سوريا... ساحة الحروب الثلاث
جريدة" القدس العربي"
و"البناء" تاريخ 19/5/2014
سوريا ... ساحة الحروب الثلاث
د. عصام نعمان
في ختام الإجتماع الأخير لمجموعة "اصدقاء سوريا" ، اعلن وزير خارجية بريطانيا وليم هيغ ان الحل السياسي لإنهاء الحرب في سوريا بعيد المنال صارح الاصدقاء كما الاعداء بقوله : "بالرغم من المكاسب العسكرية لقوات نظام الاسد ، فإن المجموعة تعتقد ان اي طرف لن يحقق نصراً عسكرياً إن هدف المجموعة هو مضاعفة الجهود من اجل التأكد من بقاء المعارضة المعتدلة"
بقاء المعارضة ، اذاً ، هو الهدف ذلك يتطلّب بالضرورة بقاء الحرب ، مع ان "ايَّ طرف لن يحقق فيها نصراً عسكريا" ايُّ حرب هي هذه الحرب وضد من؟
انها ، في الواقع ، ثلاث حروب في آن:
اولاها ، حربُ الولايات المتحدة وحلفائها الأطلسيين والعرب ضد سوريا وايران والإرهاب
ثانيتها ،حرب سوريا ضد "اسرائيل" ، وحلفائها الاطلسيين ، والإرهاب
ثالثتها ، حرب روسيا وايران (غير المباشرة) ضد الدول الاطلسية وضد "اسرائيل" والإرهاب
من الواضح ان الإرهاب هو القاسم المشترك الوحيد بين مختلف الأطراف في الحروب الثلاث مع ذلك ، فإن كلاًّ من الاطراف المتحاربين يعتبر ان ثمة طرفاً اضافياً او اكثر يشكّل له تهديداً يستوجب المحاربة بصورة متزامنة مع الحرب ضد الإرهاب
الى هذه المفارقة ، ثمة مفارقات اخرى فالولايات المتحدة تنشط ضد سوريا ورئيسها ، لكنها ليست ضد الجيش السوري لماذا ؟ لأن الجيش السوري قوة صلبة ضد الإرهاب ولا يجوز ، تالياً ، تمكين التنظيمات الإرهابية من التغلّب عليه اكثر من ذلك ، لا يجوز تمكين اطراف "المعارضة المعتدلة" من التغلّب عليه لماذا ؟ لأن واشنطن تأمل بأن يكون الجيش هو قوام السلطة اذا ما قيض لها ازاحة الرئيس بشار الأسد حتى لو تمكّن الاسد من الفوز بولاية رئاسية جديدة والصمود في موقعه ، وهذا أمر مرجّح ، فإن واشنطن ليست في وارد تفكيك الجيش السوري (وربما ليس في مقدورها) كما سبق لها ان فعلت بالجيش العراقي لأن من شأن ذلك ترك البلاد مسرحاً للفوضى وقاعدة حشد وانطلاق للتنظيمات الإرهابية هذه الامثولة استخلصتها الولايات المتحدة من تجربتها الفاشلة والمكلفة في العراق
في المقابل ، تنشط التنظيمات الإرهابية ضد سوريا والجيش السوري ، وبعضها ضد الولايات المتحدة ، لكنها لا تنشط ضد "اسرائيل" في الوقت الحاضر لماذا ؟ لأنها تحتاج الى "اسرائيل" لوجستياً ، ولاسيما في جبهة حوران الجنوبية المحاذية للجولان السوري المحتل ، حيث تساند "اسرائيل" التنظيمات الإرهابية بالدعم المدفعي ضد مواقع الجيش السوري ، وتستقبل المئات من جرحاها وتتولى تطبيبهم في مستشفيات طبريا وصفد ونهاريا ؟
في ظل هذا الوضع الاقليمي والدولي المضطرب والمعقّد ، يقوم اللاعبون الكبار والصغار ببعض الالعاب والألاعيب اللافتة فالولايات المتحدة تثابر على الإيحاء لقوى "المعارضة المعتدلة" بأنها لن تسمح للرئيس الاسد بالبقاء ، وتمدّها بالمال وبـِ " أسلحة غير قاتلة" ، لكنها ترفض تزويدها صواريخ مضادة للطائرات لأنها لا تريد إعاقة سلاح الجو السوري في حربه ضد التنظيمات الإرهابية
"اسرائيل" تثابر على الإيحاء من خلال تصريحات مسؤوليها الكبار وقدامى قادتها العسكريين والإستخباراتيين انها تفكر بالتدخل بصورة فعالة في الحرب السورية لمنع الجيش السوري من تسجيل نصر حاسم على اعدائه الميدانيين لئلا يصبّ ذلك في مصلحة محور المقاومة والممانعة
