نشرت بجريدتي "البناء" و"القدس العربي"
تاريخ 4/11/2019
ما المطلوب :
حكومة لترميم النظام الطائفي ام لبناء بديله المدني ؟
د. عصام نعمان
إنهار نظام المحاصصة الطائفية ولا سبيل للإنكار والمكابرة. معظم اركان النظام المتداعي واللاعبين في ملعبه أقروا مداورةً بهذه الحقيقة بمجرد إجازتهم ، مجاملةً ، "المطالب المحقة" للحراك الشعبي. المطالب المحقة كثيرة ، لكن اكثرها شعبية ومقبولية ثلاثة : إسقاط النظام ، إنهاء الفساد والفاسدين ، وتأمين العيش الكريم.
بعضٌ من النظام الطائفي سقط مع إستقالة الحكومة . اركان النظام المتداعي واللاعبون في ملعبه منشغلون الآن بتشكيل حكومة بديلة بينما اهل الحراك الشعبي على امتداد الجمهورية منشغلون بإستكمال هدم النظام الفاسد بغية بناء نظام بديل بل نقيض. هل موازين القوى المحلية والظروف الاقليمية تسمح لأهل النظام بترميمه ام تتيح للمنتفضين عليه مباشرة بناء بديله المدني؟
رئيس الجمهورية وتكتّله النيابي، "لبنان القوي" ، وخصومه السياسيون ، وابرزهم حزب القوات اللبنانية ، يفضّلون ترميم النظام على إبداله بنظام نقيض. حزب الله وحليفته حركة امل لا يستعجلان إرساء قواعد نظام بديل بل يفضلان الإسراع في تشكيل حكومة وطنية متوازنة لتفادي فراغٍ دستوري وسياسي وانهيارٍ مالي واقتصادي يبدو وشيكاً .
القوى الوطنية والتقدمية (قوامها الاحزاب اليسارية والعلمانية وبعض تشكيلات المجتمع المدني) تؤيد المطالب الاكثر راديكالية للحراك الشعبي. الى ذلك ، تبدو القوى المحرّكة للحراك الشعبي جادة في تعزيزه وإبقائه حيّاً وناشطاً في الشارع لغاية تحقيق "مطالبه المحقة "، وفي مقدّمها المطالب الراديكالية الثلاثة المار ذكرها.
رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري وحزبه وحلفاؤه يجيزون بعض مطالب الحراك الشعبي غير الراديكالية وذلك في سياق ما يؤدي الى ترميم النظام المتصدّع وعدم "الإنزلاق" الى نقيضه.
رئيس الجمهورية وتكتله النيابي ، كما حزب الله وحركة امل والحلفاء ، لا يمانعون في اعادة تكليف الحريري تأليف الحكومة ، لكنهم يشترطون التوافق مقدماً على برنامجٍ للحكومة العتيدة يراعي مصالح مكوّناتها ولا يجافي مطالب الحراك الشعبي. اذا جرى التوافق على برنامج الحكومة ، لا يعود مهماً شكلها : سياسية مؤلّفة من مكوّنات صانعيها ام تكنوقراطية ام تكنوسياسية.
القوى المحرّكة للحراك الشعبي كما القوى الوطنية والتقدمية ترفض بالتأكيد حكومةً بالمواصفات المار ذكرها. ذلك انها ترفض القبول بمقولة ترميم النظام بدعوى عدم وجود موازين قوى محلية وظروف اقليمية مؤاتية . فهي تدعو ، في المقابل ، لتأليف حكومة تباشر، برفق وجدّية ، اعتماد برنامج لبناء قواعد تأسيسية لدولة مدنية ديمقراطية . إن بقاء هذه القوى الفاعلة متضامنة وناشطة في الشارع ، قد يمدّد أمد الصراع المحتدم بين القوى السياسية المتنافسة ، ويزيد الأزمة تعقيداً في ظل صعوبات مالية وإقتصادية جمّة يهوّل اهل النظام بإحتمال تسبّبها بإنهيار مالي وإقتصادي .
