا في مختلف مؤسسات الحكومة المركزية في بغداد هذا التباعد تحوّل بعد ظهور "داعش" وسيطرته على الفلوجة ومعظم انحاء محافظة الانبار وبعض انحاء محافظة نينوى (الموصل) الى عداء شديد لم يكن غريباً ، والحالة هذه ، ان يدعو ابرز القادة السنّة ، رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي ، الحكومة المركزية بشخص المالكي للمسارعة الى استخدام سلاح الجو ضد المجموعات المسلحة التي سيطرت على معظم المرافق العامة في الموصل ، وبينها مقر المحافظة ومطار المدينة
هذه التطورات ستعدّل ترسيمة المشهد السياسي في العراق القيادات الشيعيّة المتناحرة والمتنافسة على رئاسة الحكومة والمعارِضة لولاية ثالثة للمالكي في سدتها ستعود الى التفاهم بغية مواجهة الخصم المشترك القيادات والاحزاب الكردية المشاركة في الحكومة المركزية ستعود الى التعاون معها لمواجهة الخصم المشترك الطامع بالسيطرة على محافظة التأميم وبالتالي على آبار النفط في كركوك الجيش العراقي المعادي لمشروع تقسيم العراق ستقوم قيادته بالإنفتاح على الاوساط والقوى الوطنية والقومية المتمسكة بوحدة العراق والمناهضة لسياسة الولايات المتحدة ، حليفة "اسرائيل" الساعية الى تكريس تقسيم العراق وسوريا ولبنان ، وبالتالي إعادة الضباط الوطنيين المسرحين الى الخدمة
في المقابل ، سيتعزز التيار المشرقي داخل القوى الوطنية المناهضة لمخططات الشرذمة والتقسيم والهيمنة في المشرق العربي ، وستقوى الدعوة الى إعتماد إستراتيجية متكاملة للمواجهة في سياق مشرقي وبالإستقلال عن القوى الإقليمية والدولية المتصارعة