جريدة "البناء"
تاريخ 19/4/2014
تحالف السلطة والمال
احبط ربيع لبنان الإجتماعـي
د عصام نعمان
ما كان لبنان ينتظر ربيعاً سياسياً الطوائف والطائفية كفيلة بجعلـه مستحيلاً لبنان كان ينتظر ربيعاً إجتماعياً بفضل القوى والجماعات والنقابات ، بقيادة هيئة التنسيق النقابية ، التي نجحت في إطلاق إنتفاضة إجتماعية عابرة للطوائف ربما للمرة الاولى في تاريخ البلاد المعاصر لكن "تحالف السلطة والمال"، كما وصفته صحيفة "النهار" المحافظة ، "انتصر وحصدت هيئة التنسيق النقابية ومعها الوف الموظفين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين دفعة جديدة من الخيبة "
ماذا حدث ؟
حدث ، بإختصار ، ان تحالف السلطة والمال كان ، وما زال ، اقوى من القوى الإجتماعية المناوئة له السلطة ، في هذا السياق ، ليست الحكومة بل الشبكة الحاكمة المكوَّنة من متزعمين في طوائف ، ورجال مال واعمال ، وقيادات متنفذة في القوات المسلحة هذه الشبكة ، وهي سلطة حقيقية عابرة للطوائف شأنَ القوى الإجتماعية المناوئة لها ، استطاعت ازالة ما علق بجسمها وممارستها من اختلافات ومماحكات وتوحيد صفوفها في وجه ما اعتبرته خصماً لسيطرتها وللبلاد معاً
عودة الوفاق (المؤقت اوالطويل الامد؟) بين اطراف الشبكة الحاكمة له اسباب وبالتالي تداعيات لعل اول الاسباب واهمها ان كتلة اصحاب المصارف ، وهي اقوى الاطراف ، هالها ان تتضمن الإصلاحات الضريبية التي انطوى عليها المشروع المعدّل لسلسلة الرتب والرواتب زيادةً في الضريبة على ربح فوائد الودائع المصرفية من 5 الى 7 في المئة الاخطر، في نظر اصحاب المصارف، ان زيادةً في الضريبة قد طاولت ايضاً توظيفات المصارف في سندات الخزينة لدى مصرف لبنان المركزي ، كما ان غرامات عالية نسبياً اتجهت كتل برلمانية متعددة الى الموافقة على فرضها على محتلي الاملاك العامة البحرية ، وجلهم من "حيتان المال" والمتعاملين بقروض بملايين الدولارات مع كبرى مصارف البلد
غير ان المفاجأة لم تكن في عودة اطراف تحالف السلطة والمال الى التوافق والإتحاد بل بتصدّع قوى 8 آذار فقد صوّت نواب "تكتل الإصلاح والتغيير" (بقيادة العماد ميشال عون) الى جانب تكتل 14 آذار المكوّن من حزب "المستقبل" (سعد الحريري) وحزب "القوات اللبنانية" (سمير جعجع) وحزب"الكتائب" (امين الجميل) ومجموعة من النواب المسيحيين الموالين لهم ، ناهيك عن " جبهة النضال الوطني " الوسطية (وليد جنبلاط) ، حاصدين اكثرية ناهزت 65 نائباً مؤيدين قراراً يقضي بتأجيل بت مشروع سلسلة الرتب والرواتب وتشكيل لجنة مختلطة من بضعة وزراء ونواب وحاكم مصرف لبنان المركزي واختصاصيين للتدقيق في صدقية ارقام الواردات والرسوم التي كانت وُضعت من اجل تغطية تكلفتها ، ومنحها مهلة 15 يوماً لإعداد تصوّر جديد لها تمهيداً لإعادة مناقشتها
اللجان ، في التقاليد البرلمانية ، مقبرةُ المشاريع والقوانين هذا يعني ان تحالف السلطة والمال نجح في دفن مشروع سلسلة الرتب والرواتب قد لا يتمكن مجلس النواب من معاودة النظر فيه قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في 25 مايو/ايار المقبل
