الإنتخابات عند العرب مبايعة... الديمقراطية شورى
جريدة "الوطن" فقط لوطن
تاريخ 9/6/2014
الإنتخابات عند العرب مبايعة.. الديمقراطية شورى
د. عصام نعمان
الإنتخابات في عالم العرب قضية خلافية ومثيرة للجدل دائماً الخلاف لا يقتصر على العرب من جهة والغرب من جهة اخرى بل يشمل الاطراف العربية المتنافسة في ما بينها ايضاً
مردُ الخلاف والجدل إختلافُ النظرة الى الإنتخابات بين العرب والغرب كما بين العرب انفسهم الغرب ، مسؤولين ومواطنين ، يفهم الإنتخابات بأنها عملية تنافس هادئ واختيار حرّ بين مرشحين ، افراداً وجماعات ، لملء مقاعد في مجالس نيابية او محلية او بلدية
العرب ، بعضهم في الأقل ، يسلّمون بتعريف الغرب للإنتخابات ، لكنهم لا يعتمدونه في الواقع فالإنتخابات عندهم اقرب ما تكون الى مبايعة او بيعة لحاكم ليس له منافسون
مبايعة الحكام ، سواء كانوا حلفاء او سلاطين او امراء او رؤساء ، لها تراث طويل في تاريخ العرب القديم والمعاصر مبايعة هؤلاء تكون احياناً حرة واحياناً اخرى قسرية ، وفي الحالين لا تنطوي البتة على منافسة غير ان الحكام كانوا دائما حرصاء على اخذ البيعة من المحكومين ، رضاءً او حياءً
الديمقراطية عند العرب قضية خلافية ومثيرة للجدل ايضاً فالغرب ، عموماً، يفهم الديمقراطية بأنها حكم الشعب بالشعب وللشعب من خلال حكومة تحظى بثقة ممثلي الشعب في المجلس النيابي(البرلمان)
لا وجود للشعب ، بالمفهوم الغربي، لدى العرب شعبنا ، او شعوبنا، مجاميع لقبائل وعشائر وجماعات متمايزة ، إمرتها بأيدي شيوخها وزعمائها وولاؤها ، الظاهري او الجدّي ، لحاكم البلاد اياً كانت صفته ومشروعيته لذا فإن حكم الناس لا يتمّ بواسطة حكومة منتخبة بل من طرف الحاكم مباشرةً ، او بمعاونة مساعديه ، وبموجب احكام الشريعة الإسلامية احياناً ، والتقاليد والاعراف السائدة غالباً غير ان بعض الحكام ، بتأثير فقهاء وعلماء او بداعي المصلحة ، يعتمد احياناً مفهوم الشورى القرآني "وامرهم شورى بينهم"
الشورى ليست الديمقراطية بالضرورة فالحاكم ليس ملزماً باستشارة احد ، والرأي الذي يسديه اليه الفقهاء والعلماء واهل الرأي ليس ملزماً له سواء أُبدي بناء على طلبه او جاء عفواً كل ذلك لأن ثقافة الحكم وسياسة البلاد والعباد عند العرب منبعُها الغلبة ومصبها الولاء للحكام واولي الامر
استذكر هذه الافكار والخواطر في مناسبتيّ الإنتخابات الرئاسية في مصر وسوريا ففي مصر كان انتخاب المشير عبد الفتاح السيسي مبايعـة له من انصاره ، وقد فاز من دون منافسة حقيقية له صحيح ان حمدين صباحي نافسه ، لكنها منافسة تكاد تكون نظرية اذ فاز المشير بما يناهز 97 في المئة من اصوات المقترعين ، في حين لم يلامس المقترعون لصباحي عتبة الاربعة في المئة شُكْْْر السيسي لصباحي لافت ، فهو "وفّر فرصة جدية لتحقيق المنافسة الإنتخابية"
مبايعة المصريين للسيسي لا تعني البتة انها تمّت من دون ارادتهم ورضاهم بل هي نتاج ارادتهم القاطعة وإن كان الإقبال على التصويت دون توقعات المشير واركان حملته الإنتخابية غير انها مبايعة يصعب إخضاعها لمعايير الإنتخابات والديمقراطية في الغرب ، وقد لا يكون من المطلوب اخضاعها فهي شرعية ومشروعة بالمعايير التراثية المتعارف عليها
في سوريا ، جرت ايضاً انتخابات رئاسية كما في مصر ، قام انصار الدكتور بشار الاسد بمبايعته من دون منافسة حقيقية وبنسبة مئوية ناهزت 88,7 من عدد المقترعين صحيح ان مرشحين اثنين نافسا الاسد ، لكنها كانت منافسة نظرية لأن احداً لم يتوقع لأيٍّ منهما حظأ بالفوز
الى ذلك ، ثمة فارق لافت بين انتخابات الرئاسة في كل من مصر وسوريا ففي الاولى ، كان الامن والإستقرار مستتبين عموماً فيما في الثانية كانت البلاد في حالة حرب قاسية واحدى المحافظات ، الرقة تحديداً ، خاضعة لسيطرة تنظيم "داعش" ولا مجال ، تالياً ، لأي انتخابات او منافسة فيها
السمة الرئيسة للإنتخابات في مصر وسوريا كانت ، اذاً ، انها مبايعة بالدرجة الاولى وليست انتخابات بالمفهوم الغربي ، وانها لم تنطوِ على منافسة حقيقية غير ان ثمة اختلافاً بين الإنتخابات في مصر وتلك التي جرت في سوريا فالتحدي الذي كان مطروحاً في مصر ليس اجراء الإنتخابات او العجز عن إجرائها ، بينما التحدي في سوريا كان قدرة الحكومة على إجراء الإنتخابات في غمرة حرب قاسية دخلت سنتها الرابعة
أمكن إستجابة التحدي وإجراء الإنتخابات في سوريا بفعل عوامل ثلاثة : الاول ، نجاح الجيش السوري في إستخلاص مناطـق عدة في وسط البلاد (محافظة حمص) وفي شمالها (حلب) وتقليص انتشار المسلحين في محافظة دمشق وبعض اجزاء محافظتيّ درعا والقنيطرة في الجنوب الثاني ، نجاح الجيش السوري عموماً وسلاح الجو خصوصاً في اتخاذ تدابير احتياطية وردعية حدّت من نشاط المسلحين الثالث ، استياء السوريين ، موالين ومعارضين ، من تصرفات التنظيمات السلفية المتطرفة ، ولاسيما "داعش" و "النصرة" ، ضد المدنيين عموماَ وضد بعضهما بعضاً ما ادى الى الإضرار بالبلاد والعباد
ثمة فارق آخر بين إنتخابات مصر وإنتخابات سوريا فالاولى رحّب الخارج عموماً بنتائجها ولم يصدر في الداخل نقد جدي لها اما الثانية فقد رحّب انصار الاسد بحرارة وحماسة بنتائجها في الداخل والخارج ، في حين شجبها خصومه في الداخل والخارج ايضاً
بإختصار ، نجح السيسي والاسد في امتحان المبايعة بقي ان ينجحا في امتحان الشورى والديمقراطية والعدالة والتنمية