جريدة "الخليج"
تاريخ 17/5/2014
المطلوب بعد الإبراهيمي وساطة بين الكبار
د عصام نعمان
استقال الأخضر الإبراهيمي من مهمته وسيطاً بين الحكومة السورية واطراف تعارضها سياسياً واخرى تقاتلها ميدانياً مهمة الإبراهيمي ، اذاً ، كانت الوساطة بين الصغار في حين ان اسباب الأزمة (والحرب) مردُّها الكبار
بعض الاطراف الصغار متحالف مع بعض الكبار بعضهم الآخر متعاقد مع كبار آخرين ويعمل وفق ما يطلبونه كأرباب عمل لا يستطيع الصغار المتعاقدون مخالفة ارادة ارباب العمل المتحالفين الصغير الذي لا يطيع الكبير، يُصرف من العمل في الواقع ، ثمة مصروفون من العمل في ساحات الحرب السورية باتوا يشكّلون طرفاً ثالثاً يقاتل الطرف السوري الرسمي كما المعارضة المسلحة بمختلف فئاتها أليس هذا واقع مقاتلي "داعش" في ساحات شمال سوريا وشرقها ؟
الإبراهيمي ليس غبياً لاحظ مذّ تسلّم مقاليد مهمته في اغسطس/آب من سلفه كوفي انان ان مفاتيح الأزمة يملكها الكبار وليس الصغار حاول ، عبر رئيسه بان كي مون ، حمل الكبار في مجلس الامن على التفاهم حول مقاربة مشتركة لمعالجة الازمة ، ومن ثم على إطار متفق عليه لتسويتها ، لكن دونما طائل انتظر طويلاً تفاهم الكبار وصرف الوقت الضائع في محاولات بائسة ويائسة لحمل الصغار على ايجاد قواسم مشتركة ، لكن هيهات كان عليه ان يستقيل مذّ لاحظ تصلّب الكبار في مواقفهم ، كلّ لأسباب واهداف ومصالح تتعلق به ، فلماذا لم يفعل ؟
دمشق وحلفاؤها يشكّون في نياته يقولون إنه كان جزءاً من مخطط يستهدف سوريا تحديداً وعبرها محور الممانعة والمقاومة المعارضة السورية وحلفاؤها ينكرون هذه التهمة ويحمّلون مسؤولية فشله كلاًّ من ايران وروسيا لإصرارهما على مدّ الحكومة السورية بأسباب القوة والصمود
ايّاً يكن السبب الرئيس لفشل الإبراهيمي ، فالثابت ان للكبار الدور الاكبر في ادارة الصراع الدولي عموماً وفي سوريا واوكرانيا، وقبلهما في فلسطين، خصوصاً ، وهم الذين يتحملون تالياً المسؤولية وإن بدرجات متفاوتة
ماذا بعد الإبراهيمي ؟
لعل الكبار ادركوا اخيراً ان المطلوب لتسوية الازمة السورية وساطة بين الكبار وليس فقط بين الصغار الوساطة بين الكبار لا تحتاج الى وسيط دولي بقدْر ما تتطلّب تفعيل المحادثات الجارية بينهم وتدوير الزوايا ليصار بعد ذلك الى تكليف خلفٍ للإبراهيمي نقل ما يتفاهمون بشأنه الى الصغار كي يهدأوا ويتحاوروا و يمتثلوا
الكبار بدأوا ، في الواقع ، يتقاربون ويتهيأون للإتفاق بشأن مسألتين في الاقل: ايران والخليج ذلك ان المفاوضات بين مجموعة دول 5+1 وايران جرى إستئنافها في فيينا وسط دلائل تشير الى ان ثمة تسوية "نووية" يجري طبخها على نار هادئة وانها قد تصبح ناضجة قبل نهاية شهر يوليو/تموز المقبل
الى ذلك ، اخذت اجواء التوتر تنحسر في الخليج بعد اعلان وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل عن ان بلاده دعت وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى زيارة الرياض للبحث في العلاقات الثنائية كما في شأن عدد من القضايا الإقليمية المشتركة