صفقة تأجيل البت بالسلسلة وامكانية "تطييرها" ما كانت لتتم لولا انحياز "تكتل الإصلاح والتغيير" بنوابه الـ 27 الى قوى 14 آذار المناهضة ، تقليدياً ، لمطالب العمال والاجراء وذووي الدخل المحدود لماذا فعلها التيار العوني ؟ أليس امين سر كتلته النيابية رئيس لجنة المال البرلمانية النائب ابراهيم كنعان هو مَن تولّى تدقيق مجموعة الرسوم والضرائب المقترحة لتغطية نفقات السلسلة ، وهو مَن وضع مشروعها في نسخته الاخيرة ؟
ثمة اسباب وتبريرات عدة قُدمت في هذا المجال لكن اكثرها مدعاة للإرتياب هو القول إن انحياز العونيين الى جانب قوى 14 آذار هو لون من ألوان المقبّلات التي وضعها العونيون على مائدة استمالة الآذاريين للتصويت لعمادهم في انتخابات الرئاسة
من الصعب حالياَ تقويم الاثر السياسي للإنحياز العوني الى قوى 14 آذار لدى حلفائهم في قوى 8 آذار فقد وقفت "كتلة الوفاء للمقاومة" (حزب الله) و"كتلة التحرير والتنمية" (نبيه بري) الى جانب هيئة التنسيق النقابية وحلفائها ، وحدد موقفهما النائب علي فياض بقوله : "إن الضرائب المقترحة لا تحمّل الطبقات الفقيرة اي زيادة ، واذا اطلعنا على جدول الإيرادات نخلص الى اننا نجحنا في عدم زيادة حجم الدين العام"
هذا الكلام لم يقنع زعيم كتلة "المستقبل" البرلمانية فؤاد السنيورة الذي اصر على تأجيل البت بالسلسلة بإنتظار المزيد من البحث والتدقيق ، محذراً من "العودة الى الممارسات العشوائية والزبائنية والتخلي عن الرهانات المالية"
هكذا بعد 25 شهراً من الدرس والتمحيص في مجلس النواب واللجان البرلمانية ، اقرّ المجلس مجدداً تأجيل البت بالسلسلة لمدة 15 يوماً بإنتظار ما ستقترحه لجنة مختلطة خاصة جرى تشكيلها لهذه الغاية لكن اللجنة لن تتمكن من تقديم اقتراحاتها قبل الاسبوع الثاني من شهر مايو/ايار المقبل ، اي عشية مدة الايام العشرة الاخيرة من المهلة الدستورية التي يحق خلالها لمجلس النواب ان يجتمع حكماً من دون دعوة من رئيسه لإنتخاب رئيس الجمهورية الجديد
هيئة التنسيق النقابية وانصارها من الموظفين والعسكريين والمعلمين والاجراء والمتقاعدين لا تهمهم انتخابات الرئاسة ذلك انهم يعتبرون معظم النواب والوزراء والرؤساء ابناء طبقة إجتماعية واحدة معادية او ، في الاقل ، غير مكترثة بهم لذلك سيثابر هؤلاء جميعاً على طرح مطالبهم بقوة متوسلين الإعتصامات والإضرابات والتظاهرات ، وقد باشروها فعلاً في منتصف الاسبوع ، وليس ثمة ما يشير الى انهم سيتوقفون قبل نيل مطالبهم
في المقابل ، يظن تحالف السلطة والمال انه ، مع المباشرة في عقد جلسات البرلمان لإنتخاب الرئيس الجديد ، سينشغل الناس جميعاُ عن السلسلة بمنافسات المرشحين الرئاسيين واضوائهم ، فتنحسر موجة المطالب الإجتماعية ويتقلص عدد المشاركين في التظاهرات المطلبية
لرئيس مجلس النواب نبيه بري رأي آخر فقبل دقائق من رفع جلسة المجلس ليلة الاربعاء الماضية ، توجّه الى النواب والوزراء قائلاً : "أتمنى ألاّ يكون هذا اليوم ظالماً في تاريخ مجلس النواب"
ليس في تاريخ مجلس النواب فحسب بل في تاريخ جمهورية متزعمي الطوائف ايضاً