جريدة "القدس العربي"
و"البناء اللبنانية، تاريخ 28/4/2014
المصالحة لا تغني عن المقاومة
د عصام نعمان
ان تكون "اسرائيل" ضد المصالحة بين الفلسطينيين ، فهذا امر بديهي لكن ان يكون الفلسطينيون ضد المصالحة فيما بينهم ، فهذا امر عجيب غريب مع ذلك فإن المنازعة بين الفصائل كانت هي القاعدة لدرجة بدت معها المصالحة الاخيرة استثناء لافتاً
هل تصمد المصالحة الجديدة ؟
كاد اسماعيل هنية وعزام الاحمد يقسمان اثناء مؤتمرهما الصحافي بأن المصالحة جدّية وإلتزامها صارم ونهائي غير ان اصواتاً في الوطن والشتات لم تكتم شكوكها بعضها تساءل : ألم يفشل الفلسطينيون في تطبيق "اتفاق القاهرة" العام 2011 وبعده "اعلان الدوحة" في الوقت الذي تتم المصالحة الاخيرة بالإستناد الى هاتين المرجعيتين ؟
بعض الإسرائيليين أظهر شكوكاً مماثلة الباحث ايال زيسر عبّر عن رأي المشككين في صحيفة "يسرائيل هيوم" (24/4/2014) بقوله : "إن اتفاقات مشابهة كان توصل اليها الطرفان في الماضي خُرقت اكثر من مرة ، وآخر حكومة وحدة وطنية شُكّلت العام 2006 انهارت مُحدثة ضجةً كبيرة بعد سيطرة "حماس" على قطاع غزة ( ) وفي الواقع، من الصعب الإفتراض ان ابو مازن وزعماء "حماس" قادرون فعلاً على تخطي مخلفات الماضي ، ولاسيما الإختلافات الاساسية في نظرتهم الى العالم والإختلاف في مصالحهم السياسية على المدى البعيد لذلك نفترض ان حكومة الوحدة الوطنية ، في حال شُكّلت ، لن يكون عمرها طويلاً "
صحيح ان بنيامين نتنياهو بدا متشنجاً في ردة فعله على المصالحة بقوله "إن على محمود عباس ان يختار بين السلام مع "حماس" و السلام مع "اسرائيل" ، إلاّ ان المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والامنية قرر في ختام اجتماعٍ برئاسته "عدم إسقاط السلطة الفلسطينية والإكتفاء بوقف المفاوضات معها والقيام بخطوات مؤلمة إقتصادياً ، وذلك الى حين تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة لرؤيـة ما اذا كانـت ستلتزم بشروط الرباعية الدولية وفي مقدمها الإعتـراف بـ "اسرائيل" والإلتزام بالاتفاقيات الموقعة معها"
اميركا تحفظّت عن المصالحة الجديدة ، لكن وزير خارجيتها جون كيري لم يفقد امله "حيال احتمالات السلام" ، حاثّاً الطرفين على "القيام بالتسويات الضرورية بحيث تستمرالمفاوضات الى ما بعد 29 نيسان/ابريل الجاري"
اذاً، اتفاق المصالحة "ليس خراب الهيكل الثالث" ، كما قال احد المعلّقين الإسرائيليين "اسرائيل" ستنتظر، خلال الاسابيع الخمسة القادمة ، تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة وسترى ما اذا كانت "حماس" ستشارك فيها ، وما اذا كانت ستلتزم الإتفاقات الموقعة مع السلطة ، بينما تكون عقوباتها الإقتصادية قيد التنفيذ
عقوبات "اسرائيل" تتلخص بإجراء مقاصة فورية لإقتطاع ديونها من اموال الضرائب ورسوم الجمارك التي تجبيها لحساب السلطة الفلسطينية وقد يبدأ هذا الإجراء بإقتطاع ديون شركة الكهرباء الإسرائيلية على شركة الكهرباء الفلسطينية ما يؤدي الى عرقلة وصول موارد مالية منتظمة الى خزينة السلطة والى اضطراب في تسديد رواتب الموظفين الفلسطينيين وثمة اتجاه ايضاً الى التضييق على تنقلات القيادات الفلسطينية بين الضفة الغربية وغزة
يبدو ان القيادة الفلسطينية احتاطت مسبقاً للعقوبات الإسرائيلية واتخذت التدابير اللازمة لمواجهتها كبير المفاوضين صائب عريقات عبّر عن ذلك بقوله "إن القيادة تدرس كل الخيارات للرد على "اسرائيل" لأن اولوية الشعب الفلسطيني الآن هي المصالحة ووحدتنا الوطنية" الامين العام للمبادرة الوطنية مصطفى البرغوتي كشف سراً : "اجتمعنا قبل إعداد ورقة المصالحة وتوقيعها مع قيادات عربية من المجتمع المدني لتحصين اتفاق المصالحة من اي تهديدات دولية بفرض حصار على السلطة الفلسطينية وللمطالبة بتوفير مظلة امان عربية له" رهان البرغوتي في هذا المجال يتركّز على ان قرار تشكيل حكومة كفاءات من شخصيات مهنية ومستقلة برئاسة محمود عباس " لن يترك حجة لأي طرف دولي لمحاصرتنا"
