جريدة "الخليج"
تاريخ 12/4/2014
كيري لام "اسرائيل" ولم يتهمها
د عصام نعمان
للوهلة الاولى ، بدت شهادة جون كيري في مجلس الشيوخ كأن امريكا تفاجيء نفسها كما "اسرائيل" تخرق تقليداً راسخاً في سياستها اساسه الدعم المتواصل للكيان الصهيوني وتبرير اخطائه وخطاياه والتغطية عليها فجأة يقول وزير خارجيتها إن تفجير المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية تمّ "بعدما لم يتمّ الإفراج عن المعتقلين (الفلسطينيين) في الموعد المقرر سلفاً ، ومرت ثلاثة أيام ، وحينها وعندما كدنا نتوصل تقريباً لصفقة ، تمّ نشر عطاء لنشر 700 وحدة سكنية (استيطانية) في المناطق و Puff وانتهى الامر"
الامر لم ينتهِ بدليل ان الخارجية الامريكية سارعت الى التوضيح : "كيري لم يتهم "اسرائيل" ولم يحمّلها مسؤولية توقف المفاوضات" الاصح انه لامها ، لكن ماذا بعد ؟
مارتن انديك ، مبعوث الإدارة الامريكية ، ما زال مرابطاً في القدس المحتلة وداعياً بلا كلل الوفدين المفاوضين الى اجتراح مخرج يسهّل الخروج من المأزق لكن الامر ليس بهذه السهولة رؤساؤه يدركون جيداً ان الهوة بين الطرفين اتسعت لدرجة بات يصعب معها تجسيرها قبل انصرام اجل المفاوضات في 29 ابريل/ نيسان الجاري
لا مسؤول بارزاً في "اسرائيل" ينكر ان بنيامين نتنياهو مسؤول عن تفجير المفاوضات غالبية مسؤوليها هنأته على فعلته قلّة ، كرئيسة الوفد تسيبي لافني، لامت وزير الاسكان اوري ارئييل لمساهمته في تفجيرها بإعلانه عن عطاءات البناء في مستوطنة جيلو التي سبق ضمها الى القدس الكبرى المحتلة رئيسي حزب العمل وزعيم المعارضة يتسحاق هيرتسوغ دعا رئسي حزبي" يوجد مستقبل" وزير المال يائير لبيد و"الحركة" تسيبي لفني الى الإنسحاب من الحكومة وتقديم موعد الإنتخابات العامة على خلفية الازمة المتفاقمة وحده الوزير وعضو الكنيست السابق عن حزب العمل افرايم سنيه جهر بالحقيقة في صحيفة "يديعوت احرونوت"(8/4/2014) بقوله :" لم يكن ولن يكون ثمة ادنى احتمال بأن تصادق الحكومة الإسرائيلية الحالية على اي اتفاق مع الفلسطينيين"
الفلسطينيون يدركون هذه الحقيقة جيداً ، وفي مقدم هؤلاء محمود عباس فهل يعقل ، والحال هذه ، ان يُقدِم ابو مازن وفريقه المحرج حتى الثمالة بقبول شروط وزير الخارجية افيغدور ليبرمان ، والحرب موشيه يعالون وفي مقدمها سحب طلبات انضمام فلسطين الى 15 معاهدة دولية ؟
هذا كله بات مفهوماً لكن ما "سر" إقدام كيري على لوم "اسرائيل" لتفجيرها المفاوضات من دون تحميلها مسؤولية فعلتها ؟
ثمة تفسيرات عدة :
اولها ان رئيس الديبلوماسية الامريكية اراد تقديم رشوة سياسية محدودة للجانب الفلسطيني تغريه بجدوى معاودة المفاوضات مترسملاً على موقف امريكي اقل انحيازاً لـ "اسرائيل"
ثانيها ان ادارة اوباما باتت محرجة امام حلفائها العرب ما يقتضي اتخاذ موقف ولو محدود ، لحفظ ماء الوجه ازاءهم
ثالثها ان واشنطن تعطي اولوية في هذه المرحلة للمفاوضات الجارية بين مجموعة 5+1 وايران حول برنامجها النووي ، وهي تتوخى لجم "اسرائيل" ، المعادية للتسوية "النووية" المرتقبة ، عن ممارسة ضغوط على اعضاء الكونغرس بغية تعطيل المفاوضات من هنا يتضح ان لوم كيري لها يحدّ من قدرتها على ممارسة ضغوط فاعلة ضد ادارة اوباما ولتفشيل مفاوضاتها الجارية مع ايران
رابعها ان ثمة ، بين المحللين الإستراتيجيين ، مَن يعتقد ان لوم كيري لـِ "اسرائيل" يُؤشر الى احتمالٍ متنامٍ بتدني حاجة واشنطن للكيان الصهيوني كشرطي مساعد لها في حماية مصالحها ، ولا سيما النفطية، في دول الشرق الاوسط ذلك ان الإرتفاع المتزايد في انتاج النفط في الولايات المتحدة والإنخفاض المتوقع في الطلب العالمي يشكّلان مخاطر محتملة على الإنتاج النفطي في الخليج وعلى الاسعار هذه المخاطر تَعَززَ وجودها وتداعياتها بعدما صدر أخيراً تقرير صندوق النقد الدولي بشأن النظرة المستقبلية للإقتصاد العالمي فقد جاء في التقرير "ان النمو الاسرع من المتوقع في انتاج النفط في الولايات المتحدة والمخاطر الناجمة عن امكانية تسجيل طلب عالمي أضعف من المتوقع ، سواء في الدول النامية او الإقتصادات المتقدمة ، يشكّلان مخاطر على اسعار النفط وعلى الإنتاج في دول مجلس التعاون الخليجي" وقد استخلص الخبراء الإستراتيجيون ان ثبوت هذه الواقعات والإحتمالات يقلص حاجة الولايات المتحدة الى "اسرائيل" كشرطي اقليمي مساعد لحماية مصالحها ونفوذها ويقلّص تالياً حاجتها الى النفط العربي ولضرورة حماية حلفائها في دول الشرق الاوسط المنتجة للذهب الاسود
قد لا تشكّل المخاطرالآنفة الذكر تحدياً ماثلاً للولايات المتحدة او لـ"اسرائيل"، إلاّ انها تعكس بوتيرة متصاعدة ظاهرة متنامية هي تطور موازين القوى في المنطقة في غير مصلحة "اسرائيل" ، وان امريكا كما دول المنطقة مضطرة الى وضع هذا الإحتمال في الحسبان على المدى الطويل