جريدة"القدس العربي" و"البناء" تاريخ 2/6/2014
مصر السيسي ستنشغل بنفسها طويلاً
د عصام نعمان
شعب مصر فاجأ عبد الفتاح السيسي بعدم الإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع السيسي وفريقه كانا يتطلعان الى نسبة مئوية من التصويت لا تقل عن 80 في المئة مرأى الملايين الثلاثين الثائرين ضد محمد مرسي في الثلاثين من يونيو/حزيران 2013 ، الهاتفين بسقوطه مع الاخوان المسلمين في شوارع المدن وساحاتها العامة ، ما زال حاضراً في مخيلة السيسي واركان حملته الإنتخابية فوزه بنسبةٍ تقلّ عن 50 في المئة ممن لهم الحق بالإنتخاب خالطه ، اذاً ، شعور بالإحباط
ليس السيسي الشخص من فاز بالرئاسة بل السيسي الرمز او الرامز الى القوات المسلحة الاصح القول إن الدولة العميقة بقيادة الجيش هي التي فازت كانت دائماً تفوز لأن مصر هي هبة النيل والدولة العميقة معاً
حكام مصر ، ملوكاً ورؤساء ، بإستثناء مرسي ، يرمزون بدرجات متفاوتة من الحضور والفعالية الى الدولة العميقة مرسي والاخوان المسلمون سقطوا لأنهم حاولوا السيطرة على مواقع مفتاحية في الدولة العميقة على حسـاب القوات المسلحة مَن يقبض على ناصية الدولة العميقة يقبض على مصير مصر النيل والدولة العميقة حقيقتان خالدتان في تاريخ مصر
شعب مصر جزء من الدولة العميقة لم يشكّل حتى "ثورة 25 يناير" للعام 2011 كياناً مستقلاً بعد الثورة اصبح لاعباً مؤثراً وعصّياً ،احياناً ، على اجهزة الدولة العميقة لكنه لم يتطور بعد الى مستوى كيان مستقل عنها بإرادته ورموزه ومؤسسات مجتمعه المدني سيمّر زمن طويل قبل ان يتمكّن شعب مصر ، بتجاربه السياسية والإجتماعية المنفتحة على الديمقراطية ، من ان يصبح كياناً ولاعباً مستقلاً ومؤثراً في الحياة العامة
كيف عبّر شعب مصر ، من خلال كتلته الناخبة ، عن ارادته ومطالبه في انتخابات الرئاسة ؟
ثمة مؤشرات لافتة في هذا المجال ابرزها خمسة:
اولها ، ان موجة الرفض للاخوان المسلمين ما زالت قوية وجارفة الدليل؟ اكثر من 23 مليون مصري صوتوا للسيسي الذي كان قام ، تنفيذاً لإرادة ملايين المصريين الذين تظاهروا في 30 يونيو/ حزيران 2013 ضد حكم مرسي والاخوان ، بطرد هؤلاء جميعاً من السلطة في 3 يوليو /تموز الماضي
ثانيها ، ان الدافع الرئيس لدى غالبية الناخبين المصريين كان الرغبة الجارفة في استعادة الامن عضو المجلس القومي لحقوق الانسان جورج اسحق عبّر بصدق عن هذا الإتجاه الجارف بقوله : "المصريون صوتوا للمشير عبد الفتاح السيسي من اجل استعادة الامن والإستقرار للبلاد"
ثالثها ، تدني نسبة المشاركة في التصويت اذ ظلّت ، رغم كل حملات التعبئة التي نظمها انصار السيسي وحمدين صباحي ، دون الـ 50 في المئة من مجموع المؤهلين للتصويت نائب رئيس "مركز الاهرام للدراسات الإستراتيجية " وحيد عبد امجيد ردّ ضعف المشاركة الى "حالة فقدان الثقة" التي يعانيها الشعب المصري كشف عبد المجيد ايضاً ان "عدد الذين شاركوا في التصويت خلال اليومين الاولين للإنتخابات كان تقريباً العدد ذاته الذي شارك في الاستفتاء على الدستور" (38 في المئة في يناير/كانون الثاني الماضي) مشيراً الى ان بعض "فئات المجتمع اصابها الإحباط وقررت عدم المشاركة"
رابعها ، ان الناصريين كانوا منقسمين على انفسهم ، فلم يؤيد كل قياداتهم حمدين صباحي بل ان الجمهور الناصري غير المنظم فضّل السيسي على صباحي ربما لشعوره بأنه يحاكي ، بشكلٍ او بآخر ، القائد الراحل جمال عبد الناصر ، وانه سيكون في وسعه إنهاض مصر من كبوتها واستعـادة مسيرة النهضة الى ذلك ، فأن تدني نسبة إقبال الناصريين وغير الناصريين على التصويت لصباحي يردّه جورج اسحق الى "السياسة التي اتبعت منذ بداية الإنتخابات والتي صورتها بأنها محسومة لمصلحة مرشح واحد ، وان المرشح الثاني لم يكن من حقه دخول الإنتخابات من الاصل"