الحقيقة ان ثمة "ضمانات" اخرى للحؤول دون فرض الحصار على السلطة الفلسطينية يمكن ايجازها بثلاث :
اولاها ، ان اتفاق اوسلو المعقود بين منظمة التحرير و"اسرائيل" ما زال قائماً ، وتأليف حكومة وحدة وطنية خلال خمسة اسابيع ، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال ستة اشهر انما يتمّان تحت سقف اوسلو بذلك يكون ابو مازن واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قد صرفا النظر عن حلّ السلطـة الفلسطينية ، وليدة إتفاق اوسلو ، ما يعني ان كل ما تقـرر إجراؤه سيتم تحت سقفه ألا يُطمئن هذا التدبير "اسرائيل" واميركا ؟
ثانيتها ، ان "حماس" عادت اخيراً الى السلطة الفلسطينية بعد هجرٍ دام نحو سبع سنوات صحيح انها لن تشترك بأعضاء من تنظيمها في حكومة التكنوقراط المرتقبة ، لكنها وافقت مسبقاً على إقامتها وعلى المشاركة في الإنتخابات التشريعية في إطار السلطة ألا تدل هذه المواقف على انها ، بعودتها الى كنف السلطة ، تكون قد تخلّت عن معارضتها للمفاوضات كوسيلة لإزالة الإحتلال وانها جمّدت ، في الاقل ، مطلبها القديم بإعتماد المقاومة سبيلاً الى تحرير فلسطين من النهر الى البحر؟ ألا يطمئن ذلك كله "اسرائيل" واميركا ؟
ثالثتها ، ان اتفاق المصالحة ينص على الشروع في تجديد مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية تمهيداً لعودة "حماس" اليها والمشاركة في انشطتها ألا يعني ذلك عودة "حماس" الى "بيت الطاعة" الدولي كون منظمة التحرير معترفاً بها اسرائيلياً واميركياً واممياً ؟
ما تقدّم بيانه هو، في الواقع ، "ضمانات" لـِ "اسرائيل" واميركا اكثر مما هو للشعب الفلسطيني وكفاحه من اجل التحرير والعودة فما ضمانات الشعب وقوى المقاومة في حال اقدمت "اسرائيل" ، كعادتها ، على رفض المصالحة الجديدة ومنع تنفيذ بنودها بغية تمديد الإحتلال وتوسيع نطاق الإستيطان ؟ ماذا ستفعل القيادة الفلسطينية اذا تظاهرت "اسرائيل" بالموافقة على إستئناف المفاوضات وفق بعض الشروط الفلسطينية الجزئية لتعود لاحقاً الى المماطلة والمخادعة كما كانت تفعل طيلة السنين العشرين الماضية ؟
الوطنيون المتعقلون لا يطالبون القادة الفلسطينيين بالقيام بمهام فـوق طاقتهم بل يطالبونهم بوضع استراتيجية ثورية وواقعية في آن تكون بديلاً من الإستراتيجية المتهافتة الحالية كي يصبح بمقدورهم مواجهة "اسرائيل" في حال تصعيد حربها على الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات كيف ؟
لعل اهم مفاصل الإستراتيجية المرتجاة خمسة :
اولاً : تعميق المصالحة الوطنية بتحديد ثوابتها وضوابطها واسس محاسبة الخارجين عليها
ثانياً : تسريع عملية إعادة بناء منظمة التحرير بما هي قيادة الشعب الفلسطيني وحركة تحرير ترابه الوطني ، ومرجعية قراره السياسي المتجسدة في المجلس الوطني ، الممثل الشرعي للشعب في الوطن والشتات
ثالثاً : تفعيل المقاومة المدنية والميدانية للشعب الفلسطيني وتوحيد فصائل المقاومة بغية ترفيع فعاليتها التعبوية والقتالية فالمصالحة لا تغني عن المقاومة
رابعاً : تفعيل بناء الدولة الفلسطينية وتوسيع الإعتراف بها اممياً بالإنضمام الى المعاهدات والمؤسسات الدولية ولاسيما تلك التي تمكّنها من ملاحقة المسؤولين الإسرائيليين لإرتكابهم جرائم موصوفة في الاراضي المحتلة كالإستيطان ، والإساءة الى الاسرى والجرحى ، والإبادة ، والعنصرية
خامساً : الفصل بين هدف بناء الدولة بالإنضمام الى المعاهدات والمؤسسات الدولية وبين خيار المفاوضات ، وبالتالي رفض تجميد عملية بناء الدولة على النحو المبين آنفاً ، كما رفض تجميد المقاومة المدنية والميدانية كشرط
لإستئناف المفاوضات
إن إعتماد هذه الإستراتيجية الثورية والواقعية في آن ومباشرة تنفيذها بالسرعة الممكنة يشكّلان رافعة حقيقية للإنتقال بقضية فلسطين من حال السكون والمراوحة الى حال الفعل والإبداع