الحقيقة ان الإنهيار الجاري التخويف به ومنه حاصل ، وتأليف حكومة ببرنامج محدود لا يتصدّى لمعالجة جذرية للصعوبات والتحديات السياسية والإقتصادية والإجتماعية القائمة والماثلة سيعجّل في إكتمال الإنهيار على جميع المستويات. وعليه ، لا فعالية ولا جدوى من اعتماد المزيد من الشيء نفسه بل يقتضي إقتناع اللاعبين جميعاً وبلا مراوغة بأن نظام المحاصصة الطائفية سقط ولا سبيل الى ترميمه ، وانه يجب ، والحالة هذه ، التوجّه بلا إبطاء الى اعتماد تدابير استثنائية تتطلبها الظروف الإستثنائية التي تمرّ بها البلاد ، وذلك بإتخاذ الخطوات المشروعة الآتية :
اولاً ، تأليف حكومة وطنية جامعة من قياديين اختصاصيين بصلاحيات استثنائية (اصدار مراسيم اشتراعية) وببرنامج عمل راديكالي مكثّف قوامه : تطوير وتنفيذ الورقة الإقتصادية الاصلاحية التي اعلنها سعد الحريري قبل اسبوع من استقالته ، واتخاذ اجراءات تنفيذية معجلة لإسترداد الاموال العامة المنهوبة وإحالة المرتكبين على القضاء، ووضع مشروع قانون ديمقراطي للإنتخابات على اساس ان يكون لبنان دائرة وطنية واحدة ، واعتماد نظام التمثيل النسبي ، وتنفيذ المادة 22 من الدستور التي تقضي بإنتخاب مجلس للنواب على اساس وطني لاطائفي ومجلس للشيوخ لتمثيل الطوائف.
ثانياً ، إحالة مشروع قانون الإنتخابات الجديد على مجلس النواب لإقراره بلا ابطاء بغية إجراء الإنتخابات خلال فصل الربيع القادم. واذا تأخر مجلس النواب او إمتنع عن إقرار قانون الإنتخاب الجديد خلال مهلة شهرين من تاريخ إحالته عليه ، تقوم الحكومة بطرحه بموجب مرسوم اشتراعي ، على استفتاء شعبي لإقراره على ان يتضمن احكاماً لإستكمال انتخاب مجلس النواب ومجلس الشيوخ وفق المادة 22 من الدستور ، واحكاماً اخرى لتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ موضوع المادة ذاتها.
ثالثاً ، يكون من حق الحراك الشعبي والقوى السياسية الوطنية المتضامنه معه ، بل من واجبها في هذه الظروف الاستثنائية ، في حال عدم تنفيذ التدابير موضوع الفقرتين "اولاً " و"ثانياً" اعلاه ، المبادرة الى عقد مؤتمر وطني تأسيسي جامع لمناقشة وإقرار اسس بناء الدولة المدنية الديمقراطية بدءاً بمشروع قانون الإنتخابات الديمقراطي الذي يكفل اقامتها وفق احكام الدستور ، ولاسيما المواد 7 و 22 و 27 منه، على ان يصار الى إقرار القانون المذكور بإستفتاء شعبي لتصبح احكامه شرعية ومعجلة التنفيذ.
ان الحراك الشعبي العابر للمناطق والطوائف والمشارب قد شكّل بحد ذاته استفتاءً شعبياً كرّس سقوط نظام المحاصصة الطائفية ، فلماذا لا يصار الى التأسيس للدولة المدنية الديمقراطية بدءاً بقانون للإنتخابات يؤمّن صحة التمثيل وعدالته ويجري إقراره بإستفتاء شعبي ؟ وهل إقرار هذا القانون في مجلس النواب الحالي اكثر مشروعية وشرعية من إقراره في إستفتاء شعبي على مستوى لبنان كله ؟
الى ذلك ، هل من خيار أجدى وأفعل ؟