جريدة "القدس العربي"
والبناء تاريخ 9/6/2014
هواجس اميركا الثلاثة بعد الإنتخابات السورية
د. عصام نعمان
اعتبر الرئيس بشار الاسد ان نسبة المشاركة العالية في الإنتخابات الرئاسية "تشكّل رسالة قوية للغرب وللدول المتورطة بالحرب على سوريا"
حليفتا سوريا ، روسيا وايران ، إمتدحتا شفافيتها وشرعيتها المتحدث بإسم وزارة الخارجية الروسية الكسندر لوكافيتش قال : "نعتبر التصويت حدثاً مهماً بشأن استمرار عمل مؤسسات الدولة عملاً بدستور البلد ذي السيادة لا يمكن تجاهل رأي ملايين السوريين الذين توجهوا الى صناديق الإقتراع بالرغم من التهديد الإرهابي ، واختاروا مستقبل البلاد"
وزارة الخارجية الإيرانية رحّبت بالطابع التعددي للإنتخابات واحترامها المبادئ الديمقراطية اكدت "ان ايران ترى في هذه الإنتخابات اشارة الى عصر افضل من الإستقرار والوحدة الوطنية في سوريا"
في المقابل ، رفض "الإئتلاف الوطني" السوري المعارض في الخارج الإنتخابات معتبراً انها "انتخابات الدم والشعب مستمر في ثورته"
وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ قال : "هذه الإنتخابات ليس لها علاقة بالديمقراطية الحقيقية"
وزير الخارجية الاميركي جون كيري وصف الإنتخابات بأنها "صفر من دون معنى"
هل هي فعلاً من دون معنى ؟
كلا ، بل مترعة بالمعاني والتداعيات ، ابرزها في المرحلة الراهنة ثلاثة :
تبدّى اول تداعيات الإنتخابات السورية في مسارعة كيري الى قطع مشاركته في جولة رئيسه باراك اوباما الاوروبية التي بدأت في فرنسا حيث جرى الإحتفال بالذكرى السبعين للإنزال الذي نفذه الحلفاء في النورماندي خلال الحرب العالمية الثانية ، طائراً الى بيروت ليلتقي رئيس الحكومة تمام سلام ورئيس مجلس النواب نبيه بري والبطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي
في ختام زيارته الخاطفة التي دامت اربع ساعات ، صدر عن كيري ، لاول مرة ، موقف لافت يفيد الإعتراف بحزب الله قوةً اقليمية فاعلة فقد دعا خلال مؤتمر صحافي في السراي الحكومية ، كلاًّ من روسيا وايران وحزب الله الى "العمل معاً لوضع حدٍّ للحرب في سوريا" اللافت في اشارته الى حزب الله ليس الإعتراف به فحسب بل عدم توصيفه كتنظيم "إرهابي" ، كما يفعل المسـؤولون الاميركيون دائماً ، وموازاته ايضاً بإيران وروسيا من حيث التأثير في مجريات الازمـة السورية ثم ان دعوة كيري الموجهة الى حلفاء سوريا الثلاثة من بيروت غداة الإنتخابات الرئاسية السورية تدلّ على وجود هاجس لديه من تداعيات نتيجتها على دول الجوار ، ولاسيما لبنان والاردن ، فهرع الى بيروت ليحتويها ويؤكد دعمه لحكومة تمام سلام التي باتت ، بعد خلو سدة الرئاسة ، السلطة التي تتولى وكالةً صلاحيات رئيس الجمهورية
الى ذلك ، تكشّفت زيارة كيري الخاطفة لبيروت عن هاجس آخر يتصل بنتيجة الإنتخابات السورية فقد اوحى في محادثاته مع المسؤولين كما في مؤتمره الصحافي بوجود مخاوف لدى واشنطن من ان يؤدي شعور الاسد بالإنتصار الى مضاعفة نفوذ حلفائه في لبنان وبالتالي الى تزايد نفوذ دمشق على نحوٍ يؤدي تالياً الى إضعاف حلفاء الولايات المتحدة المحليين فوق ذلك ، تخَوّف كيري من التأثيرات السلبية لشغور سدة الرئاسة على استجابة الجيش وقوى الامن اللبنانية لأي طارئ في غياب رئيس للدولة