ايران لن تتأخر في مباشرة محادثات جدية مع السعودية اذا كان ظريف لم يلتقِ بعد الفيصل فربما لأن طهران ما زالت منشغلة مع واشنطن بشروط التسوية "النووية" المرتقبة ذلك ان ايران مصرّة على عدم تقييد قدراتها النووية السلمية إرضاء لـِ "اسرائيل" التي تريد حرمانها منها بالمطلق ، كما تبدو مصرّة على عدم ربط التسوية المرتقبة بأي شروط او تنازلات تقيّد قدرتها على انتاج صواريخ بالستية او اي قيود بشأن دعمها لسوريا بعد تسوية ازمتها
إقرار التسوية "النووية" بين مجموعة 5+1 وايران سينعكس ايجاباً على العلاقات الإيرانية – السعودية هذه بدورها ستنعكس ايجاباً على الوضع السياسي والأمني في لبنان مراقبون كثر يعتقدون ان الإنفراج المرتقب بين ايران والسعودية سيدفع الرياض الى تليين موقفها من بعض "خصومها" السياسيين في لبنان ما يؤدي الى تسريع التفاهم بين القوى السياسية المتصارعة على رئيس جمهوريةٍ "توافقي"
غيـر ان عوائـق وازنة قد تؤخر التسوية "النوويـة" وبالتـالي الإنفـراج الإيراني – السعودي ابرز "العوائق" الثمنُ الذي تريده "اسرائيل" لقاء وقف معارضتها للتسوية داخل الكونغرس الامريكي هي تريد ، اولاً ، حرمان ايران من اي قدرة نووية اذا تعذر على واشنطن مجاراتها في ذلك ، فإن البديل في نظرها هو استمرار فرض العقوبات على ايران بدعوى ان عدم التوصل الى تسوية معها خير من تسوية سيئة اذا تعذر ايضـاً اقناع واشنطن بهذا البديـل فإن "الثمن" المطلوب يمكن "جبايته" من سوريا تحديداً كيف ؟ بالعمل على تقسيمها او ، في الاقل ، بتدويم إستنزافها بحرب متمادية تضرب عمرانها وتشرّد شعبها في اربع جهات الارض
صحيح ان الرئيس اوباما اكد لرئيس "الإئتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية " احمد الجربا ان الحل السياسي هو المخرج من الازمة ، لكنه اكد له ، كما مساعدوه ، على متابعة دعم المعارضة السورية بـِ"أسلحة غير قاتلة" هذا يعني استمرار تمكين المعارضة من متابعة الحرب
الى ذلك ، تسعى "اسرائيل" ، مدعومةً ببعض الخبراء في مجلس الامن القومي الامريكي ، الى الترويج من جديد لفكرة اقامة مناطق حظر جوي في سوريا يقولون : اذا كان تزويد المعارضة بالصواريخ المضادة للطائرات والدبابات ينطوي على خطورة تسربها الى ايدٍ غير صديقة ، فإن البديل الآمن هو في ان تتولى الولايات المتحدة او الحلف الأطلسي مهمة اقامة مناطق حظر جوي في سوريا لمنعها من استخدام سلاحها الجوي الحظر يؤدي الى إلغاء تفوقها على قوات المعارضة التي لا تمتلك طائرات ولا صواريخ مضادة لها
هل توافق واشنطن على اعتماد هذا البديل؟
ثمة مؤشران الى ما يمكن ان يكون الجواب عن السؤال:
الاول ، ما ستنتهي اليه الجولة الحالية من المفاوضات بين مجموعة 5+1 وايران ذلك ان عدم التوصل الى تسوية "نووية" في هذا المجال قد يدفع واشنطن الى الموافقة على اقامة مناطق حظر جوي بغية ممارسة مزيد من الضغط على ايران من خلال الضغط على حليفتها سوريا
الثاني ، التباطؤ في تعيين وسيط دولي بديل من الإبراهيمي بقصد استغلال الوقت الضائع للضغط ، بشتى الوسائل المتاحة ، على كلٍ من ايران وسوريا
عسى الآّ يطول انتظار السوريين الذين يعانون مآسي حربٍ ضروس تأكل البشر والشجر والحجر