فرنسا تحاول تفعيل اجراءات تطويق سوريا سياسياً وامنياً بإقتراح مشروعيّ قرارين في مجلس الامن ، يدعو الاول الى احالة الرئيس الاسد على المحكمة الجنائية الدولية فيما يدعو الثاني الى توفير ممرات للمساعدات الإنسانية داخل سوريا في ظل الفصل السابع ما يمكّن الدول الكبرى الأطلسية من استعمال القوة ضد دمشق اذا حالت سلطاتها وقواتها دون وصول المساعدات الى المتضررين والنازحين
روسيا ، ومثلها ايران ، تدعمان سوريا في حربها على الإرهاب كما تؤيدان إجراء انتخابات رئاسية في مطلع الشهر المقبل نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف اعتبر الإنتخابات وسيلة للمحافظة على وحدة المؤسسات الرسمية السورية
في غمرة هذه الصراعات ، يترسمل الاسد على مكسب تحرير حمص ، التي كانت تُطلق عليها فصائل المعارضة لقب "عاصمة الثورة" ، ويعتبره مؤشراً لفشل الحل السياسي للأزمة وفق مخطط الحلف الاطلسي منه ينطلق لتحقيق مكسبين اضافيين: الاول ، إزاحة مقاتلي "جبهة النصرة" من الاحياء الشمالية الشرقية في حلب ، وطرد تنظيم "داعش" من الشطر الشمالي الشرقي من دير الزور الثاني ، الترسمل على هذين المكسبين المحتملين من اجل تأمين اجراء الإنتخابات الرئاسية في كل مراكز المحافظات السورية ما عدا الرقة حيث يبدو "داعش" قادراً على الإحتفاظ بها لفترة غير وجيزة
مجموعة "اصدقاء سوريا" تعارض بشدة اجراء الإنتخابات الرئاسية ، وتعتبرها غير شرعية ، وتدعو "المجتمع الدولي كافة الى رفضها" ، كما تتعهد "بتغيير الاوضاع على الارض" كما "بزيادة الدعم للمعارضة المعتدلة" في هذا السياق ، قال الرئيس اوباما لزعيم "الإئتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية" احمد الجربا إن الحل السياسي هو المخرج من الازمة لكنه اكد له ، كما مساعدوه ، على متابعة دعم المعارضة السورية بـِ"أسلحة غير قاتلة" ما يعني استمرار تمكينها من متابعة الحرب
الى ذلك ، تسعى "اسرائيل" ، مدعومةً ببعض الخبراء في مجلس الامن القومي الاميركي ، الى الترويج من جديد لفكرة اقامة مناطق حظر جوي في سوريا يقول هؤلاء : اذا كان تزويد المعارضة بالصواريخ المضادة للطائرات والدبابات ينطوي على خطورة تسربها الى ايدٍ غير صديقة ، فإن البديل الآمن هو في ان تتولى الولايات المتحدة او الحلف الأطلسي مهمة اقامة مناطق حظر جوي في سوريا لمنعها من استخدام طيرانها الحربي الحظر يؤدي ، في رأيها ، الى إلغاء تفوقها على قوات المعارضة التي لا تمتلك طائرات ولا صواريخ مضادة لها
هل توافق واشنطن على اعتماد هذا البديل؟
ثمة مؤشران الى ما يمكن ان يكون الجواب عن السؤال:
الاول ، ما ستنتهي اليه جولة المفاوضات بين مجموعة 5+1 وايران في الشهر المقبل ذلك ان عدم التوصل الى تسوية "نووية" في هذا المجال قد يدفع واشنطن الى الموافقة على اقامة مناطق حظر جوي بغية ممارسة مزيد من الضغط على ايران من خلال الضغط على حليفتها سوريا
الثاني ، التباطؤ في تعيين وسيط دولي بديل من الأخضر الإبراهيمي المستقيل بقصد استغلال الوقت الضائع للضغط ، بشتى الوسائل المتاحة ، على كلٍ من ايران وسوريا
في هذه الأثناء ، تبقى سوريا ساحة لحروب ثلاث متزامنة وضارية وليس ، بعد، من ضوء يلوح في نهايات انفاقها المظلمة