نحو إعادة تكوين السلطة و ... الدولة
جريدة"الخليج" 31/5/2014
نحو إعادة تكوين السلطة و الدولة
د عصام نعمان
لا رئيس للبنان الى اجل غير مسمى فلا مهلة محددة لإنتخاب الرئيس لأن احداً لا يمكنه التكهن بما سيكون عليه اصطفاف القوى البرلمانية في المستقبل المنظور، ولأن الازمة تنطوي على جملة قضايا خلافية ابرزها : جواز او عدم جواز التشريع اثناء خلو سدة الرئاسة ، قانون الإنتخابات النيابية الجديد ، مشروع سلسلة الرتب والرواتب ، وتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية
الأزمة اندلعت وسيتصاعد زخمها تباشيرها تبدّت في إحجام اكثرية النواب المسيحيين من شتى الكتل البرلمانية عن حضور جلسة مجلس النواب بتاريخ 27 الشهر الجاري المخصصة لإقرار سلسلة الرتب والرواتب بدعوى عدم جواز التشريع وعدم ميثاقيته خلال خلو سدة الرئاسة تصرّفُ النواب المقاطعين استفز "هيئة التنسيق النقابية" وجمهورها الكبير العابر للطوائف الهيئة امهلت مجلس النواب لغاية السابع من الشهر المقبل لإقرار السلسلة تحت طائلة النزول مجدداً الى الشارع وشل قطاع التربية والتعليم وادارات الدولة ومرافقها العامة
بعض الكتل البرلمانية استهول ما يمكن ان ينجم عن غضبة الهيئة وجمهورها لذلك اعلنت استعدادها لحضور جلسة قادمة لمجلس النواب بشأن السلسلة بحجة انه يجوز التشريع في ظل حكم الضرورة ، والسلسلة هي من "الضرورات التي تبيح المحظورات"!
بعضٌ آخر من الكتل البرلمانية بدا اكثر تشدداً في هذا المجال فقد نُسب الى زعيم "تكتل الإصلاح والتغيير" العماد ميشال عون قوله إن المرحلة الراهنة هي مرحلة انتقالية تستوجب اللجؤ الى اجراءات استثنائية ، منها جواز التشريع رغم خلو سدة الرئاسة في قضيتين فقط : إعادة تكوين السلطة بإقرار قانون جديد للإنتخابات ، وتأمين مصلحة البلاد العليا بإقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب
عون ، ومثله بعض رؤساء الكتل البرلمانية والقوى الوطنية والإجتماعية الحية، ما عادوا مهتمين بإنتخاب رئيس جديد للجمهورية هم يعتقدون ان في الامر شبه استحالة في ظل التركيبة الحالية لمجلس النواب وتوازن القوى داخله يرى هؤلاء ان مجلس النواب الجديد المفترض انتخابه قبل العشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل سيكون مؤهلاً بصورةٍ افضل لإنتخاب الرئيس ولإقرار الإصلاحات الدستورية والسياسية والإجتماعية المطلوبة ، ولاسيما اذا ما تمّ انتخاب البرلمان وفق قانون انتخابات ديمقراطي وعادل حتى لو تعذّر إقرار قانون انتخابات جديد وجرت الإنتخابات وفق احكام القانون الحالي ، فإنها قد تتمخض عن نتائج مغايرة من شأنها تغيير تركيبة المجلس النيابي الجديد
قبل عون ومعه وبعده ، ثمة تيار متنامٍ يدعو الى تكوين مناخ شعبي ضاغط على الحكومة ، وعلى الشبكة السياسية المتحكمة ببعض اطرافها ، من اجل توليد معارضة سياسية اجتماعية راديكالية تحمل الحكومة على وضع مشروع قانون للإنتخابات قوامه لبنان كله دائرة انتخابية واحدة مع إعتماد نظام التمثيل النسبي ، او الاكثري على قاعدة "لكل ناخب صوت واحد"
القوى الراديكالية تشاطر عون وسائر التكتلات السياسية الإصلاحية الرأي بضرورة إعادة تكوين السلطة ، لكنها تتميّز عنها بالتشدد في العمل على إعادة تكوين الدولة
الراديكاليون عموماً يعتقدون ان الدولة غائبة او مغيبة ، وان لا جدوى من انتخاب رئيس جمهورية جديد في ظل التركيبة السياسية الراهنة للنظام كما لا جدوى من إجراء انتخابات تشريعية جديدة في ظل قانون الإنتخابات الحالي ذلك ان هذه التدابير كلها ستفضي الى نتيجة معروفة سلفاً هي المزيد من الشيء نفسه، اي اعادة انتاج النظام السياسي الطائفي المركانتيلي القائم بكل عيوبه وازماته
في ضوء هذا الفهم لأزمة البلاد والنظام ، تسعى القوى الراديكالية الى اقناع العماد ميشال عون وحلفائه بضرورة إجتراح مقاربة جديدة لمعالجة الازمة قوامها التوافق والنضال ، مع مراعاة الواقعات المستجدة ، على الاسس الآتية:
اولاً ، تداعي النظام ودخوله مرحلة الموت السريري ، وبالتالي عدم جدوى اصلاحه بمفاهيم ووسائل تقليدية
ثانياً ، نشؤ ظروف استثنائية تتطلب قرارات استثنائية وبالتالي شرعية استثنائية
ثالثاً ، ضرورة تحالف القوى السياسية الإصلاحية في مجلس النواب مع القوى الشعبية والاجتماعية والجماهير الساخطة من اجل إجلاء النظام ومؤسساته المنهارة وبالتالي توليد حل للأزمة من ضمن الاصول الدستورية الممكنة في الظروف الاستثنائية الراهنة
رابعاً، اعتبار قانون الإنتخابات الديمقراطي العادل مفتاح الإصلاح السياسي والاجتماعي ، وهو الكفيل بإنتخاب مجلس نيابي جديد ذي طابع تأسيسي يتولى اعادة تكوين السلطة والدولة معاً
خامساً ، رفض البقاء في اطار النظام القائم حتى لو ادى ذلك الى عدم اجراء انتخابات تشريعية في شهر نوفمبر المقبل واحتمال دخول البلاد في حال عصيان سياسي وإجتماعي
اجل ، شرط الدخول في حال بناء الدولة هو الخروج الى غير رجعة من حال النظام المركانتيلي الفاسد