خامسها ، ثمة شبه اجماع على ان العملية الإنتخابية كانت حرة ونزيهة وإن شابها بعض الشوائب والانتهاكات صباحي سلّم بنتيجها وتـوجّه الى الشعب بالقول : "نحترم ارادتك ونريد ان تتوافر لنا جميعاً فرص تليق بنا في انتخابات اكثر عدالة وشفافية" غير انه شدد على انه لن يعطي " اي صدقية وتصديق للأرقام عن نسبة المشاركة" وفيما قوبلت الارقام المعلنة للمشاركة بتشكيك واسع ، فإن بعثتي المراقبة التابعتين لجامعة الدول العربية والاتحاد الاوروبي اكدتا عدم وجود انتهاكات مؤثرة في نتيجة الإنتخابات رئيس بعثة الاتحاد الاوروبي اكد ان الإنتخابات تمّت في بيئة متلائمة مع القانون
اذ تبدو ردود الفعل على الإنتخابات الرئاسية مريحة للسيسي ، فإن المشاكل والاعباء والتحديات التي تنتظره لا توحي له بالراحة ابداً فهو مضطر ، اولاً ، الى مواجهة مشكلتين قبل تسلّم مقاليد السلطة من الرئيس المؤقت عدلي منصور المشكلتان هما اصدار قانون البرلمان الذي ستجري انتخاباته اواخر شهر يوليو/ تموز المقبل ، وقانون مباشرة الحقوق السياسية الذي يثير الكثير من الجدل السيسي يرغب في تفادي الإحراج الممكن ان ينجم عن التأخير في اصدار هذين القانونين وذلك بإقناع الرئيس المؤقت منصور بإصدارهما قبل يوم الخميس المقبل ، الموعد الارجح لتسلّمه مقاليد السلطة
لن تنتهي متاعب السيسي بإصدار قانونيّ البرلمان ومباشرة الحقوق السياسية فالإنتخابات التي ستجري بعد اقل من شهرين تشكّل بحد ذاتها تحدياً كبيراً فهي اول انتخابات تجري في عهده ، واول انتخابات بعد اقصاء الاخوان المسلمين عن رئاسة الدولة وعن البرلمان الامر الذي يتطلب ترتيبات سياسية وادارية بالغة الدقة لتفادي اي اخطاء تنعكس سلباً على عهده في بدايته
قد لا يجد السيسي نفسه مضطراً الى تغيير حكومة ابراهيم محلب قبل انتهاء الإنتخابات التشريعية ، لكن تشكيل حكومة جديدة بعد انتهائها تحدٍ بالغ الاهمية اذ ستكون تركيبتها وبرنامج عملها مؤشراً الى الاهداف والنهج ووسائل العمل التي سيعتمدها السيسي في العهد الجديد
الى ذلك ، ثمة تحدٍ كبير يواجه السيسي في مطلع عهده هو مواجهة الازمة الإقتصادية والضائقة المعيشية اللتين يكابد المصريون مفاعيلها المتفاقمة صحيح ان بعض دول الخليج قد مدّ مصر بالمساعدات والقروض حتى قبل ان يترشح للرئاسة ، لكن ذلك وحده لا يكفي لتخليص مصر من ازمتها المتفاقمة
مقاربة الازمة الإقتصادية وايجاد الحلول الملائمة لها سينعكسان بالضرورة على سياسة مصر الخارجية ذلك ان حاجة القاهرة لقروض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حيث للولايات المتحدة نفوذ كبير، ستدفع السيسي الى إلتزام الحذر وبالتالي عدم مباشرة اي سياسة اقليمية من شأنها ازعاج واشنطن ومن ورائها "اسرائيل"
السيسي سيكون حذراً ايضاً في مقاربة مسألة العلاقات مع ايران وروسيا فأي تقارب مع ايران يؤدي الى نتائج اقليمية ايجابية ، ولا سيما في علاقات القاهرة مع دمشق ، سيثير حفيظة السعودية واي تفاهم عملي مع روسيا لتأمين مصدر اضافي لتسليح الجيش المصري قد تكون له انعكاسات سلبية على علاقات الولايات المتحدة مع مصر
بإختصار ، مصر ستكون منشغلة بنفسها في مطالع عهد السيسي ولن يكون لها ، على الارجح ، دور قيادي بارز في المنطقة يتجاوز ما كان عليه في عهدي مبارك ومرسي