نشرت بجريدة "البناء" و "القدس العربي"
تاريخ 25/11/2019
لكي "يواصل قيادة اسرائيل"
هل يضرب نتنياهو ايران بمساندة بحرية اميركية ؟
د. عصام نعمان
اخيراً أعلن المدعي العام افيخاي ماندلبليت القرار الإتهامي الاول من نوعه ضد بنيامين نتنياهو . الإتهامات تشمل الرشوة والإحتيال وخيانة الأمانة . ثبوتها ، كلها او بعضها ، تودي برئيس الوزراء الإسرائيلي الذي تولّى السلطة منذ العام 2009 الى السجن لا محالة.
يصعب على نتنياهو الذي استمر في السلطة اطول مدة ، بالمقارنة مع نظرائه ، والذي ما زال طامعاً بالمزيد ان يتقبّل هذه النهاية السياسية المذلّة. لذا سارع الى وصف قرار الإتهام بأنه "محاولة انقلاب على رئيس الوزراء" وانه رغم ذلك "سيواصل قيادة اسرائيل".
كيف ؟ ثمة طريقتان : واحدة سياسية واخرى عسكرية .
سياسياً ، لا يُلزم القانون رئيس الوزراء بالإستقالة بعد اتهامه . ثم ان المحاكمة قد تؤجَّل اشهراً في حال إجراء انتخابات جديدة ما يمكّنه ، بالتأكيد ، من اللجوء الى الحصانة البرلمانية لحماية نفسه من المقاضاة .
الإنتخابات قد تجري في شهر آذار/مارس القادم ، وربما تتأخر مدة سنة ، ذلك ان رئيس الدولة رئوفين ريفلين طلب ، بحكم القانون ، من اعضاء الكنيست (البرلمان) اختيار مرشح جديد لتأليف الحكومة بعدما اخفق نتنياهو اليميني ومنافسه الوسطي بني غانتس في تشكيل حكومة ائتلافية .
في هذه الأثناء ، يستطيع نتنياهو ان يفعل الكثير ، سياسياً وعسكرياً ، كي يعزز حظوظه الإنتخابية . لعله سيلطّف من شراسة تحريضه ضد الفلسطينيين والقائمة العربية المشتركة التي تحتل 13 مقعداً في الكنيست . في سعيه لتفشيل خصمه اللدود غانتس خلال محاولته غير الموفقة لتشكيل الحكومة ، وَصَف القائمة العربية المشتركة بأنها "طابور خامس". بعد تعثر غانتس ليّن نتنياهو لهجته داعياً نظراءه الى عدم إقصاء ايّ جمهور من اللعبة السياسية ، "يهودي وغير يهودي". غير ان هذه الليونة الظرفية لا تلجم نزعته العنصرية المتطرفة وحرصه على حشد كل انواع اليمينيين المتطرفين والحريديم (اليهود المتشددين) في صفه.
يظنّ نتنياهو انه ، بعنصريته وتشدده في وجه فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية وحيال سوريا وايران ، يستطيع التفوق على خصومه في الإنتخابات . لكن استقصائين للرأي العام أجريا بعد صدور القرار الإتهامي ضده أظهر احدهما ان شعبيته تراجعت كرئيس وزراء محتمل ، بينما اظهر الآخر ان حزبه (الليكود) سيخسر مقعدين من مقاعد كتلته في الإنتخابات القادمة.
هذه المؤشرات لا تغيب ، بطبيعة الحال ، عن ذهن نتنياهو ما قد تدفعه الى المخاطرة بإعتماد الطريقة العسكرية كي "يواصل قيادة "اسرائيل" . كيف ؟ بتوجيه ضربة عسكرية قوية لإيران.
يقول المعلّق السياسي في صحيفة "هآرتس" (21/11/2019) يوسي فيرتر "إن خيار حكومة وحدة وطنية لم يعد مطروحاً . فقط مواجهة عسكرية واحدة في الشمال ، في مواجهة ايران او حزب الله ، يمكن ان تفعل ما لم تفعله الف صيغة واقتراحات تسوية وافكار فارغة".
هل يفعلها نتنياهو في حمأة تصميمه الجنوني على تعويم بقائه في السلطة ؟ هل يضرب ايران في عمقها بدعوى استهداف منشآتها النووية للحؤول دون امتلاكها ، عاجلاً او آجلاً، اسلحة نووية تهدد امن "اسرائيل" ؟ ام تراه يضرب في لبنان ما يدّعي انه منشأة لحزب الله لإنتاج صواريخ دقيقة ؟
ثمة اوضاع داخلية في كلٍّ من ايران ولبنان قد يجد فيها نتنياهو ذريعة او فرصة لإستخدام القوة العسكرية سبيلاً الى تحقيق مطامعه السياسية الشخصية . فإيران تعاني من حصار وعقوبات اقتصادية جائرة تبدّت آثارها بالتظاهرات التي عمّت بعض مناطقها احتجاجاً على زيادة اسعار الوقود . ولبنان يعاني منذ اكثر من شهر تظاهرات واحتجاجات على استفحال الضائقة المعيشية والفساد ونهب المال العام ناهيك عن استشراء الخلافات بين اهل السلطة.
الى ذلك ، واكب التطورات السياسية والامنية الاخيرة في السعودية واليمن وايران والعراق ولبنان وسوريا وغزة عرضُ قوةٍ اميركي لافت. فقد عبرت حاملة الطائرات الاميركية "يو أس أس أبراهام لينكولن" ومجموعة المدمرات والبوارج المرافقة لها مضيق هرمز الإستراتيجي في محاولة واضحة لطمأنة حلفاء واشنطن في الخليج ، وقد تكون لها مهمة اضافية مزدوجة : تسديد ضربة صاروخية شديدة لإيران بدعوى لجم برنامجها النووي، والمشاركة في عملية عسكرية اسرائيلية سيدّعي نتنياهو انها تدبير وقائي (وانتخابي !) لصون امن "اسرائيل".
بإختصار ، يجب عدم استبعاد وبالتالي ضرورة التحسب لقيام نتنياهو باللجوء الى القوة العسكرية ضد ايران او ضد فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق. فالرجل مهووس برغبة جامحة للبقاء في السلطة مهما كلّفه الامر لدرجة ان خصمه السياسي غانتس حذّر من انه يخاطر بتصرفاته بإشعال حربٍ اهلية. ربما لتبرير تصرفاته صرّح نتنياهو بأن "اسرائيل" صارت "مضحكة" وان زعماء العالم يسألونه "ما الذي يجري عندكم ؟" ما يوحي بأنه جادّ في إنهاء المهزلة المضحكة !
لكن ، ماذا لو أحبط محور المقاومة مغامرة نتنياهو الجنونية ؟
يقدّرون (نتنياهو وامثاله) فتضحك الأقدار.