جريدة "البناء" والخليج "
تاريخ 5/5/2014
تحرير الاسرى بأهمية تحرير الأرض
د عصام نعمان
بحضور اكثر من 350 شخصية عربية وأجنبية، وبمشاركة اسرى محررين وقادة سياسيين ونقابيين ومناصرين عالميين لقضايا الحرية والتحرير والعدالة ، انعقد في بيروت منتصفَ الاسبوع الماضي "المنتدى العربي الدولي لهيئات نصرة الاسرى في سجون الإحتلال الصهيوني"
نظّم المنتدى ورشَ عملٍ قانونية وسياسية وإعلامية وإجتماعية وتواصلية ناقشت افكاراً ومبادرات ومشروعات عملية في حقول اختصاصاتها ، كما قام عدد من المشاركين بإحياء "يوم قانا" في جنوب لبنان حيث ارتكبت "اسرائيل" واحدة من أفظع مجازرها الوحشية بقصفها معسكراً لقوات الامم المتحدة "يونيفيل" كان لجأ اليه ، هرباً من اتون الحرب ، الالوف من نساء واطفال وشيوخ القرى المجاورة
قيل في المنتدى ، كالعادة ، كلام كثير لكن استوقفتني ، اكثر ما يكون ، كلمةُ كلٍ من الاسيرين المحررين الشيخ عبد الكريم عبيد والسيد موسى دودين فقد ركّز الاسيران المحرران اللبناني والفلسطيني في كلمتيهما على ما عاناه ويعانيه الاسرى، رجالاً ونساءً ، في سجون العدو الصهيوني ، كما ركّزا على مهمة جليلة هي تحرير الاسرى وضرورة اعطائها اولوية مطلقة في الجهاد الموصول الذي تشنه قوى المقاومة العربية والإسلامية في سبيل تحرير فلسطين
عبيد ودونين اوردا عيّنات وامثلة عما يعانيه الاسرى في سجون العدو لكن ما لفتني حقاً قول احدهما ان قائد "الشاباك" (الامن العام) آفي ديختر كان يدخل على زنازين الاسرى ، وبعضهم مضرب عن الطعام، ويسألهم عن مدة عقوبتهم حتى اذا اجابوا انها السجن المؤبد ، ردّ قائلاً : "حكومتنا ومحاكمنا تترفق بكم كان يجب الحكم عليكم بالإعدام" وقد نفّذ هذا المسؤول الإرهابي نياته الوحشية مراراً بأن أوعز الى رجاله بإطلاق النار على بعض الأسرى وقتلهم في غرفهم الإنفرادية
عيّنة اخرى من فظاعات العدو : الحوامل من النساء الاسيرات كن يُتركن في غرفهن الإنفرادية مقيدات الارجل اثناء عملية الوضع
ذكّرتني هذه الفظاعات بقولةٍ لمؤسس علم الإجتماع ابن خلدون حول المظلوم والمضطَهَد الذي يقلّد ظالمه ومضطهِدَه بعد انعتاقه لكن ، مضطهد اليهود كان هتلر وزمرته من النازيين الالمان ، واني أفهم ان يقوم اليهود بالإنتقام من مضطهديهم ، ولعلهم فعلوا ذلك حيث واتتهم الفرصة ، لكن ما ذنب الشعب الفلسطيني المغلوب على امره تحت وطأة الإستعمار البريطاني عندما كان النازيون ينفذون في اوروبا الـ "هولوكوست" بحق يهود ابرياء؟!
الحقيقة العارية تتجاوز في أبعادها قولة ابن خلدون ذلك ان مجازر دير ياسين وقبية وغيرهما التي ارتكبها اليهود الصهاينة عشية انسحاب القوات البريطانية من فلسطين منتصفَ شهر ايار/مايو 1948 إن تدل على شيء فعلى ان القتل والإجرام وسفك الدماء في صلب تربية النازيين الصهاينة ، وان هذه التربية الوحشية والعنصرية من شأنها قتل كل قيمة وشعور انساني لدى المحارب الصهيوني الامر الذي يدفعه الى سحق كل ما تصوره له قيادته بأنه عدو
تبقى العبرة التي استخلصها الاسيران المحرران عبيد ودودين من تجربتهما المرّة وهي ان المهمة ذات الاولوية المطلقة لدى فصائل المقاومة يجب ان تكون تحرير الاسرى اجل ، انها المهمة الجليلة الاكثر مشروعية وإلحاحاً فالحرية هي أغلى قيم الإنسان انها تساوي الحياة نفسها ، فلا يجوز ان تتقدم عليها اي قيمة او مهمة اخرى صحيح ان تحرير الارض مهمة جليلة وعظيمة، لكن الارض ليست أغلى من الإنسان ثم ان تحرير الارض هو من اجل الإنسان ، من اجل ناسها الاحرار وهل يمكن تحرير الارض اصلاً إلاّ بعقول وقلوب وسواعد رجال ونساء احرار؟
اجل ، تحرير الاسرى يجب ان يتقدّم على غيره من المطالب والمهام انه عمل جهادي بإمتياز ، يستمد اهميته وإلحاحه ومشروعيته من قلب قضية المقاومة بل هو معيار لجدّية المقاومة ذلك ان المقاومة الجدّية والجادة لا تترك اسراها وكيف يمكن لمقاتليها الاحرار ان يكونوا جادين في الجهاد والنضال والبذل اذا ما خامرهم شك في ان قيادتهم ستتركهم لمصيرهم ؟
الاسرى اعظم ورقة ضغط تملكها المقاومة في وجه عدوها ، وافعل حجة تعبوية في دعوتها ورسالتها
بإمكان قيادة المقاومة ان تزاوج ، احياناً ، بين مطلب تحرير الاسرى ومطلب تحرير الارض ، لكنها لا يجوز البتة ان تقدّم اي مطلب على تحرير الاسرى
الى ذلك ، يجب ان يمتد مفهوم الحرية والتحرير الى تحرير الإنسان ، كل الإنسان ، من قيوده ولاسيما السياسية والإجتماعية منها فالإنسان المقموع والمقهور والمسكون بالاوهام والاساطير ، والفقير والمريض والامي والمهّمش غير صالح وبالتالي غير قادر على تحرير الاسرى والارض والشعب
من هنا تستبين لنا حقيقة ساطعة وهي ان قضيتنا الاساس هي النهضة والنهضة يواجهها تحديان: سياسي – امني ، واجتماعي – اقتصادي التحدي الاول ، السياسي- الامني ، يتمثّل بالعدو الصهيوني وهو تحدٍّ مصيري لذا تكون لمقاومته اولوية اولى في برنامج عملنا الوطني المتكامل التحدي الثاني ، الإجتماعي- الإقتصادي ، يتمثّل بالفقر والمرض والأمية والجهل لذا تكون لمقاومته اهمية بالغة ، وقد تكون احياناً في مرتبة موازية لأهمية مقاومة العدو الصهيوني ذلك ان تنمية مواردنا وقدراتنا تصبّ ، او يقتضي ان تصبّ ، في الجهاد والجهود المبذولة لتحرير الإنسان والاسرى والارض والامة