غير ان هاجس كيري الاكبر هو حساسيته إزاء مئات آلاف النازحين السوريين والانعكاسات الإقتصادية والامنية لوجودهم في لبنان والمنطقة فقد ناهز تعداد هؤلاء النازحين في لبنان على المليون ونصف المليون ، اي ما يساوي ربع عدد السكان اللبنانيين ، وهم ما زالوا يتدفقون واذ شاطر كيري المسؤولين اللبنانيين مخاوفهم من عدم قدرة البلاد اقتصادياً على تحمّل اعباء هذه الكتلة البشرية المتعاظمة وقدّم لهم دعماً مالياً بقيمة 51 مليون دولار ، فإنه لم يتوانَ عن إبداء مخاوف اكبر من ان يتحوّل عشرات آلاف السوريين النازحين الى لبنان قوة امنية بيد دمشق تحركها في الداخل لخدمة سياستها وسياسة حلفائها المحليين
تخوّف كيري من الإنعكاسات السلبية لمئات آلاف النازحين السوريين في دول الجوار لا يقتصر على لبنان ولا على النواحي الإقتصادية والامنية فحسب بل يطاول ايضاً النواحي الديموغرافية والسياسية فهو لم يكتم خشيته من انعكاسات هذه الظاهرة على الاردن ، وقبله على لبنان ، ما يؤدي الى الإخلال بتركيبتهما الإجتماعية والسياسية وقد تساءل بعض المسؤولين اللبنانيين ممن استمع الى ملاحظاته في هذا الشأن عمّا اذا كانت هواجسه المتزايدة ستدفع واشنطن الى إعادة النظر بسياستها تجاه سوريا لوضع حدٍّ للحرب العبثية الدائرة فيها منذ اكثر من ثلاث سنوات وذلك بغية تدارك مفاعيلها وانعكاساتها السلبية على الدول المجاورة
غير ان الهاجس الثالث الاقوى والاكثر مدعاة لقلق رؤساء الدول في اميركا واوروبا (وروسيا ايضاً) هو "الجهاديون" والتنظيمات الإرهابية في العالم ولاسيما في سوريا والعراق واليمن وسيناء المصرية وليبيا صحيح ان حكومات دول الحلف الاطلسي لا تعترض على ولا تكترث بما يرتكبه الارهابيون وتنظيماتهم ضد حكومات الدول الآنفة الذكر وشعوبها ، لكنها بدأت تقلقها مما يقومون به ضد حلفائها المحليين المعارضين في تلك الدول التي تعاني حروباً واضطرابات امنيـة منذ سنوات غير ان قلقها الاكبر بات الآثار المترتبة على عودة المئات من مواطنيها الذين يقاتلون في صفوف التنظيمات الإرهابية في تلك الدول المضطربة ، ولاسيما سوريا والعراق وليبيا ، الى بلادهم الام بعض مسؤولي اجهزة الإستخبارات الاوروبية بات يخشى من ان يشكّل "الجهاديون" الاوروبيون العائدون مجموعات منظمة متصلة بتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) للقيام بعمليات إرهابية مباشرة في دول اوروبا
تقدّر اجهزة الإستخبارات عدد "الجهاديين" الاوروبيين بنحو 3000 تقول إنهم يتوجّهون غالباً الى سوريا والعراق عبر تركيا بدعوى السياحة او بدعوى الإنخراط في العمل الإجتماعي الإنساني وينسب الصحافي موسى عاصي الى استاذ العلوم السياسية في باريس بيار فيليو الذي اقام في سوريا فترات متقطعة منذ 2011 قوله إن تنظيم "الجهاديين" الاوروبيين يحاربون تحت راية "داعش" ، وان الخوف الاوروبي اليوم هو من ان يكون زعيمه ابو بكر البغدادي الذي بدأ فعلاً بمزاحمة "القاعدة" على الساحة الدولية في حاجة الى عمل ارهابي ضخم يفوق بتداعياته جميع عمليات "القاعدة" وآخرها تفجيرات نيويورك في 11 سبتمبر/ايلول وذلك من اجل ترسيخ "داعش" كقوة "جهادية" دولية اولى
الخوف من "الجهاديين" وتنظيماتهم الإرهابية لا يقتصر على دول الحلف الاطلسي بل يمتد ايضاً الى روسيا فقد حذّر بوتين في مقابلة مع قناة "تي إفت1" الفرنسية من ان العناصر المتشددة الموجودة في سوريا ستشكل خطراً على اوروبا في المستقبل ، متخوّفاً من ان تتحول سوريا الى افغانستان اخرى"
ترى ، هل يقرّب الخوف من "الجهاديين" بين اميركا واوروبا من جهة وروسيا من جهة اخرى ، فتجد الازمة السورية حلاً سياسياً سلمياً لها يُنهي سفك دماء الناس بلا جدوى ؟